بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الخميس
في البحر الأحمر الترابي ضد إيلا أو الغلّ ضد التنمية
نشر في الرأي العام يوم 18 - 02 - 2010

روى ابن المرزبان الحولي أن جاراً لصاحب الخاتم عبدالله بن هلال الكوفي، طلب إليه أن يكتب له خطاباً إلى إبليس - لعنه الله - يقول له فيه « لي جار مكرِم شديد الميل الى شفوق علىّ وعلى أولادي، إن كانت لي حاجة قضاها أو احتجت الى قرض أقرضني وأسعفني، وإن غبت خلفني في أهلي وولدي يبرّهم بكل ما يجد إليه السبيل» فقرأ إبليس الكتاب وقال: هذا حسن وهذا جميل ، فما تحب أن أفعل به؟ قال أن تزيل نعمته وتفقره، فقد أغاظني أمره وكثرة ماله وبقاؤه وطول سلامته» .. الآن يحاول المؤتمر الشعبي، يائساً، في البحر الأحمر أن يكتب لإبليس طالباً منه أن يزيل نعمة أهل الولاية الناهضة وأن يفقرها، فقد أغاظ المؤتمر الشعبي أمر بورتسودان واطراد نموها وتطور عمرانها وتقدم خدماتها ورفعة شأنها وطول سلامتها، ولكن هيهات! ----- لم يكن السيد محمد طاهر إيلا، والي ولاية البحر الأحمر، بحاجة الى مذكرة العشرة ليقول كلمته الأخيرة في شأن شيخ الحركة الإسلامية د. حسن الترابي ولم يكن في انتظار انجلاء معركة المفاصلة ليحدد موقفه النهائي من طريقة قيادة الزعيم الكاريزمي الذي ظل على قمة الحركة الإسلامية في السودان لما يقارب نصف القرن. مبكراً جداً أعلن السيد إيلا - بشكل عملي- أن لديه مشروعاً سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً يتقاطع تماماً مع مشروع الشيخ ويتوافق تماماً مع واقع المواطنين سواء في ولاية البحر الأحمر أو على المستوى القومي الذي ظل يؤدي دوره فيه وفقاً لرؤية بائنة وبسالة لا تخطئها العين طوال الثلاثين عاماً الماضية. في أول إنتخابات داخلية علنية لتنظيم المؤتمر الوطني (الذي كان جديداً حينها) إختار السيد إيلا أن يختصم مع سدنة مشروع الترابي وأن يتوافق مع إرادة الغالبية العظمى من جماهير الولاية ممن إختاروا مساندة حكومة الإنقاذ والإنتماء الى تنظيمها السياسي الذي كان منظروه يحثون الناس على مجافاة كلمة تنظيم واستخدام كلمة نظام عوضاً عنها مثلما فرضوا على الناس استخدام كلمة توالي بدلاً عن تنظيم أيضاً. جرت الإنتخابات الداخلية للتنظيم وانحصر التنافس بين جماعتين واحدة بزعامة إيلا وأخرى بزعامة الشيخ المهندس محمد آدم هقواب وهو قيادي إسلامي نقي السريرة وطاهر اليد وعفيف اللسان لكنه كان بصف الشيخ الترابي. كان الشارع السياسي في بورتسودان يتناول اختصام جماعتي الحركة الإسلامية ويتقصى أخبارهما. بلغ الشارع أن جماعة الشيخ هقواب قالت إنها لا تحفل بالقبيلة ولا بالولاية ولا بالوطن كله وإنما هي تعمل من أجل ديار المسلمين كلها في مشارق الأرض ومغاربها ونما إلى علم الشارع أيضاً أن جماعة السيد إيلا كانت واقعية تماماً وهي تقول إن إنسان الولاية بقبائله المتنوعة قيمه الموروثة وارضه المحدودة هو الأول ضمن إطار السودان أما ديار الإسلام فهي شأن آخر. يتذكر من كان على صلة قريبة بتلك الإنتخابات إن بطاقات التصويت كانت متوافرة للكثيرين (من فئات معينة) وإن وثائق العضوية كانت تتخير من شاءوا أن يقفوا ضد مشروع السيد إيلا وجماعته المناصرة، لكن الإنتخابات أتت بهم رغم كل شيء، واختير إيلا زعيماً للتنظيم السياسي الحاكم في الولاية. حينها يذكر الناس أنه قام في الحشد فخطب وقال إنه يشكر من منحوه أصواتهم ومن وقفوا ضده وإن مرحلة الخلاف قد ولت لصالح مرحلة جديدة يقوم فيها على خدمة طموحات عضوية تنظيمه السياسي، الذي كان التنظيم الوحيد المسموح بعمله، بتجرد ونزاهة ووفق رؤية تجمع ولا تفرق. *** لم تنته الخلافات بين جماعتي التنظيم الحاكم وتبارى المحللون في سبر أسباب النزاع فمن قال إنه نزاع قبلي لم يستطع الإتيان بحجج قوية تدعم زعمه، ومن قال إنه خلاف مناطقي جهوي لم يصمد منطقه، ولعل أبرع ما سمعت من الحجج وقتها أن الحركة الإسلامية تريد نقل لعبة الصراع السياسي في الولاية إلى ساحات جديدة ووفق لاعبين جدد وقوانين جديدة للعبة. قال الزاعمون إن الحركة الإسلامية تريد إحتكار الصراع داخلها! فبدلاً من أن يختلف الناس وفق خطوط تتوزع بين الحزبين الإتحادي الديمقراطي والأمة أو غيرهما فإن الخلاف الآن هو داخل ساحة الجبهة الإسلامية القومية، وفي وقت مناسب قريب ستقوم الجبهة بحل جميع خلافاتها إن شاءت أو الإبقاء عليها كما هي إن أرادت. كان الزاعمون يرون ان الجبهة الإسلامية أرادت بصناعة هذه الخصومة المفتعلة أن تقضي على الإختصام القائم سواء أكان قبلياً أو سياسياً أو مناطقياً وهذه الخصومة المفتعلة ستمكنها من إحتكار آليتي السلطة (الحكومة والمعارضة) لكن اثبتت الأيام أن هذا التحليل لم يكن صائباً أيضاً. قررت قيادة التنظيم إعادة تنظيم صفوفها في الولاية وتم تعيين السيد إيلا وزيراً للبيئة والسياحة في الحكومة الإتحادية ثم وزيراً للتجارة ثم للبيئة والسياحة مرة أخرى ثم للطرق والجسور، حتى جاءت إتفاقية السلام السودانية وتبعات ما بعد نيفاشا 2005م ، التي منحت الولايات سلطات واسعة في إدارة شئونها، فتم تعيين الوزير الإتحادي المخضرم والياً لولاية البحر الأحمر. وحين اتجه لإستلام عمله عائداً للولاية بعد اثنتي عشرة سنة في الخرطوم لم تنتظر جماهير الولاية وصوله الى بورتسودان فبدأت باستقباله قرى الولاية ومدنها الصغيرة على امتداد الطريق البري. لم يخب امل تلك الجماهير التي كانت تعرف أنها موعودة بعهد جديد من الحكم بقيادة رجل صاحب رؤية وإرادة ومعرفة. لسنا في مقام المدح هنا لكن مشروعات كثيرة تم ابتدارها في بورتسودان ثم صارت تطبق في غير مكان من ولايات السودان بينما تم تعميم بعض المشروعات التي تم تنفيذها في الولاية لتطبق على المستوى الإتحادي كله. صارت وفود الولايات الأخرى تترى الى الولاية وهي تنقل هذه التجربة وتلك. الغذاء مقابل التعليم في ريف الولاية وحضرها، التنمية العمرانية، الزراعة، الصناعة والسياحة. قامت الولاية بتمليك السيارات الحكومية للموظفين الذين كانوا يستخدمونها بقروض ميسرة فرفعت الولاية عن كاهلها عبء تشغيل أربعمائة سيارة كانت أقل حظوة برعاية المستفيدين منها لأنهم كانوا يعلمون إنهم يمكنهم إعادتها للنقل الميكانيكي والحصول على غيرها ثم تشتري الولاية في كل عام عشرات السيارات الجديدة عوضاً عن تلك الخاسرة. الآن تم إصدار قرار بتطبيق هذا المشروع على المستوى الإتحادي . إمتلأت شبكة الإنترنت بصور المنشآت الجديدة في بورتسودان ولأول مرة يتم بناء مستشفيات ذات طوابق متعددة بلغت الأربعة طوابق أو تزيد في مدن الولاية الريفية الصغيرة سنكات وطوكر ويجري العمل في بناء ست مستشفيات حديثة في مدن الولاية. قبل سنوات قليلة كان الأطباء يرفضون العمل في مناطق أرياف البحر الأحمر ذات الطبيعة القاسية والترفيه القليل والمجتمع المنغلق لكن الآن يعمل بضع عشرات من الأطباء والإختصاصيين المصريين. ومثلما ارتبط اسم السيد إيلا بإنشاء مدينة أوسيف كلها على نفقة هيئة الموانيء البحرية إبان توليه منصب مديرها العام، يرتبط الآن اسمه بإنشاء مدينة طوكر الجديدة. إنتظمت مدينة بورتسودان كلها حالة من العمران والبناء وجاءت شركات المقاولات الضخمة لتبني الأبراج في الولاية الأقل حصولاً على دعم الحكومة الإتحادية والأقل اصطياداً لواردات النفط. حدثني أحد مواطني الولاية أن الوالي خشى أن تقوم بعض الشركات بالغش في البناء واستخدام مياه البحر بدلاً عن المياه العذبة الموصى بها، فصار يزور مواقع البناء بشكل عشوائي عقب صلاة الفجر ويتذوق بنفسه الماء المستخدم في البناء ! *** قبل عامين تقريباً من الآن زرت السيد إيلا في منزله وكنت قد تجولت في بعض مدن الولاية ورأيت كيف تغيرت البنايات الغبراء ورأيت كيف انتظمت الطرق الداخلية في تلك البلدان القصية. إستقبلني، كعادته، ببشاشة بينما كان يداعب بعض أحفاده من حوله. رأيت على الطاولة بعضاً من الكتب الجديدة المتراصة تبينت منها كتاباً باللغة الإنجليزية عن مميزات الرئيس التنفيذي الناجح للشركات (Successful CEO) وكتاباً مترجماً باللغة العربية عن تجربة مهاتير محمد النهضوية في ماليزيا. شيء يحث على التفاؤل. قبل أكثر من عشرين عاماً من الآن حين كان السيد إيلا شاباً وأباً لعدد من الأطفال قادماً للتو من بريطانيا حيث نال هناك ماجستير الإقتصاد، وكنت صبياً صغيراً دخلت مكتبته الهائلة المهيبة. أذكر تماماً كيف كانت الكتب فيها مصفوفة بانتظام : معاجم عربية، قواميس لغة ، كتب إسلامية ، كتيبات سيد قطب، أسس تربية الأطفال، مجلات العربي، كتب عن وسائل تخزين الحاويات ، قوانين النقل البحري وعناوين كثيرة متنوعة. هكذا إذن - أقول لنفسي الآن- يتم بناء الرؤية وهكذا إذن تحصل البحر الأحمر الآن على حصيلة تلك القراءات الرفيعة والإستبصار النافع. *** لسنا هنا في مقام الإحتفاء بتجربة السيد محمد طاهر إيلا في البحر الأحمر لكننا بصدد التعليق على ما تناولته وسائل الإعلام عن تنازل عدد من المرشحين لمنصب الوالي في الإنتخابات المقبلة لصالح ترشيح مساعد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الأستاذ عبدالله أبوفاطمة عبدالله. قدم السيد أبوفاطمة، وهو من أبناء مدينة سنكات وحاصل على ماجستير الإقتصاد من بريطانيا وعمل سابقاً في شركة الخطوط البحرية السودانية ثم محافظاً لجنوب دارفور وتنقل في عدة مناصب وزارية قبل المفاصلة التي اختار فيها الإنحياز للشيخ الترابي، وثائق ترشحه لمنصب الوالي كمستقل وليس بصفته الحزبية المعروفة. إختار حزب المؤتمر الشعبي التخلي عن قميص الحزب (غير المحبب) والظهور متنكرا في هيئة مستقل و» الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس» كما روى عن النواس بن سمعان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم. كره المؤتمر الشعبي أن يطلع الناس على إثم انتماء مرشحه إليه فقرر الإبقاء عليه في طوية نفسه لكنه إذ يخبيء هذا الإنتماء عن مرشحه ينسى أن ناخبي الولاية كلهم يرون صورة الترابي كالظل من وراء المرشح. هكذا يبدو حزب المؤتمر الشعبي (وليس السيد أبوفاطمة) في البحر الأحمر كالفرعون العاري، يحسب أنه يلبس مرشحه إزار المستقل بينما هو يرفل في ثياب الحزب. ينطوي ترشيح الترابي لمساعده كمستقل في ولاية البحر الأحمر على أزدراء غير مسبوق لجماهير الولاية وناخبيها إذ هو يحاول إعادة العمل بخدعة فشل في تمريرها على شعب السودان قبل واحد وعشرين عاماً! قبل واحد وعشرين عاماً من الآن ذهب الشيخ الترابي بإرادته الى السجن حبيساً لحماية نظام حكومة الإنقاذ في أيامه الأولى، وبينما كان يقضي أيامه مستمتعاً بطمأنينة الحبس الإرادي، كان الجميع في سجن كوبر يدرك أن الرجل وراء الإنقلاب حتى قال له أحد المعتقلين ، كما تروى الحكاية « يا أخي والله جاملتنا فأخرج إلى ناسك وشوف شغلك معاهم». بعد المفاصلة صارت حكاية (إذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب إلى السجن حبيساً» رواية تحكى بلا حرج في الفضاء الحر الطلق. إذن يحسب الشيخ الترابي وحزب المؤتمر الشعبي أن ولاية البحر الأحمر تعيش خارج التاريخ والحاضر والجغرافيا حين تسمح بتمرير خدعة شهدها الوطن كله ولم تنطل عليه. حين ذهب الشيخ الترابي حبيساً إلى السجن كان يروم حماية النظام الجديد من مغبة الكشف عن ارتباطه الوثيق به كأنه يعلن للعالم كله أنه إذا كشف الشعب تلك الصلات فسينفض عن حكومة الإنقاذ. الآن يدرك انه إذا أبدى السيد عبدالله أبوفاطمة صفحة نفسه (وهي ظاهرة على كل حال) وقال للناخبين انا مرشح المؤتمر الشعبي فانتخبوني لانفضوا عنه وإذا جاء الشيخ الترابي نفسه وقال للناس هذا هو مرشحي لقيادة ولايتكم لحصبه الناس بالرفض والهتاف المضاد كما ظلوا يفعلون في غير مكان. عموماً حاول المؤتمر الشعبي عدة مرات إثارة الإضطرابات والفوضى بولاية البحر الأحمر فقد أغاظه أمرها كما أوردنا في صدر هذا المقال. فقد حاول منسوبو التنظيم مرة إقامة ندوة غير مرخصة للحزب في بورتسودان وحين منعتها الشرطة افتعلوا اشتباكاً داخل مباني جامعة البحر الأحمر كاد يؤدي إلى انفلات أمني لولا لطف الله. كل هذا بعد ندوة أقامها الحزب لزعيمه في الساحة الشعبية وكال فيها ما كال للنظام دون أن تتعرض له الشرطة إذ أن الندوة كان مرخصاً لها وبالتالي فقد كانت الشرطة مهيأة للتعامل مع ما قد يحدث من طواريء. وفي ديسمبر 2005 اختار الترابي مدينة بورتسودان لتقديم آراء دينية واجتهادات شاذة في مجتمع تقليدي محافظ، إذ أعلن من داخل جامعة البحر
الأحمر إباحته لإمامة المرأة وتشكيكه في نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان مستنكراً غالبية الأحاديث الواردة في هذا الشأن (البيان الإماراتية 29/12/2005). لسنا هنا بصدد مناقشة مثل هذه الآراء بطبيعة الحال لكن إختيار بورتسودان ذات المجتمع المحافظ منبراً لتقديم إجتهادات بهذه الضخامة كان يعني صب الزيت وإشعال عود الثقاب في مدينة لم تحتمل قبل سنوات وجود تمثال في شوارعها فخف اليه البعض بليل وأعملوا فيه تحطيماً. ترى لماذا لم يقدم الرجل إجتهاداته الدينية الخطيرة لكل العالم الإسلامي عبر قناة الجزيرة التي يشاهدها ما يزيد عن الخمسين مليون شخص واختار بورتسودان النائية لتقديم تلك الأطروحات؟ وقبل أشهر قليلة إفتعل بعض الطلاب الذين نسبتهم مجالس المدينة الى حزب المؤتمر الشعبي مشاجرة بالكراسي في ندوة أقيمت على شرف زيارة مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع لكن شيئاً لم يحدث من سيناريوهات الخراب. *** قبل ثلاثة أسابيع تقريباً حاولت مجموعة كبيرة من مؤيدي المرشح لمنصب الوالي والمنشق عن حزب المؤتمر الوطني حامد محمد علي الخروج في تظاهرة غير مرخص لها وحاول منظموها إعطاءها طابعاً قبلياً فمنعتها السلطات وتصدت لها الشرطة. كان الأمر برمته مؤسفاً لكن من يعرفون بورتسودان يدركون حساسية المدينة أمام الإحتكاكات ذات الطابع العرقي. خلال العقود الثلاثة الماضية شهدت المدينة معارك دامية بين قبيلتي النوبة والبني عامر فيما عرف بأحداث دار النعيم، وشهدت معارك البني عامر وبعض قبائل البجا الأخرى التي راح ضحيتها أحد أعيان قبيلة البني عامر في حادثة مؤسفة، وشهدت المدينة التظاهرات المؤسفة التي الى مقتل حوالي الثلاثين شخصاً دون أن تطال القتلة يد العدالة، ودون أن تعلن نتائج التحقيق الذي أجرى حتى الآن. معروفة حساسية المدينة ضد التظاهرات وأعمال العنف لذا فإن الأولوية للأمن والحفاظ عليه ونسأل الله ان يجنب أهل الولاية شرور العنف والعنف المضاد. بعد تظاهرته المحشودة تخلى السيد حامد محمد علي عن ترشيحه لصالح مرشح المؤتمر الشعبي فهل كانت التظاهرة أيضاً لصالح تلك الجماعة؟ ما يستعصى على الناس فهمه هو تنازل مرشح الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة السيد الميرغني لصالح مرشح المؤتمر الشعبي وهو تنازل يخالف لا شك توجهات الحزب الكبير وزعيمه المعروف الموقف من جماعة المؤتمر الشعبي، لكن عش رجباً ترى عجباً. على العموم لا يزال السيد إيلا بسجله الهائل من الإنجازات وحضوره الكبير في الولاية هو المرشح الأفضل والأوفر حظاً للغالبية العظمى من أهل الولاية الذين لن يخاطروا بإهدار ما تحقق لهم من مكاسب، جعلت بعض مواطني الولايات الأخرى يطالبون علناً بأن يقيض الله لهم من هو مثل والي البحر الأحمر كداً وخدمة واجتهادا. ? والغِلُّ، بالكسر، والغَلِيلُ: الغِشُّ والعَداوة والضِّغْنُ والحقْد والحسد ( لسان العرب).

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.