بعض الأفلام تبدو بريئة المظهر ولكنها تخفى وراء الشكل البراق والإبهار البصري، إسقاطات وأفكارا لا تخطر على البال، ولا يمكن فك شفرتها إلا بقراءة مختلفة، ورؤية أكثر عمقاً للحكاية الخادعة. ينطبق ذلك الأمر حرفياً على فيلم 10 آلاف سنة قبل الميلاد "لمخرجه" "رولاند إيمريخ".مظهر الفيلم وإبهاره يدخله ضمن دائرة الأفلام التي تتحدث عن الأزمان السحيقة، ومغامرات الإنسان للسيطرة على الطبيعة، ومصارعة أقداره الصعبة، ولكن النظرة الأعمق تكشف عن محاولة لتقديم رؤية أسطورية لتاريخ اليهود، وبطلهم الأول النبي موسى، بل ومحاولة تأكيد أن الأسطورة التي تمتزج بالمعجزات والخوارق مستلهما شعوباً أخرى يمكن أن تجد في حكاية اليهود وصراعهم مع فرعون نموذجاً يحتذي للتخلص من العبودية، وللبقاء تحت الشمس. "رولاند إيمريخ" كان قد قدم فيلماً شهيراً هو "يوم الاستقلال" لم يكن يخلو من الإسقاطات أو الإشارات المباشرة، ولكنه في "10 آلاف سنة قبل الميلاد" الذي كتبه بالتعاون مع "هارولد كلوزر" يقدم بناءً أكثر تعقيداًً الجزء الأساسي منه يحكى عن نجاح بطل مخلِّص في إنقاذ شعبه وقهر الحاكم الجبّار الذي كان يستعبده ويسخّر أفراده في بناء هرم عملاق. لكن الخوارق الأسطورية تُغلِّف الحكاية بأكملها لتصعد بالقصة من مغزاها الواقعي المباشر إلى آفاق إنسانية أشمل، والقالب الذي ستُحكى من خلاله الحكاية شائق ومبهر ويعتمد على استخدام المؤثرات وخدع الكمبيوتر لإعادة خلق عالم خيالي يعيش فيه الإنسان مُهدداً ووحيداً. والطريف أنه استخدم صوت الراوي الذي يُعلق على الأحداث كما في الدراما الإغريقية، واختار لهذه المهمة صوتاً عميقاً ومؤثراً هو صوت نجمنا العالمي "عمر الشريف". نحن أمام شعب صغير يعيش على صيد حيوان عملاق يطلق عليه الفيلم اسم "المنال". وهناك أم عجوز تتنبأ بأنه سيخرج من هذا الشعب واسمه شعب "الياجال" بطل مُنقذ يحقق لهم الاستقرار وينقذهم من كارثة مدمرة. ويتابع الفيلم هذا البطل المخلص واسمه "داليه" من الطفولة وحتى الشباب، ونراه متعلِّقاً بفتاة جميلة لجأت إلى القبيلة تدعى "إيفوليت" ويقول عنها الراوي إنها تمثل الوعد بالحياة. ونقطة التحول في الأحداث عندما يقوم جنود غامضون يتحدثون لغة غريبة بأسر مجموعة من شعب الياجال ومنهم "إيفوليت"، وستكون مهمة "داليه" الطويلة محاولة لاكتشاف سبب الأسر وتحرير شعبه. وفى طريقه إلى هذه المغامرة سيقابل شعباً آخر من العبيد يحكون له عن ذلك الجبَّار الذي يسخر الجميع لبناء هرم عملاق مستخدماً فيه البشر، وكذلك حيوانات "المنال" العملاقة التي يعتمد شعب الياجال عليها في حياته. يتمتع "داليه" بالشجاعة، وتضيف إليه النبوءة بُعداً أسطورياً واضحاً وكأنه ولد من أجل مهمة محددة تصب في صالح شعبه بل والشعوب الأخرى. على الجانب الآخر تظهر الرموز بوضوح عندما تستعرض الكاميرا من زاوية مرتفعة البناء الهرمي العملاق، والعبيد يستخدمون السياط لإجبار شعب الياجال وغيرهم من الأسرى على البناء. أما الحاكم الجبار فهو يتوارى عن الأنظار، ولا يتحدث إلاّ من خلال كهنة يعقدون أزرعتهم على صدورهم بالهيئة الفرعونية المعروفة. ومشهد المواجهة بين "داليه" والجبار به تلميح صريح بمشهد المواجهة بين فرعون والنبي موسى. ويكون مطلب داليه الأساسي هو تحرير شعبه تماماً مثل النبي موسى، وينجح "داليه" في تدمير الجبار وفى إثبات كذب ادعائه بأنه إله تماماً كما فعل النبي "موسى" مع "فرعون". ويعود "داليه" إلى أرضه التي خرج منها ومعه شعبه وحبيبته "إيفوليت" وبعض البذور التي حصل عليها من الشعب الآخر الذي ساهم في تحريره من العبودية. وهكذا يتحول الصيادون إلى شعب زراعي مستقر أنقذه بطل مخلِّص هدم أسطورة الجبار الإله بعد أن تلقى وعداً بالحياة إيفوليت". وهكذا أيضا تحولت النبوءة الأولى ل "داليه" إلى حقيقة ثم تحولت الحقيقة إلى أسطورة ترويها الأجيال، وتلهم الشعوب الأخرى. تتسلل كل هذه المعاني والإسقاطات من خلال حدوتة تقوم على المغامرات والمعارك والحيوانات الأسطورية ومصارعة النسور والنمور لنكتشف في النهاية أن الفيلم لا يتحدث عن شيء خيالي ولكنه يمزج الأسطوري بالديني، وهناك أيضاً بُعد معاصر واضح.