يبدو ان الاقتصاد علما غامضا, فمهما كررت وصغت توجه بديل يأتيك نفس الزول كرة اخري ويسأل بحسن نية أو خبث عن بديلك. ولكن رغم ذلك ثبت غموض علم الاقتصاد لتشعبه داخل كل فروع الحوكمة والسياسة والاجتماع والثقافة والرياضيات والعلاقات الخارجية إضافة الِي انه لاهوت الرأسمالية مما يحتم درجة من التلغيز المصطنع لتسهيل الغش الطبقي والسواقة بي الخلا من قبل اقتصاديي السلطة, كهنة العصور الحديثة . كثيرا ما تلوح الدكتورة هبة وزيرة المالية الِي ان حل المشكل الاقتصادي يأتي عبر تعويم سعر صرف. للأسف اتضح ان استيعاب العقل الاقتصادي لهذه الحكومة لقضايا الاقتصاد الكلي به قصور مريع وخطير. شروط التعويم الناجح غير متوفرة حاليا في السودان , وهي معدل تضخم منخفض, اقل من 5% أو نحو ذلك واحتياطي ضخم من العملات الصعبة عند البنك المركزي لتنعيم واحتواء اثر الصدمات والتذبذبات العابرة في سعر الصرف. علي العكس من مستحقات التعويم الناجح , يعاني السودان من معدل تضخم 212% وعجز موازنة اكثر من 25% من الناتج المحلي الاجمالي يتم تمويله بطباعة العملة ويعاني من احتياطي صفري من العملات الأجنبية في البنك المركزي, وفي ظل هذه الظروف سيكون التعويم انتحار سياسي واقتصادي لا لبس فيه. مثلا نجحت تجربة التعويم في مصر لأنها دولة قوية تتمتع بإيرادات موازنة ضخمة ومعدلات تضخم بسيطة ومصادر كبيرة ومتنوعة للعملات الصعبة مثل الصادرات والغاز والبترول وقناة السويس والسياحة وتحويلات مغتربين عملاقة وبورصة أموال واهمية جيواستراتيجية تجيد الدولة في ترجمتها الِي مكاسب اقتصادية. إضافة الِي ذلك حصلت مصر قبل التعويم علي اكثر من 25 مليار هدية من السعودية والأمارات واكثر من 12 مليار دولار من صندوق النقد. ورغم نجاح التعويم فنيا, إلا انه بعد تطبيقه ارتفع معدل الفقر من حوالي 27% الِي حدود 33% أو نحو ذلك. الخروج من هذا النفق السوداني يبدا باحتواء عجز الموازنة وتخفيضه الِي اقل من 5% من الناتج المحلي الاجمالي أو نحو ذلك والتوقف عن طبع العملة , وبعد ان تستقر الأسعار لفترة معقولة وترتفع مصداقية السياسة النقدية والمالية يمكن تحريك سعر الصرف الرسمي تدريجيا لتقليص الهوة بينه وبين سعر السوق الأسود الِي ان تختفي الفجوة ويختفي معها السوق الأسود أو يتقلص حجمه بصورة كبيرة. في الكثير من الأحيان يكون الخلاف في قضايا الاقتصاد لا عن هدف مثل توحيد سعر الصرف، أي مفكر اقتصادي جاد لن يجادل في أهمية هذا الهدف, ولكن الخلاف يكون في كيفية الوصول له لان تفاصيل الرحلة هامة للغاية. وفي الحالة السودانية الطريق الذي تروج له الحكومة لن يحقق أهدافه المعلنة وانما سيودي البلد التوج. قبل ان تنحركم الدكتورة الوزيرة, حد يقول ليها. د. معتصم أقرع معتصم الأقرع