رغم الارتباك الذي من المؤكد انه أطاش بعضاً من سهام حركة (الإصلاح الآن) التى يتزعمها الدكتور غازي صلاح الدين، بفعل الحراك الكبير غير المسبوق سواء داخل الوطني أو على مستوى الدولة والمتغيرات المهولة التى جرت فى هذا السياق، إلا أن (الإصلاح الآن) -وهو بعد فى طور التسجيل- سارع برفض أي حوار مع الوطني إذا كان هدف الحوار إعادة قادة الحزب الى الوطني! وفى ذات الوقت قال فى تعميم صحفي الأسبوع الماضي أنه (يرحب بالحوار مع كافة القوى السياسية يميناً ويساراً -بما في ذلك الوطن نفسه- من اجل الاتفاق على الحد الأدنى من الثوابت الوطنية ولإخراج البلاد من وهدتها)! الأمر هنا بدا غريباً للغاية، ويبدو أن الجرثومة السياسية المعروفة قد أصابت (الإصلاح الآن) وهو فى هذا الطور. فمن جانب أول فإن من المستغرب حقاً أن (لا يمانع) من الاتفاق على الحد الأدنى من الثوابت الوطنية! فهل معنى هذا أن الإصلاح الآن غير متفق مع الوطني فى الثوابت الوطنية؟ ومن ثم فهو يبحث عن الحد الأدنى منها لكي يتفق فيها مع الوطني؟ هل يمكن اعتبار الخلاف الذي وقع وخرج أو أُخرج بموجبه الدكتور غازي ومجموعته من الوطني كان خلافاً حول (ثوابت وطنية)؟ ولو قلنا جدلاً أن الاثنين مختلفين حول الثوابت الوطنية لماذا إذن تعجّل الإصلاح الآن وأغلق الباب على أية إمكانية لإعادة المجموعة الى الوطني؟ فلو أن الوطني مثلاً قال إنه يزمع التحاور مع الحزب الشيوعي السوداني، هل يمكن للحزب الشيوعي أن يسارع برفض الحوار (مخافة) أن يكون الوطني يسعى لإعادة قادة الشيوعي الى الوطني؟ الأمر الثاني إنه ومهما كانت طبيعة الخلاف ودرجة حدته ومشاعر المرارة فنحن دون شك حيال عمل سياسي لا محرمات فيه، ومن الممكن أن يفضي أي حوار بين طرفين الى نجاح طرف منهما -بإستخدام العقل والمنطق- أن يقنع الطرف الآخر بوجهة نظره ولهذا فإن الطرف الذي يرفض (مسبقاً) الحوار في نقطة بعينها لا يمكن فهم رفضه هنا إلا في سياق (خوفه) من تبعثر حجته ومنطقه حالما يجلس الى الطرف الآخر. بمعنى أدق فإن الإصلاح الآن يبدو (غير واثق) من قدرته على إدارة حوار مع الوطني قد يجد فيه نفسه وقد فقد حجته فى إنشاء حزب جديد ومن ثم (يتعرى سياسياً) أمام الكافة ويصبح إصراره على المضي قدماً في مساره مجرد مكابرة ليس إلا! الأمر الثالث أن الوطني -اتفقنا أو اختلفنا معه مع ما يقوم به من إصلاحات- قدم رؤية موثقة لإصلاح المشاكل وسبقها بإجراءات عملية وما تزال هناك حزمة إصلاحات يجري التدارس حولها؛ فإذا كان كل منطق الإصلاح الآن انه يطلب الإصلاح فما الذي يمنعه -وقد صحّت توجهاته وأطروحاته- من أن يثوب إليها طالما أن الحكمة كما يقال ضالة المؤمن أدنى وجدها أخذها. وكيف يمكن بناء ساحة سياسية معافاة وراشدة إذا كانت النخب تفكر بهذه الطريقة التى تشبه (تجارة القطاعي) والميل الى إنشاء (متاجر خاصة) بدلاً من المؤسسة التعاونية العامة ؟ سودان سفاري