الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الخميس
في البحر الأحمر الترابي ضد إيلا أو الغلّ ضد التنمية
نشر في الرأي العام يوم 18 - 02 - 2010

روى ابن المرزبان الحولي أن جاراً لصاحب الخاتم عبدالله بن هلال الكوفي، طلب إليه أن يكتب له خطاباً إلى إبليس - لعنه الله - يقول له فيه « لي جار مكرِم شديد الميل الى شفوق علىّ وعلى أولادي، إن كانت لي حاجة قضاها أو احتجت الى قرض أقرضني وأسعفني، وإن غبت خلفني في أهلي وولدي يبرّهم بكل ما يجد إليه السبيل» فقرأ إبليس الكتاب وقال: هذا حسن وهذا جميل ، فما تحب أن أفعل به؟ قال أن تزيل نعمته وتفقره، فقد أغاظني أمره وكثرة ماله وبقاؤه وطول سلامته» .. الآن يحاول المؤتمر الشعبي، يائساً، في البحر الأحمر أن يكتب لإبليس طالباً منه أن يزيل نعمة أهل الولاية الناهضة وأن يفقرها، فقد أغاظ المؤتمر الشعبي أمر بورتسودان واطراد نموها وتطور عمرانها وتقدم خدماتها ورفعة شأنها وطول سلامتها، ولكن هيهات! ----- لم يكن السيد محمد طاهر إيلا، والي ولاية البحر الأحمر، بحاجة الى مذكرة العشرة ليقول كلمته الأخيرة في شأن شيخ الحركة الإسلامية د. حسن الترابي ولم يكن في انتظار انجلاء معركة المفاصلة ليحدد موقفه النهائي من طريقة قيادة الزعيم الكاريزمي الذي ظل على قمة الحركة الإسلامية في السودان لما يقارب نصف القرن. مبكراً جداً أعلن السيد إيلا - بشكل عملي- أن لديه مشروعاً سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً يتقاطع تماماً مع مشروع الشيخ ويتوافق تماماً مع واقع المواطنين سواء في ولاية البحر الأحمر أو على المستوى القومي الذي ظل يؤدي دوره فيه وفقاً لرؤية بائنة وبسالة لا تخطئها العين طوال الثلاثين عاماً الماضية. في أول إنتخابات داخلية علنية لتنظيم المؤتمر الوطني (الذي كان جديداً حينها) إختار السيد إيلا أن يختصم مع سدنة مشروع الترابي وأن يتوافق مع إرادة الغالبية العظمى من جماهير الولاية ممن إختاروا مساندة حكومة الإنقاذ والإنتماء الى تنظيمها السياسي الذي كان منظروه يحثون الناس على مجافاة كلمة تنظيم واستخدام كلمة نظام عوضاً عنها مثلما فرضوا على الناس استخدام كلمة توالي بدلاً عن تنظيم أيضاً. جرت الإنتخابات الداخلية للتنظيم وانحصر التنافس بين جماعتين واحدة بزعامة إيلا وأخرى بزعامة الشيخ المهندس محمد آدم هقواب وهو قيادي إسلامي نقي السريرة وطاهر اليد وعفيف اللسان لكنه كان بصف الشيخ الترابي. كان الشارع السياسي في بورتسودان يتناول اختصام جماعتي الحركة الإسلامية ويتقصى أخبارهما. بلغ الشارع أن جماعة الشيخ هقواب قالت إنها لا تحفل بالقبيلة ولا بالولاية ولا بالوطن كله وإنما هي تعمل من أجل ديار المسلمين كلها في مشارق الأرض ومغاربها ونما إلى علم الشارع أيضاً أن جماعة السيد إيلا كانت واقعية تماماً وهي تقول إن إنسان الولاية بقبائله المتنوعة قيمه الموروثة وارضه المحدودة هو الأول ضمن إطار السودان أما ديار الإسلام فهي شأن آخر. يتذكر من كان على صلة قريبة بتلك الإنتخابات إن بطاقات التصويت كانت متوافرة للكثيرين (من فئات معينة) وإن وثائق العضوية كانت تتخير من شاءوا أن يقفوا ضد مشروع السيد إيلا وجماعته المناصرة، لكن الإنتخابات أتت بهم رغم كل شيء، واختير إيلا زعيماً للتنظيم السياسي الحاكم في الولاية. حينها يذكر الناس أنه قام في الحشد فخطب وقال إنه يشكر من منحوه أصواتهم ومن وقفوا ضده وإن مرحلة الخلاف قد ولت لصالح مرحلة جديدة يقوم فيها على خدمة طموحات عضوية تنظيمه السياسي، الذي كان التنظيم الوحيد المسموح بعمله، بتجرد ونزاهة ووفق رؤية تجمع ولا تفرق. *** لم تنته الخلافات بين جماعتي التنظيم الحاكم وتبارى المحللون في سبر أسباب النزاع فمن قال إنه نزاع قبلي لم يستطع الإتيان بحجج قوية تدعم زعمه، ومن قال إنه خلاف مناطقي جهوي لم يصمد منطقه، ولعل أبرع ما سمعت من الحجج وقتها أن الحركة الإسلامية تريد نقل لعبة الصراع السياسي في الولاية إلى ساحات جديدة ووفق لاعبين جدد وقوانين جديدة للعبة. قال الزاعمون إن الحركة الإسلامية تريد إحتكار الصراع داخلها! فبدلاً من أن يختلف الناس وفق خطوط تتوزع بين الحزبين الإتحادي الديمقراطي والأمة أو غيرهما فإن الخلاف الآن هو داخل ساحة الجبهة الإسلامية القومية، وفي وقت مناسب قريب ستقوم الجبهة بحل جميع خلافاتها إن شاءت أو الإبقاء عليها كما هي إن أرادت. كان الزاعمون يرون ان الجبهة الإسلامية أرادت بصناعة هذه الخصومة المفتعلة أن تقضي على الإختصام القائم سواء أكان قبلياً أو سياسياً أو مناطقياً وهذه الخصومة المفتعلة ستمكنها من إحتكار آليتي السلطة (الحكومة والمعارضة) لكن اثبتت الأيام أن هذا التحليل لم يكن صائباً أيضاً. قررت قيادة التنظيم إعادة تنظيم صفوفها في الولاية وتم تعيين السيد إيلا وزيراً للبيئة والسياحة في الحكومة الإتحادية ثم وزيراً للتجارة ثم للبيئة والسياحة مرة أخرى ثم للطرق والجسور، حتى جاءت إتفاقية السلام السودانية وتبعات ما بعد نيفاشا 2005م ، التي منحت الولايات سلطات واسعة في إدارة شئونها، فتم تعيين الوزير الإتحادي المخضرم والياً لولاية البحر الأحمر. وحين اتجه لإستلام عمله عائداً للولاية بعد اثنتي عشرة سنة في الخرطوم لم تنتظر جماهير الولاية وصوله الى بورتسودان فبدأت باستقباله قرى الولاية ومدنها الصغيرة على امتداد الطريق البري. لم يخب امل تلك الجماهير التي كانت تعرف أنها موعودة بعهد جديد من الحكم بقيادة رجل صاحب رؤية وإرادة ومعرفة. لسنا في مقام المدح هنا لكن مشروعات كثيرة تم ابتدارها في بورتسودان ثم صارت تطبق في غير مكان من ولايات السودان بينما تم تعميم بعض المشروعات التي تم تنفيذها في الولاية لتطبق على المستوى الإتحادي كله. صارت وفود الولايات الأخرى تترى الى الولاية وهي تنقل هذه التجربة وتلك. الغذاء مقابل التعليم في ريف الولاية وحضرها، التنمية العمرانية، الزراعة، الصناعة والسياحة. قامت الولاية بتمليك السيارات الحكومية للموظفين الذين كانوا يستخدمونها بقروض ميسرة فرفعت الولاية عن كاهلها عبء تشغيل أربعمائة سيارة كانت أقل حظوة برعاية المستفيدين منها لأنهم كانوا يعلمون إنهم يمكنهم إعادتها للنقل الميكانيكي والحصول على غيرها ثم تشتري الولاية في كل عام عشرات السيارات الجديدة عوضاً عن تلك الخاسرة. الآن تم إصدار قرار بتطبيق هذا المشروع على المستوى الإتحادي . إمتلأت شبكة الإنترنت بصور المنشآت الجديدة في بورتسودان ولأول مرة يتم بناء مستشفيات ذات طوابق متعددة بلغت الأربعة طوابق أو تزيد في مدن الولاية الريفية الصغيرة سنكات وطوكر ويجري العمل في بناء ست مستشفيات حديثة في مدن الولاية. قبل سنوات قليلة كان الأطباء يرفضون العمل في مناطق أرياف البحر الأحمر ذات الطبيعة القاسية والترفيه القليل والمجتمع المنغلق لكن الآن يعمل بضع عشرات من الأطباء والإختصاصيين المصريين. ومثلما ارتبط اسم السيد إيلا بإنشاء مدينة أوسيف كلها على نفقة هيئة الموانيء البحرية إبان توليه منصب مديرها العام، يرتبط الآن اسمه بإنشاء مدينة طوكر الجديدة. إنتظمت مدينة بورتسودان كلها حالة من العمران والبناء وجاءت شركات المقاولات الضخمة لتبني الأبراج في الولاية الأقل حصولاً على دعم الحكومة الإتحادية والأقل اصطياداً لواردات النفط. حدثني أحد مواطني الولاية أن الوالي خشى أن تقوم بعض الشركات بالغش في البناء واستخدام مياه البحر بدلاً عن المياه العذبة الموصى بها، فصار يزور مواقع البناء بشكل عشوائي عقب صلاة الفجر ويتذوق بنفسه الماء المستخدم في البناء ! *** قبل عامين تقريباً من الآن زرت السيد إيلا في منزله وكنت قد تجولت في بعض مدن الولاية ورأيت كيف تغيرت البنايات الغبراء ورأيت كيف انتظمت الطرق الداخلية في تلك البلدان القصية. إستقبلني، كعادته، ببشاشة بينما كان يداعب بعض أحفاده من حوله. رأيت على الطاولة بعضاً من الكتب الجديدة المتراصة تبينت منها كتاباً باللغة الإنجليزية عن مميزات الرئيس التنفيذي الناجح للشركات (Successful CEO) وكتاباً مترجماً باللغة العربية عن تجربة مهاتير محمد النهضوية في ماليزيا. شيء يحث على التفاؤل. قبل أكثر من عشرين عاماً من الآن حين كان السيد إيلا شاباً وأباً لعدد من الأطفال قادماً للتو من بريطانيا حيث نال هناك ماجستير الإقتصاد، وكنت صبياً صغيراً دخلت مكتبته الهائلة المهيبة. أذكر تماماً كيف كانت الكتب فيها مصفوفة بانتظام : معاجم عربية، قواميس لغة ، كتب إسلامية ، كتيبات سيد قطب، أسس تربية الأطفال، مجلات العربي، كتب عن وسائل تخزين الحاويات ، قوانين النقل البحري وعناوين كثيرة متنوعة. هكذا إذن - أقول لنفسي الآن- يتم بناء الرؤية وهكذا إذن تحصل البحر الأحمر الآن على حصيلة تلك القراءات الرفيعة والإستبصار النافع. *** لسنا هنا في مقام الإحتفاء بتجربة السيد محمد طاهر إيلا في البحر الأحمر لكننا بصدد التعليق على ما تناولته وسائل الإعلام عن تنازل عدد من المرشحين لمنصب الوالي في الإنتخابات المقبلة لصالح ترشيح مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الأستاذ عبدالله أبوفاطمة عبدالله. قدم السيد أبوفاطمة، وهو من أبناء مدينة سنكات وحاصل على ماجستير الإقتصاد من بريطانيا وعمل سابقاً في شركة الخطوط البحرية السودانية ثم محافظاً لجنوب دارفور وتنقل في عدة مناصب وزارية قبل المفاصلة التي اختار فيها الإنحياز للشيخ الترابي، وثائق ترشحه لمنصب الوالي كمستقل وليس بصفته الحزبية المعروفة. إختار حزب المؤتمر الشعبي التخلي عن قميص الحزب (غير المحبب) والظهور متنكرا في هيئة مستقل و» الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» كما روى عن النواس بن سمعان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم. كره المؤتمر الشعبي أن يطلع الناس على إثم انتماء مرشحه إليه فقرر الإبقاء عليه في طوية نفسه لكنه إذ يخبيء هذا الإنتماء عن مرشحه ينسى أن ناخبي الولاية كلهم يرون صورة الترابي كالظل من وراء المرشح. هكذا يبدو حزب المؤتمر الشعبي (وليس السيد أبوفاطمة) في البحر الأحمر كالفرعون العاري، يحسب أنه يلبس مرشحه إزار المستقل بينما هو يرفل في ثياب الحزب. ينطوي ترشيح الترابي لمساعده كمستقل في ولاية البحر الأحمر على أزدراء غير مسبوق لجماهير الولاية وناخبيها إذ هو يحاول إعادة العمل بخدعة فشل في تمريرها على شعب السودان قبل واحد وعشرين عاماً! قبل واحد وعشرين عاماً من الآن ذهب الشيخ الترابي بإرادته الى السجن حبيساً لحماية نظام حكومة الإنقاذ في أيامه الأولى، وبينما كان يقضي أيامه مستمتعاً بطمأنينة الحبس الإرادي، كان الجميع في سجن كوبر يدرك أن الرجل وراء الإنقلاب حتى قال له أحد المعتقلين ، كما تروى الحكاية « يا أخي والله جاملتنا فأخرج إلى ناسك وشوف شغلك معاهم». بعد المفاصلة صارت حكاية (إذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب إلى السجن حبيساً» رواية تحكى بلا حرج في الفضاء الحر الطلق. إذن يحسب الشيخ الترابي وحزب المؤتمر الشعبي أن ولاية البحر الأحمر تعيش خارج التاريخ والحاضر والجغرافيا حين تسمح بتمرير خدعة شهدها الوطن كله ولم تنطل عليه. حين ذهب الشيخ الترابي حبيساً إلى السجن كان يروم حماية النظام الجديد من مغبة الكشف عن ارتباطه الوثيق به كأنه يعلن للعالم كله أنه إذا كشف الشعب تلك الصلات فسينفض عن حكومة الإنقاذ. الآن يدرك انه إذا أبدى السيد عبدالله أبوفاطمة صفحة نفسه (وهي ظاهرة على كل حال) وقال للناخبين انا مرشح المؤتمر الشعبي فانتخبوني لانفضوا عنه وإذا جاء الشيخ الترابي نفسه وقال للناس هذا هو مرشحي لقيادة ولايتكم لحصبه الناس بالرفض والهتاف المضاد كما ظلوا يفعلون في غير مكان. عموماً حاول المؤتمر الشعبي عدة مرات إثارة الإضطرابات والفوضى بولاية البحر الأحمر فقد أغاظه أمرها كما أوردنا في صدر هذا المقال. فقد حاول منسوبو التنظيم مرة إقامة ندوة غير مرخصة للحزب في بورتسودان وحين منعتها الشرطة افتعلوا اشتباكاً داخل مباني جامعة البحر الأحمر كاد يؤدي إلى انفلات أمني لولا لطف الله. كل هذا بعد ندوة أقامها الحزب لزعيمه في الساحة الشعبية وكال فيها ما كال للنظام دون أن تتعرض له الشرطة إذ أن الندوة كان مرخصاً لها وبالتالي فقد كانت الشرطة مهيأة للتعامل مع ما قد يحدث من طواريء. وفي ديسمبر 2005 اختار الترابي مدينة بورتسودان لتقديم آراء دينية واجتهادات شاذة في مجتمع تقليدي محافظ، إذ أعلن من داخل جامعة البحر
الأحمر إباحته لإمامة المرأة وتشكيكه في نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان مستنكراً غالبية الأحاديث الواردة في هذا الشأن (البيان الإماراتية 29/12/2005). لسنا هنا بصدد مناقشة مثل هذه الآراء بطبيعة الحال لكن إختيار بورتسودان ذات المجتمع المحافظ منبراً لتقديم إجتهادات بهذه الضخامة كان يعني صب الزيت وإشعال عود الثقاب في مدينة لم تحتمل قبل سنوات وجود تمثال في شوارعها فخف اليه البعض بليل وأعملوا فيه تحطيماً. ترى لماذا لم يقدم الرجل إجتهاداته الدينية الخطيرة لكل العالم الإسلامي عبر قناة الجزيرة التي يشاهدها ما يزيد عن الخمسين مليون شخص واختار بورتسودان النائية لتقديم تلك الأطروحات؟ وقبل أشهر قليلة إفتعل بعض الطلاب الذين نسبتهم مجالس المدينة الى حزب المؤتمر الشعبي مشاجرة بالكراسي في ندوة أقيمت على شرف زيارة مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع لكن شيئاً لم يحدث من سيناريوهات الخراب. *** قبل ثلاثة أسابيع تقريباً حاولت مجموعة كبيرة من مؤيدي المرشح لمنصب الوالي والمنشق عن حزب المؤتمر الوطني حامد محمد علي الخروج في تظاهرة غير مرخص لها وحاول منظموها إعطاءها طابعاً قبلياً فمنعتها السلطات وتصدت لها الشرطة. كان الأمر برمته مؤسفاً لكن من يعرفون بورتسودان يدركون حساسية المدينة أمام الإحتكاكات ذات الطابع العرقي. خلال العقود الثلاثة الماضية شهدت المدينة معارك دامية بين قبيلتي النوبة والبني عامر فيما عرف بأحداث دار النعيم، وشهدت معارك البني عامر وبعض قبائل البجا الأخرى التي راح ضحيتها أحد أعيان قبيلة البني عامر في حادثة مؤسفة، وشهدت المدينة التظاهرات المؤسفة التي الى مقتل حوالي الثلاثين شخصاً دون أن تطال القتلة يد العدالة، ودون أن تعلن نتائج التحقيق الذي أجرى حتى الآن. معروفة حساسية المدينة ضد التظاهرات وأعمال العنف لذا فإن الأولوية للأمن والحفاظ عليه ونسأل الله ان يجنب أهل الولاية شرور العنف والعنف المضاد. بعد تظاهرته المحشودة تخلى السيد حامد محمد علي عن ترشيحه لصالح مرشح المؤتمر الشعبي فهل كانت التظاهرة أيضاً لصالح تلك الجماعة؟ ما يستعصى على الناس فهمه هو تنازل مرشح الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة السيد الميرغني لصالح مرشح المؤتمر الشعبي وهو تنازل يخالف لا شك توجهات الحزب الكبير وزعيمه المعروف الموقف من جماعة المؤتمر الشعبي، لكن عش رجباً ترى عجباً. على العموم لا يزال السيد إيلا بسجله الهائل من الإنجازات وحضوره الكبير في الولاية هو المرشح الأفضل والأوفر حظاً للغالبية العظمى من أهل الولاية الذين لن يخاطروا بإهدار ما تحقق لهم من مكاسب، جعلت بعض مواطني الولايات الأخرى يطالبون علناً بأن يقيض الله لهم من هو مثل والي البحر الأحمر كداً وخدمة واجتهادا. ? والغِلُّ، بالكسر، والغَلِيلُ: الغِشُّ والعَداوة والضِّغْنُ والحقْد والحسد ( لسان العرب).

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.