حديث المدينة Words must mean something..!! عثمان ميرغني كلما وصلتني دعوة لحضور محاضرة .. أو المشاركة في منشط عام .. أُكابد (فوبيا الكلمات) وبالكاد أصمد.. ترعبني الخطب.. كلما ثقلت بالكلام والكلمات.. حتى في الاجتماعات.. أحس بالاختناق كلما زادت الكلمات عن الحد الذي يوصل المعني. بصراحة .. نحن شعب – وحكومة – لا نعرف الكلام.. نظن أنه طالما (الكلمات) ليس عليها عداد دفع مُقدّم أو مؤجل.. فإنّ استهلاكها بأكثف ما تيسّر لا يفسد للحياة قضية.. تأملوا في الخطب الرسمية التي تقال في مختلف المناسبات الرسمية أو الشعبية.. بهارج كلمات ليس لها أي معاني.. سوى أنها أثير منثور في الأثير.. في خطابها أمام مجلس الأمن بمناسبة التصويت على العقوبات ضد إيران.. قالت مندوبة أمريكا سوزان رايس (Words must mean something.) .. وأخطأت إذاعة البي بي سي العربية في فهم العبارة ..عندما ترجمتها في نشرتها الرئيسية (الكلمات يجب أن يكون لها معنى) .. والحقيقة أنّ ترجمتها هي ( الكلمات يجب أن تعبر عن أفعال) .. وهي في الأصل جملة مقتبسة من خطاب ألقاه الرئيس باراك أوباما في زيارته لجمهورية الشيك في الأسبوع الأول من أبريل الماضي.. وقال فيه بالنص (Rules must be binding. Violations must be punished. Words must mean something.) كان في ظني أنّ المشكلة في اللغة العربية.. أنها لغة (ثرثرة) .. تغري المتحدث بأن ينثر أكبر قدر من الكلمات بلا مدلول فعلي.. في مقارنة مع اللغة الإنجليزية التي تبدو لغة جادة ليس فيها متسع للتلاعب بالكلمات.. لكني لاحظت في الكتب العربية القديمة والقصص المروية عن أجدادنا العرب القدماء أنهم ما كانوا (ثرثارين) بل كانوا يتحدثون بلغة مختصرة للغاية.. في خطب كبار الشخصيات.. التي يلقونها في المناسبات المختلفة.. الكلمات ليس لها معنى.. تُضخ في الأثير فتُضيع الوقت وتُرهق العقل في لاشيء.. فالاستماع ليس مجرد استرخاء.. العقل يعمل مثل الكمبيوتر.. يلتقط الكلمات ويمررها في دورة مُعقّدة لاستخلاص معانيها.. وكلما زاد طول الخطبة استهلك العقل طاقته في لاشيء.. والمشكلة أننا نظن أنّ مقام المتحدث يُقاس بطول خطبته.. كلما زاد طول الخطبة.. زاد وزن الخطيب.. خاصة أنّ العادة (الرسمية) عندنا أنه في كل حفل يجب أن يتحدث جميع المُهمّين.. والذي لا يُلقي خطبة فهو (غير مُهم).. مثلاً حفل افتتاح مدرسة أساس في قرية (شلّعوها) الشمالية.. يبدأ الحفل بكلمة رئيس نادي القرية.. ثم رئيس مجلس الآباء.. ثم رئيس اللجنة الشعبية.. ثم مُقرر لجنة تشييد المدرسة.. ثم رئيس اللجنة.. ثم مدير مرحلة الأساس.. ثم نائب المعتمد .. ثم المعتمد .. ثم وزير التربية .. وأخيراً .. الوالي .. وقبل كل متحدث.. يُصر مُقدم الحفل أن يُلقي هو كلمة ضافية.. يُعدد فيها محاسن المتحدث التالي.. وبين كل مُتحدثين اثنين، شاعرٌ يُلقي قصيدة لا يهم معنى كلماتها..!! أليس في الإمكان تركيب عداد دفع مُقدم للكلمات.. حتى يصبح (الصمت من ذهب.. والكلام يُكلفك الذهب) وحتى نكسب الوقت للعمل..!! التيار