عادت أزمة البنزين تظللنا منذ يومين في ظل استمرار أزمة الجازولين الممتدة منذ أسابيع .وقد تعودنا أن نسمع تصريحات وزير الدولة بوزارة النفط حول أسباب هذه الاختناقات ، فيما يحتجب وزير النفط السيد "أزهري عبد القادر" عن توضيح الحقائق ، أو متابعة حركة بواخر النفط في بورتسودان ! واضح أنها أزمة (مركبة) ، فيها شق متعلق بتوفير موارد النقد الأجنبي لشراء ناقلات البترول المتوفرة على طول وعرض البحر الأحمر ، وهذا مسؤولية وزارة المالية ، وهناك شق إداري متعلق بالرقابة على شركات البترول قبل محطات الخدمة ، وهو مسؤولية وزارة النفط . فقد لاحظت أن تزويد المحطات بالوقود يتم (عصراً) ، وليس (ليلاً) أو في ساعة مبكرة من الصباح ، فينفد الوقود وسط دهشة المواطنين بعد ساعات من وصوله الطلمبات !! وهذا يعني أن هناك تسرباً في الكميات ما بين مستودعات الشركة والمحطات ، أو أن الكمية تصل ناقصة من المستودع ، بعلم إدارة الشركة أو بدون علمها . كما أن هناك عدداً من محطات الوقود ظلت مغلقة منذ أسابيع ، وقد رصدت (المجهر) عدداً منها بمحلية بحري وأم درمان ، فأين تذهب كميات البنزين والجازولين المخصصة لهذه المحطات ؟! غير مشكلة شح النقد الأجنبي ، هناك تلاعب كبير يحدث في عمليات توزيع المواد البترولية ، وهذا من صميم مسؤوليات وزارة النفط ، قبل جهاز الأمن . ذات التلاعب يجري تحت سمع وبصر شركات مطاحن الغلال الحكومية والخاصة ، فبعض وكلاء الدقيق وأصحاب المخابز يتصرفون في الكميات المدعومة من وزارة المالية بواقع (250) جنيهاً للجوال الواحد ، ليبقى سعره في حدود (ستمائة جنيه) للمخبز ، فيبيعونه في السوق السوداء بنحو (1200) جنيه . المشكلة الأساسية سواء في الوقود أو الدقيق سببها وجود (سعرين) ، سعر مدعوم، وسعر تجاري ، وهذا ما خلق بيئة الفساد المستشرية في المسافة بين السعرين . لقد صار الفساد وباءً فتاكاً ومنتشراً .. ضرب قطاعات كثيرة وممتدة في المجتمع ، وتجاوز الجهاز الحكومي إلى مساحات واسعة في القطاع الأهلي والخاص ، فتحول الناس إلى وحوش ضارية ، يسعى كل واحد منها لافتراس الآخر ، دون وزاع من دين أو خلق ! الدولة نفسها تحتاج إلى حملة تطهير كبرى لاجتثاث الفاسدين في الخدمة المدنية وما حولها على كافة المستويات ، ليستقيم الحال وتعود الحياة في السودان أكثر استقراراً وطمأنينةً . الهندي عزالدين