زرته لأول مرة أيام اعتقال الوالد عقب قوانين سبتمبر 83، وكنا نزوره بانتظام ونسميه 'كوبر' بدون لفظ سجن وكان مما يثير استغرابي حقاً تلك الأيام، العبارة المكتوبة في لوحة معلقة علي حائط مكتب 'الزيارة': السجن إصلاح وتهذيب، وقد كان في منظوري أن السجان هو من يحتاج الي الاصلاح والتهذيب (كنت اعتقد ان كل نزلاء كوبر سجناء سياسيين).. وما بين الزيارة والزيارة أيضاً كنا، البيت كله، مشغولين في المشاوير من وإلي كوبر.. تجهيز الأكل .. الأخبار .. الشائعات.. موعد الإفراج وإطلاق السراح. وقبل ان ينتهي العقد وتحديدا في يوليو 89 'عدنا' مرة أخري 'معلقين' بكوبر.. والمشاوير الحنينة والحزن بمقدار إدراك أنها وعورة الدرب.. ليس إلا، والفرح الكامن في حتمية الوصول. وما بين 1992 و 2014، زرت كوبر مرتين... المرة الأولي أيام اعتقال أخي صديق في 2006 لمشاركته في مظاهرات رفع الدعم عن السكر والمحروقات، والمرة الثانية رحت أسأل عن الأبناء عروة وعماد الصادق حمدون، أولاد فاطمة البواسل اللذين تم اعتقالهما في مظاهرات 2012. لذلك، عندما وردني اتصال من ناس البيت حوالي التاسعة من مساء السبت 17 مايو وكنت ورندة أختي في احتفالية محجوب شريف، بأن أفراد من النيابة في زي مدني جاؤوا لاستدعاء الوالد ومعهم أمر قبض، لا أدري ماذا قلت لرندة وكل ما بقي في ذاكرتي من الساعة التي تلت تلك المكالمة هو معاناتي وتعثري بكعب الحذاء والتراب من كرسي مشاهدة الاحتفالية لغاية باب العربية ثم الشوارع والزحام والعربات وكوبري شمبات لغاية مبني ما للنيابة في بحري مقفول شارعه بكومر 'الشغب' وناس البيت واقفين أمام مستشفي مجاور وأسئلة وردود ظرفية وحيييييرة جد! ثم فجأة عربات تنطلق وفيهم عربية 'الحبيب' .. قالوا كوبر، جرينا جري.. الشوارع والعربات وبوابة السجن: ثابت ... والحديدة لا بتسمع لا بتشوف لغااايت ما وصلنا ساحة كوبر الجوة، قبل ما 'هم' يصلوا... سبحان الله! سرعان ما اشتغلت 'كيمياء' المكان.. مع بهاء الحبيب وثباته العجيب، وعدنا .. الي 'كوبر' والعود أحمد.