بعد شهر ونصف من اندلاع الحرب في يونيو 2023، كتبت هذا البوست عن المستقبل المظلم للحلف الجنجويدي رغم انتصاراته حينها في الخرطوم وأواسط السودان رغم اعتقاد البعض بانها مؤشر لقرب سيطرتهم على السودان. أعتقد أن سنتين من التاريخ تقول بان حجتي كانت معقولة. والآن أكرر نفس الحجة عن معركة الفاشر وأقول أنه حتى لو نجح الجنجويد في السيطرة على المدينة فانه سيكون نصرا بيروسيا أيضا – وهو النصر باهظ الثمن الذي يندم عليه المنتصر. والسبب هو أنه لو اجتاح الجنجويد الفاشر سيرتكبون من الجرائم كم مهول في المدينة وفي دارفور فهم قوات همجية لا يسيطر علي سلوكها الشق السياسي أبو بدل. عموما إجتياح الفاشر – لو حدث – سيكلفهم في الداخل والخارج تكاليف سياسية باهظة ويفتح عليهم أبواب جحيم من مكونات دارفور الإجتماعية والسياسية ومن الراي العام العالمي. وحتي لو لم تخلق السيطرة على الفاشر كارثة سياسية على الجنجويد، فان واجب إدارة المدينة وغيرها في دارفور وتقديم الخدمات للمواطن مثل الماء والصحة والكهرباء والأمن ستدخلهم في رهق لا قبل لهم به لانهم ببساطة ضباع لا تجيد سوي النهب الطفيلي ولا علم لهم ولا رغبة في توفير أدني حدود الحوكمة. أما أفنديتهم، فانهم لا سلطة لهم على الجند ولا قدرة على إدارة مدن معقدة وتنحصر مهامهم في لبس البدل وتلفيق السرديات والظهور في الإعلام والفنادق بمقابل. ولتفادي أعباء الحكم التي فهمها جون قرنق فان حركته لم تكن تتحمس للسيطرة على مدن كبيرة، فقرنق كان الرجل العالم الذي أدخل السودان الجنوبي والشمالي في مغالطة أنه من الممكن الإستعانة بالاستعمار والاجنبي لخدمة أجندة تقدمية. ولكن حين أكمل قرنق مهامه ونضح قندول الإنفصال قتله الإستعمار لأنه لم يكن يتحمس لفصل الجنوب بما يكفي. والآن ينظر الإستعمار لقبر قرنق ساخرا بإشارة لما فعل أتباعه في الجنوب واتباعه في الشمال الذين تفرق جيبهم بين جنجويد وحكومة وعمالة إقليمية. أدناه مقال يونيو 2023 بعد شهر ونصف من اندلاع الحرب. خسائر الدعم السريع البيروسية: هزيمة أو تعادل أو انتصار بطعم الهزيمة الكاملة معتصم أقرع 2 يونيو 2023 على الرغم من أدائه العسكري المفتول العضلات إلا أن الدعم السريع تكبد خسائر سياسية فادحة منذ بداية هذه الحرب. أولا الانتهاكات التي ارتكبها الدعم باحتلال ونهب منازل ومستشفيات ومباني عامة جعلت من الصعب جدًا على أنصاره داخل السودان وخارجه أن يخرجوا من الكلوسيت ويؤيدوه بشكل علني، الأمر الذي أجبر الغطاء الإعلامي على الاكتفاء بإدانة الطرف الآخر مع تجاهل انتهاكات الدعم السريع أو على الأقل تقليل حجمها بتقديم نقد خجول هدفه ابراء الذمة وتوفير دفوعات يمكن صرفها مستقبلا عند اللزوم. ثانياً، الانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم تعني أنه، حتى لو انتصر، بعد الحرب سيكون من الصعب عليه إيجاد مجموعات وشخصيات مدنية فعالة وذات مصداقية لتزويده بقاعدة مدنية وسياسية لا غنى عنها فالسلطة أبدا لا تجلس علي اسنة الرماح وحدها وتحتاج دوما الي غطاء سياسي وكرفتات وابتسامات تجارية متحضرة. ثالثًا، تبدو العقوبات التي فرضتها الحكومة الأمريكية حتى الان سطحية ورمزية وتحذيرية، لكنها مهمة للغاية من وجهة نظر سياسية بمعنى أنها ستجعل من الصعب نوعًا ما على المجتمع الدولي قبول الدعم السريع كاملا وبلا تحفظ وبلا كلفة إعلامية كفاعل سياسي شرعي في المستقبل. لن تدمر العقوبات الأمريكية – ولا أي جهة اخري سودانية أو اجنبية -الدعم السريع اقتصاديًا أو سياسيًا بضربة واحدة، ولكن هذه معركة الموت بألف طعنة من أين جاءت سواء كانت طعنة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية. وظل الخطاب الإعلامي والدبلوماسي للدعم السريع أكثر احترافية من خطاب الجيش المثقل بأعباء إدارة كل مستويات المعركة العسكرية والسياسية، والإعلامية والدبلوماسية في ظروف حرمان من القاعدة السياسية اللازمة أو الخبرة البشرية التي لا غني عنها. حتى لو انتصر الدعم السريع عسكريا فانه سيكون نَصرا بَيروسِيا وهو النصر باهظ الثمن الذي "يرمز للانتصار مع تكبد خَسائر كَبيرة حتى أنه يرقى إلى مَرتَبة الهَزيمة التي تلغي أي شعور حقيقي بالإنجاز أو تقوض تقدم المُنتَصر على المدى الطويل. ظهر المُصطَلح نسبة الي اليوناني بيروس الإبيري ، الذي أدى انتصاره علي الرومان في معركة أسكولوم عام 279 قبل الميلاد إلى تدمير أغلب جَيشه ، مما أدى إلى إنهاء حملته.". كجسم طفيلي بالتكوين لا يمكن للدعم أن يحكم صراحة وحده. اذ هو بحاجة إلى سلطان قوي يسمح له بالنهب مقابل حماية عرشه. وفر نظام البشير الجسم المضيف المثالي لهذا الطفيل. لكن لا يمكن لقوى مدنية حاكمة ولو اسميا في ظرف حكم شبه ديمقراطي ان تقدم الضيافة التي وفرها البشير بالسماح لقوات الدعم السريع بالازدهار اقتصاديًا كدولة داخل دولة. وهنا تكمن المأساة الوجودية للدعم السريع التي تجعل فنائه حتميا، حتى لو سبب دمار وموت واسع وغير مسبوق قبل ان ينزوي من مسرح التاريخ. تماما كفيروس يموت في النهاية نتيجة لإنهاك جسد الإنسان الذي يعتاش داخله أو يقتل هذا الجسد المضيف. قوات الدعم السريع محكوم عليها بالفشل، حتى لو كان أعداؤها ضعفاء وحتى لو كان بإمكانها شراء دعم العديد من الجماعات والأصوات تحت مظلة محاربة الاخوان. معتصم اقرع إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة