في قريتنا " تنقسي " الوادعة الهادئة التي تتوسد النيل وترتمي في أحضانه كأنها طفل...ٌ وديع ، أهلها الكرام لايعرفون غير الماء والحجر والأعاصير والزهور ، كرماء بسطاء أعزاء يكرمون الضيف ويحسنون وفادته كما يحسنون إلى الجوار ، فيتألمون لجراحه ويحزنون لحزنه ، إذا اشتكى جارهم تداعى له أهل القرية ساهرين مؤازرين . في هذه القرية الوديعة ولدت " ستنا " في صباح يوم جميل من شهر يونيو 1993 م ، ووسط هذه القرية عاشت " ستنا " ذات العشرين ربيعاً الفتاة الحسناء ممشوقة القوام صاحبة الأدب والخُلق القويم ، عرفها جيرانها بدماثة الخُلق وجمال الخَلق ، كريمة رقيقة ، عفيفة محبوبة وسط أسرتها وقريتها ، كيف لا ؟ وهي التي نشأت وترعرعت بين أحضانهم ، منذ أن كانت طفلة عذبةٌ كالأحلام كاللحنِ كالصباحِ الجديدِ. كالسماء الضحوكِ و كا لليلةِ القمراءِ كالوردِ والندى الساحر الجميّل . كُبرت " ستنا " وكانت رسم جميل عبقري من فن الوجود ، كما كانت فجر من السحر تجلى بجمال خالقه المعبود يا لها من وداعةٍ وشباب منعم أملود ، غير أن القدر كان يُخبيء لها شيئاً مختلفاً لم يخطر على قلب بشر ، يفجع القلوب ويزرف الدموع ويقطّع الأكباد . ففي يومٍ ليس كسائر أيام القرية الفرِحة القانعة برزق ربها ، تلبّدت الغيوم وأسودت السماء وفقدت صفاءها لتفصح عن خبرٍ أليم ، إختفاء " ستنا " وسط أمواج النيل ، خرجت الفتاة الحسناء لتشتم عبق نسيم النيل الذي على مقربة من منزلها الذي بات حزين ، فأبتعلها كأنه قد حسبها " عروسة " فاتنة أُهدت إليه ، غمرت المياه ذاك " الحُسن " البهيج ، طيّبة القلب جميلة المخبر والمظهر " ستنا " فبكتها حتى أشجار النخيّل التي تعودت أن تطعمها أطيب الثمر ، وفُجعت " القرية " بقضها وقضيضها بعد أن هرعت إلى النيل وإنتشلت " الجثة " الطاهرة بعد ليالٍ ثلاث لم يطرف لهم جفن ولم تنم لهم عين ، فكانت القلوب تتألم والدموع تتكلم بفقد فتاة " العشرين " الغضّة المملوءة بالحياة ، وليست بغاليةٍ على الله . أُخرج جثمانها الطاهر من النيل بعد ثلاثة أيام وكأنها ذهبت لتغتسل دون أن يمسّه سوء الجسد كما هو لم " يتحلل " بجمال طلعتها وجدل شعرها المسترسل و لونها اليانع زينة للناظرين ، ونحسب أن في ذلك سِمات " الشهيّد " . كانت تحلم أن تربي النشيء وتعلّم الأجيال على خطى أستاذي الجليل " والدها الكريم " ، فقد فقدتها جامعة دنقلا كلية التربية بمروي التي كانت تدرس فيها ،وهي ترنو إلى مستقبلٍ مشرق عظيم ، فقد خيّم الحزن الدفيّن وسط زميلاتها وأسرة التدريس ، و تقطعت نيّاط القلوب وحزن عليها القريب والبعيد ، ولكنه قضاء الله في خلقه ولا إعتراض عليه ، وإبتلاء الله وإختباره فلانملك إلا الصبر أمامه (ىالذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) . كتبت على صفحتها بموقع " التواصل الإجتماعي " في آخر جمعة من وفاتها دعاء عميّق المعاني وبليّغ ، وكأنها تستعد للقاء الله ، وترجوه أن يدخلها في نعيّم ، كتبت " غريّقة النيل " مبتهلة متضرعة في خشوع ( اللهم في هذه الجمعه بلغنا مانود وأجعل لنا دعوة لاترد وهب لنا رزقآ لا يعد وأفتح لنا بابآ إلى الجنه لايسد ) طلبت مدد السماء فاختنقت العبرات واختصرت الكلمات وأفاضت في الطلبات تنتظر إجابة رب العباد . وعلى صفحتها الوريّفة أيضاً والتي تعنون لصلتها بربها كان إعجابها ب الداعية الاسلامي عمرو خالد و الشيخ العريفي و ثقف نفسك وصفحة من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ، وآخر إعجاب لها كانت هي سيرة الفاروق عمر بن الخطاب . وكتاب بعنوان ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) . رحم الله " ستنا " في الخالدين وغفر لها ذنبها ووسع لها في قبرها وأسكنها داراً خيرا من دارها وأهلاً خيراً من أهلها وجعلها من أصحاب اليمين ، اللهم إنا نحسبها قد مضت شهيدة إليك فأكرم مثواها و هون حسابها و لين ترابها و ثبت أقدامها و يمن كتابها وأحسن وفادتها اللهم طيب ثراها واجعل الجنة مستقرها و مأواها اللهم نور مرقدها و عطر مشهدها و طيب مضجعها وآنس وحشتها و ارحم غربتها و قها عذاب القبر و عذاب النار فأنت أكرم الأكرمين . بقلم : محمد الطاهر العيسابي [email protected]