بدأت «عملية الرصاص المسكوب» كما يطلق عليها الإسرائيليون أو مجزرة غزة كما يطلق عليها العرب يوم السبت 27 ديسمبر 2008، نتاج هذه الحرب هو أكبر مذبحة على الشعب الفلسطيني منذ حرب 1967 فقد وصل عدد الشهداء، حتى لحظة كتابة هذا المقال (600)، بينما قارب عدد الجرحى من خط الثلاثة آلاف. ولم تتوقف آثار الدمار حدّ الموتى والجرحى بل تعداه إلى الأحياء الذين تنبض قلوبهم ويمضون في حياتهم «كالأموات».. يعانون من أصوات الطائرات التي تحلّق فوق سمائهم آناء الليل وأثناء النهار، وهم لا يعلمون في أية ثانية سينقلبون. فالفرق بين الموت والحياة مجرّد ضغطة زر على جهاز إرسال القذائف التي تسقط على أسقف الأبنية بدون أن تفرّق بين رجل وامرأة أو طفل وطفلة وفي ثانية يكون البشر، كما البنايات، أشلاء متناثرة. وتفاوتت الآراء العالمية ما بين البلاد والمنظمات.. ما بين الذي يدين «بقوة» ويشجب بعنف.. وما بين الذي يوبّخ بكل رقة. وبالطبع قامت الولاياتالمتحدة بداية بإدانة حماس إدانة كاملة باعتبار أنها المسؤولة عن بدء العنف في غزة مسؤولية كاملة قائلة: «لقد واصلت حماس عملياتها في إسرائيل ولا بد أن تتوقّف هي أولاً من أجل أن يتوقف العنف». ثم التفتت إلى إسرائيل وقالت بكل حنو: «الرجاء محاولة تجنّب المدنيين في خلال حربكم مع حماس». وبينما نادت الولاياتالمتحدة بإيقاف الحرب وتقديم المعونات الإنسانية لأهل غزة قامت، في ذات الوقت، بتعطيل جهود ليبية تقدَّمت بها إلى الأممالمتحدة لتحقيق ذات الغرض. ويبدو بائناً للعيان أنه كلما تحدث مشكلة «جديدة» في الشرق الأوسط تقف الولاياتالمتحدة بجانب صديقتها العزيزة «القديمة». والحقيقة هي وقوف الولاياتالمتحدة بجانب إسرائيل لم يمثل مفاجأة بالنسبة للمتابع للشأن الدولي فهي، أي الولاياتالمتحدة، سبّاقة لإدانة الدولة الفلسطينية واللبنانية والسورية أو كل من تسوّل لها نفسها معاداة صديقتها بينما هي متقاعسة حتى عن لفت نظر الدولة الإسرائيلية. ربما يرجع السبب للعلاقات القديمة التي تربط الولاياتالمتحدة بإسرائيل فقد كانت أميركا هي أول دولة تعترف بإسرائيل رسمياً وبعد دقائق فقط من قيامها. كان قيام دولة إسرائيل متزامناً مع فترة رئاسة الرئيس الأميركي الثالث والثلاثين «هاري ترومان» الذي رفع صوته في الأممالمتحدة داعماً قيامها. وبالرغم من الدعم القوي الذي قدمه ترومان للشعب الإسرائيلي علناً إلا أنه قد نشرت مذكراته في 2003 والتي خط فيها فكرته الشخصية والتي احتفظ بها سرية عن اليهود. كتب ترومان في نوته بعد محادثة مع وزير ماليته صاحب الأصول اليهودية «هنري مورغنثاو»، والذي كان قد اتصل به لمناقشة أحوال اللاجئين اليهود.. وبعد أن وضع ترومان السماعة ظهر في نوتة الآتي: الإثنين 21 يوليو 1947 الساعة 6 مساءً تحدَّثت مع هنري لمدة عشر دقائق عن توطين اليهود في فلسطين. اليهود يفتقرون لتقييم التعادل والانسجام وليست لديهم القدرة على تقييم الشؤون الدولية. هنري أحضر ألفاً من اليهود لقطنوا مدينة نيويورك بصفة، من المفترض، أنها مؤقتة لكنهم أقاموا بصفة دائمة. إنني أجد اليهود أنانيين للغاية.. وبقية الترجمة التالية نقلاً عن قناة «البي بي سي» العربية: «اليهود لا يهتمون بمقتل عدد كبير من سكان استونيا أو لاتفيا أو فنلندا أو بولندا أو يوغوسلافيا أو اليونان، أو كيف عوملوا بطريقة سيئة باعتبارهم مشردين، طالما يحصل اليهود على معاملة خاصة». «لكن من الناحية الأخرى عندما يملكون القوة المادية أو المالية أو السياسية فلا يمكن مقارنة هتلر أو ستالين بهم فيما يتعلّق بالمعاملة السيئة والوحشية التي يعاملونها لمن يخضعون لهم...». «إذا وصل ضحية اضطهاد إلى مركز القوة، فسيتصرف بنفس الطريقة الفوضوية سواءً كان روسياً أو يهودياً أو أسود، أو كانت هيئة إدارية أو عمالا أو كان يدين بالمسيحية أو منتمياً لأي ديانة أخرى». أما دونالد نيف، وهو كاتب أميركي، امتدت علاقته بالصحافة لأكثر من قرن من الزمان عمل خلالها مع مجلة التايمز لحوالى ستة عشر عاما وكان رئيس مكتبها في إسرائيل. ألّف دونالد أيضاً حوالى (5) كتب عن الشرق الأوسط. يقول دونالد إن ثاني فيتو في تاريخ الولاياتالمتحدة كان في 9 سبتمبر عام 1972 وكان لحماية إسرائيل، وهل لكم أن «تتخيلوا» من كان السفير المنتخب الذي قام برفع التصويت وقتها!! إنه جورج بوش الأب الذي ذكر أن الفيتو يعتبر بمثابة سياسة جديدة ستتبع من أجل محاربة الإرهاب في العالم.. «يا ربي، الكلام ده أنا سمعتو وين قبل كده؟». ويعقب دونالد، لقد كان ذلك الفيتو هو خطوة البداية لاستخدام فيتو الولاياتالمتحدة كسد منيع أمام تيار الاحتجاجات والإدانات الدولية للانتهاكات الإسرائيلية المتعددة. يقول دونالد كذلك إن الولاياتالمتحدة استخدمت ما بين 1972-1997 قوة الفيتو 32 لحماية إسرائيل وهو ما يمثل، حتى وقتها، نصف عدد المرات التي استخدمت فيها الولاياتالمتحدة قوة الفيتو التي تملكها. أما أكبر مساند لإسرائيل في تاريخ الولاياتالمتحدة كانت حكومة «رونالد ريجان» التي قامت باستخدام الفيتو (18) مرة لحماية إسرائيل. ستة من هذه الأصوات كان في عام 1982 فقط حينما حاول مجلس الأمن إدانة إسرائيل بعد غزو لبنان. ولا يتوقّف دعم الولاياتالمتحدة لإسرائيل لدى فلسطين بل يتعداه لبقية الدول. ففي الحرب الإسرائيلية-اللبنانية 2006، قامت الولاياتالمتحدة بالوقوف بجانب إسرائيل وأسرعت بإدانة حزب الله. ثم أعلنت، كعادتها، أن الحرب الضروس القائمة بالشرق الأوسط هي أيضاً حرب على الإرهاب. وقام الكونجرس الأميركي في 20 يوليو 2006 بالتصويت للوقوف بجانب حق إسرائيل للدفاع عن نفسها «زي ما بيقولوا». ونشرت الأممالمتحدة، بعد الحرب، في تقريرها عن قواتها لحفظ السلام في جنوب لبنان أن إسرائيل لم تلتزم بقرار الأممالمتحدة 1701 بل واصلت طائراتها التحليق في الأجواء اللبنانية بصورة يومية حتى أنها وصلت أحياناً لعشر مرات في اليوم الواحد. ووجد التقرير أن إسرائيل قد تعدت الحدود اللبنانية (99.4%) من الوقت بينما تمثل نسبة الانتهاكات التي قام بها الجانب اللبناني (.6%). ولكن يبدو أن العالم سريع الإدانة لنسبة ال(.6%) بينما يهمل ال(99.6%) وهذا ما «يحز» في النفس. والمتابع أيضاً لأخبار الانتخابات الأميريكية 2008 استطاع أن يقف على قوة اللوبي اليهودي بدون أن تكون لديه معرفة واضحة بالأشخاص الذين يحرّكونه أو الكيفية التي يعملون بها. فنجد مثلاً مرشح الرئاسة الديمقراطي «جون أدورادس» يتحدّث مع أقوى لوبي يهودي أميركي المسمى (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية في 2004 ويقول لهم: «مستقبلكم هو مستقبلنا» ويؤكِّد على أن العروة الوثقى ما بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل لا يمكن فسخ عراها». ونجد المرشح الجمهوري وقتها «ميت رومني» يقول إنه «في بلاد يحبها وبين أناس يحبهم..». أما هيلاري كينتون فنجدها تقول أمام ذات الجمعية: «إننا نقف بجانب أصدقائنا وحلفائنا وندافع عن مبادئنا في الوقت ذاته..». ونجد أوباما كان الأوحد الذي ربما عبر «هامساً» عن تعاطفه مع معاناة الفلسطينيين في مارس 2007 ولكنه كان عالياً حينما تحدث عن مساندته لإسرائيل وأنه ليس من الممكن أن يقوم بعمل «أي شيء» لتغير العلاقات الأميركية الإسرائيلية القوية. وصدر في الولاياتالمتحدة حديثاً كتاب «اللوبي اليهودي وتأثيره على سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية..»، يتساءل فيه الكاتبان «جون ميرشمير» و«ستيفن والت» عن السبب الذي يجعل كل مرشحي الرئاسة الديمقراطيين والجمهوريين.. والذي يختلفون في كل أطروحتاهم الإقليمية والتي تتراوح ما بين التعليم، الضرائب، الرعاية الصحية وغيرها من القضايا التي تشغل بال المواطن الأميركي ويتفقون في ذات الوقت في سياستهم الخارجة تجاه إسرائيل.. ما الذي يدفع كل السياسيين للدوران حول فلك إسرائيل والتغطي بعباءتها بالرغم من العداء العالمي الذي يجلبه لهم هذا الدعم غير المحدود؟ وعلى إثر الحرب التي لا تزال دائرة رحاها في غزة أجدني أحاول أن أفهم الكلمات التي يتشدّق بها المعانون في العالم العربي والمتابعون والذين لا يطفقون يعلقون «اليهود ماسكين أميركا..» ماذا تعني هذه العبارة تحديداً؟ كيف يؤثر اليهود على الولاياتالمتحدة؟ وما هي المناصب التي يشغلون؟ إن الحديث عن اللوبي اليهودي في أميركا ليس سهلاً أو أمراً هيناً، بل هو معقّد تعقد القضايا التي تملأ اليوم عالمنا. إنه بحث يستغرق وقتاً طويلاً ويحتاج أوراقاً وكتباً عديدة.. لكنني هنا أحاول توضيح العمق، وإن كان بصورة مبسّطة، الذي تغلغل إليه اليهود في المجتمع الأميركي. وبعد كثير من بحث وتفكير وجدت أن التركيز على أربعة محاور أساسية من شأنه أن يقوم بالمهمة.. وهي، السياسة، الاقتصاد، الإعلام والفنون. أولاً: السياسة: المؤسسة الدستورية الأولى في الولاياتالمتحدة هي الكونجرس. يتكوّن الكونجرس «ذاته» من قسمين: (1) مجلس الشيوخ الأميركي الذي يتكوّن من (100) عضو إثنين من كل ولاية، و(2) مجلس النواب الأميركي ويتألف من (435) عضواً، فكل ولاية مقسّمة إلى مناطق جغرافية محددة ويتفاوت عدد النواب عن الولاية الواحدة وذلك بحسب حجمها. كل من النواب يأتي عن طريق الترشيح الجماهيري. ونجد أنه في مجلس الشيوخ الأميركي يوجد (13) أمريكياً من أصول يهودية، (9) منهم ينتمون للحزب الديمقراطي (2) للحزب الجمهوري و(2) مستقلين. أما في مجلس النواب الأميركي يوجد (30) أميركيا يهودياً من مجموع (435) عضواً، واحد منهم فقط أريك كانتور ينتمي للحزب الجمهوري، وهو أول يهودي يتعين مسؤول الحزب الجمهوري للسلطة التشريعية. أما في المواقع الرئيسية الوزارية المقربة من الرئيس.. فنجد أن مسؤول الأمن الأميركي الداخلي منذ عام 2005 هو «مايكل شيرتوف» أحد مؤلفي قانون «توحيد وتقوية أميركا من خلال تقديم الوسائل المناسبة لفضح وتعطيل الإرهاب..» وهو القانون الذي سمح للسلطات الأميركية سماحاً كاملاً بالتصنت على مهاتفات ومكاتبات كل من تشك في أن يكون لديه علاقات بالمنظمات التي تصفها بالإرهابية بدون إذن مسبق من المحكمة.. كذلك يتيح القانون الجديد التحصل على كل الملفات والتاريخ الطبي أو التقرير المالي لكل المشتبه بهم.. هنالك أيضاً «جاشوا بروستر» وزير الشؤون الرئاسية.. و«مايكل موكاسكي» النائب العام للولايات المتحدة وكنت قد كتبت عنه مقالاً نشر بصحيفة (الصحافة) أسميته «مايكل موكاسكي: الغرق في شبر ميه» وذلك لأنه كان مصدر انتقاد من قبل الإعلام الأميركي حينما تهرّب من إدانة التعذيب عن طريق الغرق. ويبدو أن الساقية ستظل دائرة، فلقد اختار باراك أوباما «راحم إيمانويل» ليصير وزير شؤون الرئاسة والذي سيخلف «جاشوا بروستر» وهو أيضاً من أصل يهودي. ذكر الصحافي «مايكل ماسينج» نقلاً عن أحد العاملين في الكونجرس والمتعاطفين مع إسرائيل قوله «إننا نستطيع أن نعتمد على أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب الأميركي، أو ما بين (250-300) نائب ليصوتوا لما تطلبه منهم لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية»، وهي التي ذكرنا قبلاً أنها أقوى لوبي يهودي في الولاياتالمتحدة. ذكر كذلك «جيفري جولبرج» الصحافي بالنيويوركر عام 2005، أنه حينما إلتقى «ستيفن روزن» أحد أعضاء لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية والذي قد تمت إدانته بسبب تمرير معلومات سرية أميركية لإسرائيل، فقد وضع ستيفن أمام جيفري منديل ورق صغير وقال: «يمكننا، في خلال 24 ساعة أن نتحصل على إمضاء (70) سناتور أميركي على هذا المنديل..» وهذا بالمناسبة ما يعادل (70%) من الأصوات، أي أكثر من النصاب المطلوب أو الأغلبية المتعارف عليها (51%).. وهذا ببساطة يعني أن اللوبي اليهودي من خلال السياسة.. ومن خلال الانتخابات والتصويت التي تبدو حرة ونزيهة وتعبّر عن الرأي العام والمصلحة العامة أن يمرر أي قانون أو طلبات خاصة تتعلَّق بإسرائيل. ثانياً: الاقتصاد: هنالك العديد من الأميركيين اليهود الذين يشغلون مراكز حيوية تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأميركي. على سبيل المثال نجد «برنارد بارويش» رجل الأعمال ومستشار كثير من الرؤساء الأميركيين منذ قديم الزمان، منهم «ودروا ويلسون» و«فرانكلين روسوفلت» وهو، بالمناسبة، أول من أطلق مصطلح الحرب الباردة على التنافس الذي كان دائراً ما بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي منذ منتصف 1940 وحتى التسعينيات من القرن الماضي. حديثاً نجد «بن شالوم برنانكي» رئيس البنك المركزي الأميركي منذ أوائل 2006 البنك المركزي هو المحرّك الرئيسي للنظام البنكي في الولاياتالمتحدة، وقد أنشئ منذ عام 1913 وقد صنفت مجلة النيوز ويك بن برنانكي واعتبرته أقوى رابع رجل في العالم. وربما سيطر بن على النظام البنكي الأميركي لقرابة الثلاثة أعوام فقط، لكنه كان خلفاً ل«آلن جرينسبان». جرينسبان هو اقتصادي أميركي وكان رئيس البنك المركزي الأميركي منذ عام 1987 وحتى 2006 حينما أسلم الراية للاقتصادي و«اليهودي» أيضاً بن شالوم برنانكي. يعتبر آلن أهم شخصية مالية في العالم وتفوق أهميته، في نظر البعض، رئيس البنك الدولي.. يراه معظم الأميركيين وينصبونه الأب الروحي للنظام الرأسمالي الأميركي وهو أطول من بقي في منصب رئيس البنك المركزي في تاريخ الولاياتالمتحدة. هنالك «جيمس والفنسون» الأميركي من الأصول اليهودية الذي شغل منصب رئيس البنك الدولي منذ 1995 وحتى عام 2005، وتواصل الخيط اليهودي ليمسك بعده «بول والفويتز» منذ 2005 وحتى اضطر إلى ترك منصبه في 2007 بعد افتضاح علاقته العاطفية بشاها علي رضا، خبيرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الذي يترأسه ولفليتز وبعد أن سعى لتعينها في وزارة الدفاع الأميركية بمبلغ يفوق مرتبها بثلاث مرات. تساؤل برئ، بما أن الاقتصاديين اليهود كانت لهم اليد في وضع سياسة الولاياتالمتحدة المالية في خلال الاثنين والعشرين سنة الماضية، وبما أن آلن جرينسبان وخليفته بن شالوم برنانكي موضع انتقاد من الرأي العام والإعلام الأميركي ويحمِّلونهم مسؤولية التدهور الاقتصادي الأميركي الحالي.. فهل من الممكن أن نعتبر أن اليهود دقوا بالاقتصاد الأميركي «الدلجة»؟ ثالثاً: الإعلام: لا يختلف إثنان على دور الإعلام في تعبئة الرأي العام وعلى قدرته على تهيئة المناخ لكل ما تريد الحكومات إنجازه. وعكف الباحثون والدارسون على ابتداع وتأليف النظريات وتطبيقها على الأفراد والجماعات بل وحتى الأطفال لتأتي التكهنات في أغلب أحوالها تتوافق مع تأثير الإعلام على أذهان المستمعين. وبما أنني متابعة لوسائل الإعلام الأميركية عن قرب، فهنالك الكثير من الأشياء حتى غير المنطوق بها ولكنها تلعب دوراً مؤثراً. فمثلاً، الحظ في كثير من البرامج أنه يدخل شهر رمضان وينتهي.. ويبدأ العيد ويمضي.. ولا أجد هنالك تهنئة أو تعليقات على مناسبات المسلمين.. بينما يأتي موعد الاحتفال مثلاً «بالهنوكا» أو عيد اليهود ونجد هنالك تغطية وتهنئة لهم.. وهنالك أيضاً أشياء صغيرة، فمثلاً ألاحظ أنه يقبع خلف المذيع أو المذيعة الشكل الذي يرمز لاحتفال اليهود طوال البرنامج اليومي والذي يستمر لعدة ساعات وكأنه من الطبيعي أن يكون هنالك احتفاء أميركي بالمناسبات اليهودية.. أو كأن الرمز اليهودي هو المصاحب الطبيعي للمواطن الأميركي خلال فترة عمله أو مشاهدته للبرامج التلفزيونية. وهنالك موقع اسمه «اليهودية على الإنترنت» نشر من قبل مقالاً عن النجاح المذهل الذي حققه اليهود في الإعلام الأميركي. كان الموقع يحتفي بإنجازات اليهود وبقدرتهم على السيطرة القوية على وسائل الإعلام.. من ضمن الشخصيات اليهودية المؤثرة في الإعلام الأميركي والمذكورة في التقرير نجد: ? مورتيزمر زاكرمان: مالك «الأخبار اليومية» والمعنية بشؤون مدينة نيويورك. أنشأت صحيفة «الأخبار اليومية» منذ عام 1913 وهي خامس أوسع صحيفة أميركية من ناحية التوزيع والانتشار. موتيزمر يمتلك أيضاً «الأخبار الأمريكية وتقرير العالم» وتعتبر أيضاً من المجلات المؤثرة في المجتمع الأميركي وتركز على السياسة والاقتصاد بصفة خاصة. ومورتيزمر هو رئيس لإحدى أكبر منظمات اللوبي اليهودية الأميركية. ? ليسلي مانوفس: رئيس قناة ال«سي بي أس» الأميركية وقد فاقت آخر أرباحها المعلنة في 2007 ال(14) بليون دولار. ? نيل شابيرو: رئيس قسم الأخبار بقناة ال«أن بي سي» لمدة أربع سنوات غطت القناة أخبار الحادي عشر من سبتمبر وحرب العراق تحت إدارته وتوجيهاته. يشغل حالياً منصب رئيس قناة ال«بي بي أس». ? دافيد وستن: رئيس قناة «آي بي سي» والتي تذيع من خلال شاشتها أشهر البرامج الترفيهية والإخبارية. ? مارتي بيرتز: مالك ورئيس تحرير مجلة «النيو ربابليك» وهي مجلة نصف شهرية تعتني بالسياسة والفنون وتعلن على الدوام مساندتها لإسرائيل. ? جون ستيوارت: جون هو شخصية تلفزيونية ومقدم برامج مشهور ولكنني كنت قد احترت كثيراً بين أن أتضمنه في هذه القائمة أم أؤجله إلى قائمة الفنون. فجون يستخدم أسلوب الدعابة والكوميديا والسخرية كثيراً في برنامجه الإخباري. يعتبر اليوم من أكثر الشخصيات المؤثرة في الولاياتالمتحدة الأميركية وبل ويعتبر المصدر الرئيسي لتلقي الأخبار بالنسبة للشباب الأميركي الذي يتطلع إليه. هذه الاسماء التي أورتها أعلاه هي مجرد «لمحة» للقائمة التي تعدت الألفي شخص، ولكم بهذا أن «تتخيلوا» حجم التأثير الذي يحاط به المواطن الأميركي من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة. رابعاً: الفنون: قد تكون السياسة مصدراً كبيراً لإصدار القوانين والتشريعات المتخلفة التي تساند إسرائيل. وقد يلعب الإعلام دوراً في الرأي العام لكن الفنون، في تقديري، تلعب دوراً أكبر. لقد قررت أن أضع الفنون في لائحة مختلفة عن الإعلام لأن دور الممثلين والممثلات يؤثر في نفسية المواطن بصورة غير مباشرة. الكثير من مشاهير هوليوود وممثلاته من أصول يهودية.. يظهرون على قنوات التلفزيون في كل يوم.. يلاقون المواطن ويضحكونه عبر أدائهم.. ويبكونه من خلال أدوارهم.. يتعاطف معهم وينقم عليهم.. ويظهرون له أحياناً خلال شاشات عرض السينما فيذهب ليبتاع تذكرة بثمانية دولارات برضاه فقط كي يراهم لمدة ساعتين ونصف يتواصل من خلالها معهم.. عندما تظهر مشكلة في الشرق الأوسط، فهذا المواطن الذي يعشق ممثلاً معيناً أو «مكسر» ربما في ممثلة معينة فكيف لا يتعاطف ولو بصورة غير شعورية معهم بدون حتى أن يدرك أو أن يفهم عمق القضايا التي تجري على الجانب الآخر من الكرة الأرضية.. من ضمن هذه الاسماء نجد: ? جيري ساينفيلد: قام جيري بالتمثيل في مسلسل يحمل اسمه «ساينفيلد» والذي استمر من عام 1989-1998 يشارك مع المسلسل ثلاثة من أصدقائه، أيضاً من اليهود. أحبه الجمهور بسبب ميله للدعابة والضحك حتى أنه بعد نهاية المسلسل عرضت عليه إحدى القنوات مبلغ (5) ملايين دولار للحلقة الواحدة وبعقد يمتد لإثنتي عشرة حلقة ورفض هو. ? ليسا كوردروا: شاركت ليسا في «الأصدقاء»، أحد أشهر المسلسلات التفزيونية الأميركية، الذي بدأ في 1994 واستمر عشر سنوات حتى عام 2004، استحوذ المسلسل على الرأي العام الأميركي بكل غير مسبوق وفي ثقافته حتى أن كثيراً من دور القهوة بدأت تقلّد في طريقتها واسلوبها المكان الذي يجتمع فيه الأصدقاء ويتبادلون الحديث. ترشح المسلسل لينال جوائز عالمية (63) مرة خلال تاريخه وكان من أعلى (10) برامج مشاهدة في كل القنوات التفزيونية. ? دافيد شويمر أحد الممثلين الذين يشاركون ليسا بطولة المسلسل وهو ينحدر من أصول يهودية أيضاً وحتى لا يأتي شخص «ناطي» ويقول إن المسلمين والمسلمات لا يمكن لهم القيام بذات الأدوار الخليعة أو غيرها.. فأنا لم أقل إننا من المفترض أن نقوم بذات الأدوار ولكنني أحاول أن أتوصل وأشرح عمق التغلغل الذي وصل إليه اليهود في مجتمع الولاياتالمتحدة الأميركية. خاتمة: بالرغم من الأدلة التي ذكرناها سابقاً على قوة اللوبي اليهودي وعلى تغلغل اليهود في المجتمع الأميركي، وهذا الذي عجز المسلمون فيه، يجب علينا أن نذكر بعض من حقائق. الحكومات الأميركية لم تكن راضية جل الرضا عن «هوايل» إسرائيل في العالم، بل وحاولت أن تقف ضدها. جورج بوش الابن «الواحد ده» حاول أن يقف ضدها أكثر من مرة في بداية فترة رئاسته، لكن اللوبي كان له بالمرصاد. يقول كتاب «اللوبي اليهودي وتأثيره على سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية» إن الرئيس الأميركي جورج بوش حاول الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها آريال شارون وطالبه بضبط النفس ومقابلة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وبعد حوالى الأسبوعين من أحداث سبتمبر أعلن بوش علنا أنه يساند قيام الدولة الفلسطينية وهي خطوة، على الرغم من بساطتها، إلا أنه حتى «بيل كلينتون» لم يتجرّأ بنطق لفظ دولة فلسطينية إلا بعد ثماني سنوات وفي آخر شهر له على مقعد الرئاسة. ويبدو أن إسرائيل قد بدأت تبدي قلقاً عارماً حيال سياسة الولاياتالمتحدة التي بدت لها من ناحيتها متغيّرة. حتى أن صحيفة «الواشنطون بوست» كتبت من مصادر مقرّبة من شارون أنه «يغلي غضباً بسبب محاولات الولاياتالمتحدة كسب العرب على حساب الإسرائيليين» وبعد ساعات فقط من تعليقات شارون هذه قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على أراض فلسطينية. وأعلن البيت الأبيض على لسان متحدثه «آري فليتشر» أن تصريحات إسرائيل «غير مقبولة تماماً» حتى أضر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تقديم اعتذار علني لواشنطون.. وبقيت المشاكل معلَّقة لفترة ما بين .. ثم قامت القوات الإسرائيلية، بعد اغتيال وزير سياحتها «رهافان زييفي» في أكتوبر 2001، بعمليات كبيرة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية. وقام الرئيس الأميركي بوش بمقابلة وزير الخارجية «شمعون بيرس» مطالباً إياه بالإنسحاب سريعاً من الأراضي الفلسطينية. ورفضت الحكومة الإسرائيلية طلب بوش قائلة إنها ستنسحب حينما تتأكد من أن ياسر عرفات يحارب ويضيق الخناق بالفعل على الجماعات التي أطلقوا عليها اسم الإرهابية. كانت هذه المشاكل في خلال الشهور الأولى من تولي بوش الرئاسة وكان يبدو أن قد أدخل نفسه في حرب مع إسرائيل.. وبحسب الكتاب فقد بدأ شارون بتحريك حلفائه واللوبي اليهودي بأميركا للضغط على بوش وبدأوا حملة للشعب الأميركي تربط ما بين الحرب على الإرهاب في إسرائيل والولاياتالمتحدة حتى أن شارون ذكر في مقابلة مع «نيويورك تايمس» في ديسمبر 2001 أنتم في أميركا تخوضون حرباً ضد الإرهاب. نحن في إسرائيل نخوض حرباً ضد الإرهاب. أنها نفس الحرب». وصور اللوبي أن عرفات لا يختلف عن اسامة بن لادن ويجب أن يلقوا ذات المعاملة وذات المصير. وبدأت حملات عديدة واتخذت أشكالاً مختلفة، منها خطابات مفتوحة، قوانين في الكونجرس الأميركي، مقالات الرأي في الصحف الأميركية العريقة، نشرات ودورات صحفية ومقابلات مكوكية بين مسؤولين من الجانب الإسرائيلي والأميركي.. حتى أنه حينما رفض بوش مقابلة ياسر عرفات في إحدى المرات تلقي خطاباً مفتوحاً في 16 نوفمبر 2001 موقعاً من (89) سناتور من أصل (100) يشيد بموقفه ذاك. وبالرغم من الضغط الشديد الذي تتعرّض له الإدارة الأميركية، إلا أن الرأي العام قد بدأ ينتبه لقوة اللوبي اليهودي ويعارضه. فقامت جامعة ميرلاند بدراسة في مايو 2003 ووجدت أن (60%) من الشعب الأميركي قد يساند قطع المعونات لإسرائيل من أجل ضغطهم للتوصل إلى حلول نهائية، (73%) يرون أن أميركا يجب أن لا تقف مساندة أو معارضة لأحد الجانبين سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني. ووجدت الدراسة أن (17%) فقط يتفقون مع أن الحرب على الإرهاب هي هدف مشترك ما بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ووجدت دراسة أخرى أن (40%) من الأميركان يدركون أن دعم الولاياتالمتحدة لإسرائيل هي أحد الأسباب المباشرة للغضب العالمي تجاه أميركا.. وفي أكتوبر 2006، وجد استفتاء شعبي آخر أن (39%) يؤمنون أن اللوبي اليهودي وراء الحرب التي تخوضها أميركا في العراق والتي ربما تكون مقبلة عليها في إيران.. (66%) يتفقون مع العبارة «اللوبي الإسرائيلي لديه تأثير قوي على سياسة أميركا الخارجية». إن اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة ليس سراباً يلمع أمام أعين للشعوب التي تحاول أن تداري خيباتها ومعاناتها الكبيرة أمام الهجمات الإسرائيلية.. إنه حقيقة واضحة للعيان وملموسة.. لكننا يجب أن نكون واقعيين وصريحين مع أنفسنا ونعترف أيضاً بأن هذه القوة التي حاز عليها اللوبي اليهودي كان بسبب عمل وجهد متصل.. إنه ليس جهداً في سبيل الخير لكنه تضامن وتعاضد في الاتجاه المعاكس.. ما الذي قمنا نحن بفعله؟ لا شيء سوى التحسر على قوة اللوبي اليهودي وجعله شماعة نعلّق عليها خيباتنا المتواصلة خلال العقود الماضية. كان حرياً بنا بعد الانتباه لهذا الخطر المتزايد أن نعمل بسرعة وقوة من أجل تشكيل صخرة مانعة تستطيع أن تصد التيار اليهودي الجارف. غادة عبد العزيز خالد :الصحافة