خلال أقل من أسبوعين لقي أكثر من 25 شخصا مصرعهم في بعض مدن جنوب السودان المختلفة، في حوداث عنف مسلحة، بعضها ذات طابع قبلي، وأخرى ذات طابع سياسي ففي الأسبوع الماضي لقي 16 شخصا مصرعهم، في اشتباكات قبلية، بين مجموعتي نيانق وجوث، بمدينة رمبيك، عاصمة ولاية البحيرات، للدرجة التي تدخلت فيها السلطات، ونشرت وحدات من الجيش الشعبي للتفريق بين القبيلتين، وتلتها باعلان حظر للتجوال الليلي يبدأ من السادسة مساءا وحتى السابعة من اليوم التالي، ولأجل غير مسمى في العاصمة رومبيك. غير أن رئيس لجنة الأمن بالمجلس التشريعي بحكومة الجنوب دانييل دينق مونيديت اتهم بعض الجنود التابعين للجيش الشعبي بالاعتداء على مواطنين عُزّل بمدينة رومبيك عاصمة ولاية البحيرات قبل بداية حظر التجوال بالمنطقة. وقال في تصريحات صحفية إن ما قام به الجنود غير مقبول إطلاقا، داعيا السلطات إلى التحقيق في الواقعة. كما طالب القبيلتين بوقف العدائيات بينهما، تمهيدا لحل المشكلة بشكل قانوني، وفي الأسبوع نفسه أقدم مسلحون مجهولو الهوية على قتل 7 من المواطنين العزل في أحد أحياء مدينة ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل, في حادثة وصفت بالغريبة لعدم معرفة دواعيها حتى الآن، لكن السلطات احتاطت للمسألة وأعلنت حظر جزئيا للتجوال ليلا في المنطقة. وأمس الأول اضطر حاكم ولاية غرب بحر الغزال مارك نيبوج الى اعلان حظر للتجوال الليلي في عاصمة الولاية مدينة واو بعد تواصل هجمات تقودها جماعات مسلحة على المواطنين العُزل, وطالت النائب البرلماني السابق عن الجبهة الديموقراطية المتحدة أمابيلي أوشين الذي تعرض لهجوم في منطقة بسري (20) كيلو متر جنوب مدينة واو بالقرب من جبل (خواجة)، بواسطة (9) أفراد (3) منهم يرتدون زيا رسميا، ويحملون أسلحة كلاشنكوف. وقال شهود عيان تحدثوا ل(الأحداث) عبر الهاتف من واو إن حظر التجوال مازال مفروضا في المدينة، بجانب الانتشار الكثيف للقوات الأمنية المتعددة. وأوضح آدم رحمة, وهو صاحب محال تجارية في المنطقة إن الحظر مفروض منذ أكثر من ثلاثة أسابيع بعد "المحاولة الانقلابية" التي حاول مسؤولون سابقون القيام بها. غير أن وزير الاعلام بالحكومة ايفيسيو كون قال ل(الأحداث) عبر الهاتف إن الأوضاع ماضية في التحسن بعد الاجراءات التي أجرتها السلطات لضبط الأمن في الولاية: (بعد الأحداث التي تلت اعتقال المتورطين في المحاولة الانقلابية, والسيطرة على التفلتات الطلابية, تحاول السلطات الآن التقليل من القبضة الأمنية، لكن بعد أن تتأكد من استتببابه الامن بالولاية). وكانت الحكومة المحلية بواو قد اعتقلت 8 من كبار المسؤولين والوزراء السابقين بعد أن اتهمتهم بمحاولة تغيير الحكومة بالقوة بعد مرور أسبوعين فقط من اعفائهم من مناصبهم, فيما شهدت مدينة واو احتجاجات طلابية واسعة من طلاب الثانويات احتجاجا علي ماوصفوه بعدم التزام الحكومة بدفع مرتبات المعلمين, وهو الأمر الذي أدى اغلاق المدارس لمدة أسبوعين مع فرض حظر التجوال الليلي. والجديد في أحداث العنف هذه أنها انتقلت من ولايات مثل الاستوائية الوسطى وشرق الاستوائية الى ولايات عرفت الهدوء النسبي منذ تكوين حكومة الجنوب قبل نحو 3 أعوام, وهي كذلك تعيد طرح تساؤلات قديمة ومتجددة حول العنف القبلي والسياسي في الجنوب في ظل انتشار السلاح الصغير فيها وتأثيرها على العملية السلمية في الاقليم برمته. وطبقاً لدراسة صدرت حديثاً في الجنوب فإن الأسلحة الصغيرة تنتشر بكثافة في الجنوب، خاصة في ولايتي الاستوائية الوسطى وشرق الاستوائية. وتقول ماريكي سكوميروس, والتي أعدت هذه الدراسة لصالح مجموعة "مسح الأسلحة الصغيرة" إن كثافة وجود الأسلحة الصغيرة في الجنوب وخاصة في الولايتين قد يشكل تهديداً جدياً لاتفاقية السلام الشامل (صحيح إن اتفاقية السلام لديها مهددات أخرى، ولكن أخطرها هو وجود مثل هذه الأسلحة, لأنها تهديد غير مرئي ولايلقى لها بالاً الآن, وأخشى أن نلتفت لهذا الأمر بعد فوات الأوان). ومعظم السلاح المنتشر حالياً والذي يقدر بأكثر من 750 ألف قطعة سلاح موزعة مابين الرشاشات والبنادق الآلية والمسدسات، معظمها من مخلفات الحرب التي دارت رحاها في الجنوب، غير أن حركة دخول السلاح مازالت مستمرة من منافذ عديدة، تشمل أوغندا وكينيا والكنغو الديمقراطية وإثيوبيا حسبما ذكر عبدالرحمن بخيت رئيس اللجنة الأمنية للتحكم في الأسلحة الصغيرة في حكومة الجنوب. ويقر بخيت بخطر الأسلحة الصغيرة المنتشرة في الجنوب على الحياة العامة. وتفكر الحكومة في آليات أكثر صرامة في السيطرة عليها، (أقمنا ورشة عمل خلال الفترة الماضية بمشاركة خبراء أمنيين وقانونيين لمناقشة الظاهرة, وتوصل الجميع الى ضرورة وضع تشريعات وقوانين صارمة لتنظيم حمل السلاح في الجنوب, وتوصلنا الى مسودة أولية للقانون سنسلمها الى وزارة الشؤون القانونية وتطوير الدستور بالجنوب). لكن رئيسة لجنة السلم والمصالحة بالمجلس التشريعي لحكومة الجنوب ماري ريت تقلل من خطر الأسلحة في الجنوب, ولكنها تقر بأن القبلية مازالت من مهددات السلم والأمن بالجنوب. وقالت ل(الأحداث) عبر الهاتف إن الصراع القبلي هو الذي يخلف عددا أكبر من الضحايا (حاليا توجه وفد من لجنة السلم بالبرلمان الى رومبيك لفض النزاع بين مجموعتي جوث ونيانق بعد الصراع الذي أدى الى مقتل 16 شخصا وجرح العشرات من الطرفين).