بسم الله الرحمن الرحيم الفكر والأخلاق في طرح د. النعيم الحلقة الثانية فلسفة النعيم "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ، بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ، وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ!! وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ!! وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم آل عمران (78) *** "أما نحن الجمهوريين، فبفضل الله علينا، وعلى الناس، قد امتد بصرنا حتى رأينا قافلة البشرية الحاضرة، وهي حائرة، عند نهاية طريق العلمانية المسدود." الأستاذ محمود محمد طه *** نحن في هذه الحلقة، سنكتب عن فلسفة النعيم التي بنى عليها تفكيكه للإسلام بصورة عامة، وتفكيكه للأخلاق بصورة خاصة، وسنرى أن الفلسفة التي يقوم عليها طرح النعيم كافية جداً، لبيان تفكيكه للإسلام وللأخلاق على أسس مبدئية عنده ونهائية. د. النعيم يقول أنه اكتشف أن العلمانية، لا تتعارض مع الدين، وهذا الاكتشاف، هو نقطة التحول الأساسية في موقفه من الإسلام، يقول: "النقطة الأولى التي أود أن أدلي بها هي أن هذه كانت بمثابة رحلة تحول شخصي بالنسبة لي". ثم ذهب ليتحدث عن سيرته ثم يواصل: "في الواقع فإن الكتاب الأول الذي أصدرته عندما غادرت السودان في الثمانينات كان بعنوان -نحو تطوير التشريع الإسلامي (1990)- وفي هذا الكتاب رفضت بوضوح فكرة الدولة العلمانية أو العلمانية، كطريق يمكن للمسلمين أن ينتهجوه للتقدم إلى الأمام. ولكن بمرور الوقت تبين لي أن فهمي للعلمانية، من حيث أنها ضد الدين، ومعادية للدين، هو الذي كان سلبياً، وأن الوضع ليس بالضرورة كذلك. وبدأت أعيد النظر في موقفي. وتوصلت الآن إلى أن أعتنق فكرة الدولة العلمانية بالكامل." )نشر في دورية " ريليجن" العدد 16 الصفحات 197– 224، 1986(... من جانبي كنت أقدر أن التحول تم بعد ترجمة الكتاب للغة العربية عام 1994م، ولكن بهذا النص، اختلف الوضع. وهنالك نص آخر للنعيم، يبين أن تحوله كان في بداية الثمانينيات، وهذا أوكد تاريخ، ونحن سنتعرض لهذا النص لاحقاً.. أما هنا فسنبني على النص المذكور أعلاه. النص، لم يوضح ماهي فكرة الدولة العلمانية بالكامل، ولم يوضح الفهم للعلمانية الذي تحول عنه، وأصبح يراه خاطئاً.. ثم أي علمانية هذه، التي يعنيها، ولا تتعارض مع الدين؟! كل هذا كلام معمم، ومبهم.. ما يعنينا هو علمانية د. عبدالله أحمد النعيم بالذات، والتي تحول إليها. الواقع أن التحول الذي تم هو تحول من إطار التوجيه الذي يقوم على الإسلام، إلى إطار توجيه مختلف تماماً، ويقوم على العلمانية.. فالكتاب الذي أشار إليه، يقوم على الفكرة الجمهورية، كدعوة إسلامية، وما تقوم عليه من إطار توجيه.. وتحول إلى إطار توجيه يقوم على العلمانية، وهذا تحول جذري.. إطار التوجيه الذي تحول إليه، هو ما أسماه: (المنطق المدني)، وهو إطار توجيه، يُخضِع له كل شيء حتى الإسلام نفسه.. يقول عن المنطق المدني أنه: "يسعى إلى إقناع عامة المخاطبين من غير الاعتماد على المرجعية الدينية العقائدية، بين المسلمين أو غيرهم من اصحاب الأديان أو المذاهب أو الفلسفات".. فمنطقه، لا يقوم على المرجعية الدينية هذا ما تحول عنه المرجعية الدينية ليتحول إلى المرجعية العلمانية: المنطق المدني. على ماذا تقوم المرجعية الدينية التي تحول عنها؟! هي تقوم على ميزان التوحيد، الذي تزن به كل شيء، يقول الأستاذ محمود: "ميزاننا ميزان الإسلام (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط).. هو ميزان القرآن، ميزان (لا إله إلا الله)" .. وفي هذا الميزان، القرآن أنزل مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، وفي هذا الميزان، لا يوجد باطل مطلق يمكن أن يدخل الوجود، لأن كل ما دخل الوجود، دخل بإرادة الله، ولا يمكن لأي شيء أن يدخل دون هذه الإرادة.. والإرادة لا يمكن أن تكون باطلاً مطلقاً، وما نراه نحن باطلاً، هو باطل حكم، باطل شرع، أما من وجهة نظر الله، ليس هناك إلا الحق.. فكل شيء في التراث البشري فيه جانب حق، حسب حكمة دخوله في الوجود، وفيه جانب باطل، وهو ما تم استنفاد حكمة دخوله.. فالعلمانية، فيها حق، وفيها باطل، وهكذا كل تراث بشري.. وباستخدام الميزان نحدد الحق والباطل، فنطرح الباطل، ونصطحب الحق.. هذا، بإيجاز شديد هو مرجعية الإسلام التي تركها، د. النعيم، وركن إلى مرجعيته هو: المنطق المدني، الذي يعرض عليه كل شيء، بما في ذلك الإسلام.. فهو وحده معيار الصحة والخطأ!! وهو نفسه في أساسه خطأ، لأنه اعتماد على العقل المجرد.. وحتى العقل المجرد، كما سنرى، في طرح النعيم يقوم على مباديء ومقولات، ما بعد الحداثة، خصوصاً التفكيك، البراغماتية، النسبية، وما يسميه المنظور التاريخي. البراغماتية: يقول د. النعيم: "(لا أنا (متفائل براجماتي).. أنا مفتوح العينين، وعارف بمكامن السلطة والجشع في الطبيعة البشرية. إن لم أكن متفائلا، فمعنى ذلك أني أستسلم للجزء المتسفل من الطبيعة البشرية) _6_ أنه متفائل براغماتي.. وهو فعلاً يتعامل على أسس براغماتية، في الفكر والسلوك، وهذا يقتضي أن نذكر بإيجاز شديد، الاختلاف الجذري بين البراغماتية والإسلام.. فجوهر البراغماتية يتناقض مع جوهر الإسلام.. جوهر الإسلام هو (التوحيد)..وعلى العكس من ذلك، الجوهر الوجودي للبراغماتية هو (التعديد).. بل إن البراغماتية هي أكبر فلسفة تعددية، في الغرب.. يقول وليم جيمس: "التعدد هو ميتافيزيقيا البراغماتية.." وله كتاب اسمه: معضلات الجبريةDilemma of Determination) ) يرفض فيه الجبرية القائمة على المطلق والواحدية.. يقول جيمس، من المرجع المذكور: "إننا قد نسلم بسمو الواحدية العقلية ونظرتها للارتباط بين الظواهر دونما استثناء، حيث تبدو قادرة على تحقيق الاستقرار الديني أو السلام وتلوذ بسلطة التصوف لتأييدها.. ولكن هذه الواحدية تدخل الفلسفة في ألغاز".. ويطرح جيمس السؤال الذي يرى أنه هام: "هل على الفيلسوف أن يفسر الوجود كله دفعة واحدة، أو يفسره جزءاً جزءاً أو مجموعة؟"، ويقر أنه يختار الطريقة الثانية، وهي الطريقة التي تقوم عليها نظريته التجريبية.. الوجود في نظر جيمس كثرة لامتناهية، ينفصل كل شيء فيها عن الآخر، في وجوده وبقائه.. وعنده، لا مانع أن تكون الأهداف متعددة والغايات متباينة.. ويقول النعيم عن التعددية: " لا أفهم ما هي الضرورة لأن يكون هنالك اساس واحد لحقوق الانسان بالنسبة لكافة الناس، في كل مكان، أنا ضد هذا الأساس " وترى البراغماتية أن نظام الكون نظاماً غير تام ويتمم نفسه باستمرار من خلال الزمن، وتلعب فيه الصدفة دوراً أساسياً، يقول جيمس: "أنا أريد عالم الصدفة.. قل فيها ما تشاء، لكنني أرى أن الصدفة لا تعني أكثر من التعدد، فالصدفة ضد الجبرية". راجع جيمس كتاب (عالم متعدد) Essays in Radical Empiricism وهذا كله، عكس ما يقوم عليه الإسلام. ومن الناحية السلوكية، معلوم أن البراغماتية، فلسفة عملية تقوم على المصلحة.. وعندها ما هو صحيح هو ما يحقق المصلحة أو المنفعة، وهذا ما يقوم عليه طرح النعيم، فهو مثلاً يقول: "فطبيعة عمليات تحديد الهويات وتفاعلها مع بعضها البعض يقبل احتمالات مختلفة:على سبيل المثال، قد أجد نفسي في موقف أتوقع من الآخرين العداء لهويتي الإسلامية، مما يدفعني إلى إخفاء، أو عدم تأكيد، هذا الجانب عن نفسي. لكني إن أدركت أن هويتي كمسلم لا تهم الآخرين، أو ربما قد تعمل لصالحي، فإني قد أحرص على الإفصاح عنها". المرجع علمانية ص 56 .. فما يحدد ما يقول أو لا يقول هو المصلحة لا الحق. أقوال النعيم، التي توضح نسبويته، وبراغماتيته أشار إليها أحد محاوريه بقوله: "أخشى أن أسلوبك في الاعتراض على تعريفات المفاهيم بالمدى الذي يقول إن الكلمات تعطي مدلولات ومعاني مختلفة باختلاف الأفراد يبدو براغماتيا جدا بالنسبة لي. بالطبع هناك خطر كبير في التعامل مع المسلمات الجاهزة لمصطلحات من قبيل (حقوق الإنسان) أو (الإسلام) التي قد تستعصي على التعريف الراسخ والثابت، ولكن أليس الحجج، ما بعد الحداثية، من نوع الحجة التي تطرحها هنا تؤدي إلى إنهيار جسور اللغة والتواصل التفاعلي بين الناس؟". النسبية: يقول النعيم عن نفسه أنه نسبوي، وقد اشتهر في الغرب بذلك نحن نفضل كلمة نسبوي على نسبي تفادياً للبس والنسبوية، تقوم على أنه لا يوجد فكر صحيح، وفكر خاطيء.. ولا أخلاق صحيحة وأخلاق خاطئة.. ولا تفسير للنص الواحد صحيح وآخر خاطيء.. فما يكون صحيحاً، بالنسبة لفرد أو جماعة، قد يكون غير صحيح أو خاطيء لفرد او جماعة آخرين، ولا مجال للمفاضلة بينهم.. ونحن هنا نورد بعض أقوال النعيم عن نسبويته ودلالاتها، فهو يقول مثلاً: "ونظرة النسبوية الأخلاقية مهتمة تحديداً بمعالجة وتصحيح اتجاه المركزية الأخلاقية، هذا، وغرس قيم الاحترام المتبادل والتسامح والتعاون عبر تأكيد أهمية تنوع أساليب الحياة والتأكيد على أهمية القيم الثقافية لكل مجتمع." 1.. علينا أن نتذكر أن التفكيك يقوم على عدم المركزية هذا ويقول: "وعليه فإن النسبويين الأخلاقيين يعارضون وجود صنف واحد مطلق من الأخلاق، أي أن هناك قيم أخلاقية مطلقة وثابتة يمكن على هداها الحكم بصحة أو خطأ ممارسات أو قيم بعينها للثقافات المختلفة."1... فالصحيح، عنده، في الفكر، وفي الأخلاق، هو ما يرآه أصحابه صحيحاً، ولا مجال للحكم العام او المعيار الموحد.. ولا توجد أخلاق ثابتة علينا ان نتذكر (أخلاق الصيرورة في التفكيك) يقول النعيم: "النظرة المستبصرة للنسبوية الأخلاقية قد ساهمت مساهمة إيجابية في نشر التفاهم بين الثقافات وتعزيز الاحترام المتبادل وروح التسامح والتعاون بين الناس في العالم. وباختصار فإن النسبوية الأخلاقية تعني أن (الأحكام تنبني على التجربة، والتجربة يفسرها كل شخص حسب تربيته أو تربيتها الثقافية)"1 معنى هذا، أنه عند النعيم لا توجد أحكام مسبقة للحق والخير وما هو أخلاقي، وإنما التجربة هي التي تحدد ذلك.. والتجربة نفسها نسبوية، يفسرها كل شخص حسب ثقافته.. وهذا يعني، ضمن ما يعني أن الوصايا الأخلاقية والتوجيهات والتشريعات، التي يأتي بها الدين ليست صحيحة صحة مسبقة، وكلية، ولذلك هي ليست معياراً عاماً للأخلاق، ولا هي معياراً ثابتاً وهذا ما سنرى أنه يطبق على الإسلام لا توجد فكرة إسلامية، أو شريعة إسلامية واحدة، وإنما كل أصحاب ثقافة إسلامية، لهم إسلامهم الخاص، وقيمهم الإسلامية، الخاصة، التي تختلف مع مسلمين آخرين، وكلها صحيحة بمعايير النسبوية.. فمثلاً، إذا رأى أصحاب ثقافة إسلامية، أن الزنا غير محرم في الإسلام، فهذه رؤية إسلامية صحيحة، ولا يصح أن يقال لهم من قبل المسلمين الآخرين أن موقفكم هذا خطأ وهذا ما يطبقه د.النعيم فعلاً، كما سنرى المهم ان نلاحظ هنا أنه عند د.النعيم، الثقافة العملية هي التي تحكم الإسلام وتحدده، وليس الإسلام هو الذي يوجه الثقافة وفقاً لمبادئه، وهذا هو تطبيق منهج المنطق المدني!! ويؤكد هذا قوله عن النصوص الدينية، الذي جاء فيه: "النصوص الدينية، مثلها مثل النصوص الأخرى، يمكن تفسيرها بعدة طرق. ولذلك ينبغي على دعاة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي أن يناضلوا ويكافحوا ليفرضوا تفسيرهم للنصوص ذات الصلة، لكي يتم تبنيها كنصوص إسلامية جديدة ملزمة للعالم المعاصر).." 2 يفسرها بعدة طرق، تشمل، الطرق التفكيكية، التي تعطي القاريء مطلق السلطة، في تفسير النص، بل كتابته.. ولذلك نرى أن د.النعيم يؤيد أموراً شاذة جداً ومخالفة بداهة للشريعة الإسلامية المحكمة، ويعتبرها الإسلام الصحيح، كما سنوضح لاحقاً. وعندما يتحدث د.النعيم عن حقوق الإنسان التي على دعاة حقوق الإنسان في الإسلام أن يفرضوا تفسيرهم لها، هو لا يتحدث عن ما هو مُتفق عليه، أو يمكن أن يُتفق عليه من حقوق إنسان، وإنما يتحدث عن حقوق الإنسان التي يرفضها المسلمون مثل: حق الزواج للمثليين.. وهو فعلاً يؤيد نماذج التفسيرات أو التبريرات الإسلامية، المنحرفة، التي يستخدمها دعاة وممارسوا هذه القاذورات، وسنرى ذلك بوضوح تام ينبغي أن يكون في ذهننا دائماً أن حديث د.النعيم عن حقوق الإنسان يشمل ما هو مختلف حوله، خصوصاً حقوق المثليين . يقول د. النعيم:" التحليل العميق يبين أن المفاهيم المغروسة في التراث الثقافي للمجتمع هي التي تكون لها الفرصة الأفضل في التزام الناس بها. ولذلك، علينا أن نعزز شرعية معايير حقوق الإنسان عن طريق غرسها في مختلف الثقافات في العالم. وهذا، من وجهة نظري، عمل ضروري ليس لأسباب تكتيكية فحسب، من أجل منع منتهكي حقوق الإنسان من الادعاء بأن بعض حقوق الإنسان غير ملزمة لهم، لغرابتها ومعارضتها لقيمهم الثقافية، بل إني أنادي بذلك كمبدأ أساسي عندي" 1.. د.النعيم يعتبر أن الدين ثقافة، مثل أي ثقافة أخرى، وهو مثل الثقافات من صنع البشر!! وسنورد قوله في ذلك.. وهو عندما يتحدث عن حقوق الانسان، يتحدث عنها بالمفهوم الغربي.. وهذا المفهوم، يتضمن قضايا لا تتفق مع الإسلام والمسلمين، مثل حق الإجهاض، وحق المرأة في حرية التصرف في جسدها، وحقوق المثليين.. وهو يرى في النص أعلاه، أن مثل هذه الحقوق ينبغي غرسها في ثقافات من لا يؤمنون بها، من أصحاب الثقافات الأخرى في العالم.. وهذا العمل عنده، هو مبدأ أساسي.. وهو عملياً يعمل على غرس هذه المفاهيم، في المجتمعات الإسلامية، على اعتبار أن الإسلام، حسب تفسيره هو وجماعته، له يقرها وهو في ذلك يقرأ نصوص القرآن، قراءة تفكيكية، تقوم على موت المؤلف، وانعدام قصديته، واعطاء كل السلطة، في تحديد الدلالة للقاريء، بالصورة التي رأيناها، عندما عرضنا أهم مباديء التفكيك.. وفي النص الذي نقلناه عنه، ويقول فيه أن النصوص الدينية مثل بقية النصوص، هو يحرض دعاة حقوق الإنسان في العالم الإسلامي على: "أن يناضلوا ويكافحوا ليفرضوا تفسيرهم للنصوص ذات الصلة، لكي يتم تبنيها كنصوص إسلامية ملزمة للعالم المعاصر".. لاحظ: (يفرضوا تفسيرهم لكي يتم تبنيها كنصوص إسلامية).. فنصوص الشريعة عنده، تُفَسَّر تفكيكياً لتعطي عكس ما تقوم عليه من قيم، وهذا التفسير يُفرَض، ويعتبر ملزماً!! فالقضية ليست قضية إسلام، أو فكر، وإنما هي قضية سلطة.. والنصوص المعنية، بالتحديد، هي النصوص المتعلقة بالسلوك الجنسي، والتي تحرمها الشريعة الإسلامية المحكمة، ويعتبرها الغرب من حقوق الإنسان.. فد.النعيم يعمل على وضع إسلام يقوم على قيم الغرب، وليس قيم الإسلام إسلام أمريكي وهذا ما سنراه بالتفصيل. إلى هذا الموضوع تشير الدراسة الصادرة في دورية شيكاغو لو ريفيو (العدد71 عام 2004 ( بعنوان التوجه الجنسي: اختبار عالمية قانون حقوق الإنسان الدولي. Sexual Orientation: Testing the Universality of International Human Rights Law, by Holning Lau, Fall 2004 issue of the University of Chicago Law Review (Volume 71) جاء في هذا المرجع، ما نصه: "بعض المفكرين، من أصحاب الفكر الغربي، أكدوا أن مفاهيم حقوق الإنسان، بالرغم من أصولها في الليبرالية الغربية، إلا أنها متفقة مع المفاهيم السائدة في مجتمعاتهم المحلية، مثلاً المفكر الإسلامي د. عبدالله النعيم يؤكد أن القرآن قد يفسر ليؤيد أجندة الحكومات القمعية، أو ليدعم ويساند المفاهيم العالمية لحقوق الإنسان". وعن اشتهار د.النعيم، في الغرب، بالنسبوية، نسوق، قول جمانة شحاتة، من دراستها بعنوان: Islam and Human Rights: Revisiting the Debate وجمانة هي مراسلة ديلي استار من مصر، وقد ذكرت مصدرها، في قولها عن د.النعيم الذي جاء فيه: "حاشية 7: معروف بصورة عامة على أنه نسبوي تفسيري، ونسبوي معتدل..لمزيد من المعلومات أنظر: كتاب جايسون فوستر (الجوانب التطبيقية للنسبوية التفسيرية المعتدلة: الجيل الثالث للحقوق العالمية للإنسان من منظور إسلامي) إصدار دار نشر جامعة بيركلي، 2004 ص 235 " في الواقع، نسبوية د. النعيم، نسبوية متطرفة جداً، لأنها تقوم على الذاتية، وتعطي نفسها الحق في تفسير نصوص القرآن الكريم، المحكمة، في إطار الشريعة، تفسيراً يتناقض معها.. يقول د.النعيم: "Having to prove zina to an impossible level is almost to say, 'Sexuality' is none of your business," explains Abdullahi An-Na'im, professor of Islam at Emory University. "That message got lost in the effort to reinforce patriarchy and sexual domination—but the message remains embedded in the Koran".3 "إن التشدد في إثبات حد الزنا لدرجة الاستحالة، يعني أنه يُراد أن يُقال لنا: (هذه المسائل الجنسية ليست من شأنكم).. ولكن، هذه الرسالة ضاعت في سياق جهود البعض لفرض الهيمنة الذكورية والجنسية – ولكن الرسالة تظل متضمنة، في القرآن".. هذا محض تبرير للزنا في الإسلام.. فالآيات التي تمنع الزنا، والأحاديث عديدة، ومعروفة، بداهة عند كل المسلمين، بصورة لا مجال للخلاف حولها، إلا من منطلقات ذاتية، تبريرية، ممن لا يهمهم أمر دينهم. النسبوية والذاتية: إن نسبوية د. النعيم تذهب إلى الحد الذي يعتبر فيه، أنه لا يمكن ان يكون هناك توجيه يفهم فهماً مشتركاً، بين كافة أصحاب الدين الواحد.. وإنما كل فهم، عنده، هو فهم ذاتي، ولا يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك؟! فهو يذهب إلى درجة من الشطط، تفقد اللغة قيمتها التواصلية، التي تقوم على أن الناس يفهمون مصطلحاتهم اللغوية، فهماً مشتركاً.. فهو يقول مثلاً: "عندما أقول ديني، وهو الإسلام، فإني لا أتحدث عن الإسلام بصورة عامة، أو الإسلام بالنسبة للمسلمين الآخرين، وإنما أتحدث عن الإسلام الشخصي. ذلك أنه بالنسبة لي الدين يجب أن يكون شخصياً. لا يمكن له أبداً أن يكون غير شخصي. لا يمكن للدين أبدا أن يكون غير التجربة الفردية والشخصية للإنسان"؟ ..هذا فهم منحرف جداً، وخطير جداً، يجعل الدين كله أمراً ذاتياً، يخضع لما يراه الفرد ويقرره.. قول د. النعيم :( لا يمكن للدين أن يكون غير التجربة الفردية الشخصية للإنسان) هذا ينطبق على التدين، وليس على الدين.. التدين يقوم على التجربة الفردية.. ولكن كلمة (تجربة) ترجع إلى ماذا؟! هل ترجع الى أمر شخصي ذاتي، أم أمر خارجي؟! مثلا، هل الإسلام، يقوم على تجربة ذاتية، يحدد فيها الفرد المنهاج الذي يريده، والقيم والمعايير التي يريدها؟! هذا قطعاً لا مجال له، وباطل شديد البطلان.. والصحيح، بداهة، أن التجربة الشخصية تقوم على ما جاء به الإسلام في قرآنه وسنته.. وطالما أن الإنسان قد قبل أن يكون مسلماً، فهو ملزم باتباع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لا ما يراه هو.. هو في المنهج ملزم بتقليد محمد صلى الله عليه وسلم، عن إيمان، وثقة وتوقير، وفي بعض جوانب الشريعة، حتى دون السؤال لماذا!! فإذا قال الإسلام إن صلاة الصبح ركعتان مثلاً، فعلى المسلم أن يؤديها ركعتين وبالصورة التي وردت عن المعصوم، دون زيادة، او نقصان.. وعن طريق العمل نفهم الحكمة.. وإذا قال القرآن، وقال النبي الكريم بأن الزنا حرام، فهو حرام لتحريم الله ورسوله له.. هذا هو المبدأ الأساسي، في الإسلام: رد جميع الأمور إلى الله ورسوله، والتسليم لهما.. فالشريعة، أمر مشترك، عند جميع المسلمين، ولا خلاف، إلا في بعض الأمور الفرعية، وإذا حدث خلاف يرد المختلفان الأمر إلى الله ورسوله، وهذا كله بداهة.. أما أن يفعل المسلم، ما يراه هو شخصياً، دون رده إلى الله ورسوله وهذا ما يفعله د.النعيم، ويدعو له فهذا لا علاقة له بالإسلام.. واختلاف المسلمين، فيما بينهم لا يلغي الشريعة، ولا يجعلها أمراً ذاتياً.. وهم لا يختلفون في الشريعة. ويقول د.النعيم: "إذن بالنسبة لي، فإن مسألة كون المرء مسلما، وفيما يخصني أنا، ومنذ بدء الإسلام، قد كانت هذه الدعوة إلى الذاتية، في أن أحدد لنفسي، ما هو ديني.."4.. هذا قول، شديد البطلان، فطالما أن الإنسان، اقتنع بأن يكون مسلماً، فلابد أن يقوم إسلامه،على أركان الإيمان، عقيدة وعملاً، وأن يحرم ما حرم الله، ويحلل ما حلل الله.. فلا يحرم، ولا يحلل من عنده، ولا يرى رأياً خلاف ما حدده الله ورسوله.. يمكن بالطبع أن يترك الإسلام كله، ولكن لا يمكن أن يكون مسلماً، ويقول في الإسلام، بصورة ذاتية، ويحدد لنفسه ما هو ديني وما هو غير ديني، وإنما يقبل ماحدده الله ورسوله.. هذه الذاتية مبدأ أساسي عند د.النعيم، وهي هدم تام للإسلام.. هذه الذاتية، خطيرة، ولها نتائج فظيعة، فيجب أن نصطحبها معنا، فهي جوهر طرح د.النعيم، والأساس الذي تقوم عليه كل مفارقاته للإسلام. وفق هذه الرؤية الذاتية، يخضع د.النعيم الإسلام كله للعلمانية.. يخضع أمر الله لفكر البشر، وإرادة البشر، ويقيد الله تعالى برؤيته هو.. فهو مثلاً يقول: "ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي! وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة البشرية. إن الله يفعل في الوجود عبر الواسطة البشرية.. فالبشر هم الذين يتصرفون ويتخذون المواقف .. إننا نحن البشر من نفعل أو نفشل في الفعل.."!! 4.. (أنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة أو خارقة للطبيعة)!! هذه عقيدة في الله، فاسدة جداً.. فحقيقة الأمر، إن الله تعالى، يفعل بذاته ويفعل بالواسطة، وفعله بالواسطة، ليس مغايراً لفعله بذاته، وإنما هو مظهر وتنزل لفعله بذاته.. أساساً لا يوجد أغيار، فالبشر أنفسهم هم تجسيد قدرته، وقدرته تعالى، ليست زائدة عليه.. فما يفعله البشر، هو في الحقيقة، فعل الله، يقول تعالى في القرآن: "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" ويقول في الحديث القدسي: "يا داؤود إنك تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد.. فإن سلمت لما أريد، كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد" .. فلا شيء على الإطلاق يمكن أن يحدث دون إرادة الله.. فالفعل البشري محاطٌ به من قبل الإرادة الالهية، ولا تستطيع الواسطة البشرية أن تفعل شيئاً خلاف ما يريده الله، ولا تملك أن تغيِّر في إرادة الله، في أي صورة من الصور.. ففعل البشر في الشريعة فقط، في الظاهر، أما الفاعل الحقيقي، دائماً، ولكل شيء فهو الله.. وهذه بداية التوحيد وأساسه، وهو معنى لا إله إلا الله وحدة الفاعل فإذا جهلت هذا فأنت لغيره أجهل.. ولا دخول في الإسلام مجرد دخول دون الإيمان، بعقيدة التوحيد هذه.. فقولك (إنما نحن البشر هم الذين يتصرفون ويتخذون المواقف.. إننا نحن البشر من نفعل او نفشل في الفعل)، قول يدل على جهل عظيم، فنحن حين نفعل أو نفشل في الفعل، إنما يحدث ذلك في إطار القضاء والقدر وليس خارجه.. وأنت في قولك هذا، تتصور الله تعالى كأنه يعمل بطريقتنا نحن البشر تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وتتصوره مقيداً في فعله بما نتقيد به نحن، فلا يعمل بطريقة متجاوزة أو خارقة للطبيعة!!. ثم ما هي الطبيعة؟! واضح من قولك، أنها عندك الوجود المادي، وقوانينه.. ولكن حقيقة الطبيعة هي الإرادة الالهية، متنزلة إلى القدرة الإلهية.. إن هذه الجهالة الجهلاء، لا تعطيك أي حق في الحديث عن الإسلام.. فأنت تجهل الأبجديات، ثم تحكم على الإسلام نفسه، بمعايير جهلك هذه!! وأمر تجاوز الطبيعة، بمفهومك، وخرقها، يحدث حتى للبشر!! قولك هذا يدل على مادية متطرفة، وجاهلة، تجاوزها حتى العلم المادي نفسه. إن موضوع الواسطة البشرية، في طرح د.النعيم، يشكل موضوعاً محورياً.. فهو من أهم أخطائه وضلالاته.. فعنده الواسطة البشرية، تغير طبيعة فعل الله نفسه.. فالقرآن عنده، عندما يدخل العقل البشري، يصبح بشرياً، وغير مقدس.. بل الدين كله، عنده، صناعة بشرية.. والشريعة صناعة بشرية سنورد النصوص في موقعها ما يعنينا هنا، هو توضيح أبعاد الذاتية، التي تطال الله نفسه، كما تطال فعله وقوله!! يقول د.النعيم: "God may be to you said so, but to me may be he did not or she did not say so. Or may be that person doesn't believe in God altogether" ) ربما يكون الله قال لك هذا، ولكن بالنسبة لي ربما يكون لم يقل أو لم تقل، أو ربما ذلك الانسان أساساً لا يؤمن بالله(. الله تعالى، كلامه، في الحقيقة واحد، فحتى الذي لا يؤمن بالله، فعدم إيمانه هذا من الله: "من آمن فقد آمن بقضاء وقدر ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر" .. والله تعالى، في القرآن، كلامه واحد، ولكل الناس.. قد يتفاوت فهم الناس، لكن تفاوت الفهم هذا، لا يجعل خطاب الله تعالى، متعدداً، كما تقول أنت يخاطب كل فرد على حدة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. والأمر، عند د.النعيم، ليس هو مجرد غياب التوحيد، وإنما هنالك سوء استخدام للغة.. فهو يستخدم اللغة بصورة تفكيكية.. أنظر الى قوله هذا : " Naming something does not make it so A second point of language that I would like to highlight is “naming something does not make it so”. Often we tend to assume that if something is called something, then it must be that thing it is called. Say for example, a secular state: if it is called a secular state it must be secular. Or in my case an Islamic state: if the state is called Islamic, it must be Islamic. Otherwise, why would they call it Islamic? But, as the point I will make in a minute, there is no such thing as an Islamic state. It is totally incoherent. When I say that, people immediately ask: “What do you mean with there is no Islamic state? What about Saudi-Arabia, what about Iran? How can you say that?” The point I'm just trying to emphasize is: let us be cautious about assuming that language has the power to make things happening. It doesn't. It is only to the extent that we concede or accept a notion that it becomes true to us. Anything that we did not concede is not true to us. It may be true to those who are asserting it, but it is not true to the rest of us unless we concede it. (تسمية الأشياء لا تجعلها كذلك نقطة ثانية بخصوص اللغة، أود أن ألقي عليها الضوء، وهي أن تسمية شيء، لا يجعله كذلك.. نحن نميل إلى الافتراض، أنه إذا سمي شيء اسماً، فلابد أن يكون هو ذلك الشيء الذي سمي به.. ولنقل مثلاً (دولة علمانية): إذا سميت دولة علمانية لابد أن تكون علمانية...".. إلى أن يقول (علينا أن نكون حذرين بخصوص الافتراض أن اللغة لها القوة لجعل الأشياء تحدث.. إنها لا تفعل .. فقط عندما نقبل، مفهوماً، أو نسلم به، يصبح صحيحاً بالنسبة لنا، ربما يكون صحيحا للذين يؤكدونه، لكنه غير صحيح لبقيتنا ما لم نقبل ونسلم به"5.. لا أحد في الظروف الطبيعية يعتقد أن تسمية الأشياء، تجعلها ما سميت به.. الأشياء دائماً سابقة على الاسم الذي يطلق عليها.. وعندما يطلق الاسم يكون عبارة عن اتفاق بين الجماعة، على أنه يشير الى مسماه، حسب اللغة المعينة.. وبالطبع في كل لغة مختلفة، يسمى اسماً مختلفاً، ولكنه يفيد نفس الشيء.. فإذا قلت شجرة بالعربي أو tree بالانجليزي فهما يفيدان نفس الشيء.. أما إذا قلت دولة دينية فهذا مصطلح مركب، يفيد مفهوماً معيناً، وهو في اللغة العربية، الدولة التي تحكم حكماً، يقوم في مرجعيته على أسس دينية، ونفس الشيء يمكن أن يعبر عنه بالفرنسي أو الروسي.. فالمفهوم لا تحدده اللغة وإنما يحدده الفكر، واللغة تعبر عنه، فمتى كان هنالك اتفاق عالمي، لمفهوم معين، مثل دولة دينية أو دولة علمانية، يمكن لجميع لغات الأرض أن تعبر عنه، بنفس المعنى المتفق عليه.. فالمفهوم لا يعتمد على اللغة، وإنما على الفكر والاصطلاح.. وعندما نقول عن دولة أنها دينية أو علمانية ، وهي ليست كذلك، هذا ليس خطأ في استخدام اللغة، وإنما خطأ، في استخدام المفهوم، ويمكن الحوار حوله، بين مختلف أصحاب اللغات، ليصحح.. قول د. النعيم هذا، هو محاولة لخلق غموض تفكيكي، وهي محاولة فاشلة، وتذكرنا بما أوردناه عن التفكيكي فنسنت ليتش في قوله: "كلمة شجرة هذه الأربعة أحرف، لا تشير الى ذلك الشيء الخشبي".. في الواقع هي تشير!! المهم أن اللغة تعبر عن المعاني، ولا توجدها، وهذه بداهة، يخالفها د.النعيم ليجعل من اللغة تبريراً للنسبوية.. وهو في فعله هذا، يردد مقولات التفكيكيين، دون أي فكر!! حديثنا عن النسبوية، سيستمر مع طرح مزيد من الأدلة، من أقوال د.النعيم، ولكننا هنا، سنتحدث عن مبدأ آخر من المباديء الهامة لفلسفة د.النعيم، والتي عليها يقوم بتفكيك الإسلام وتفكيك الأخلاق. المنظور التاريخي: يرى د.النعيم أن الواقع التاريخي هو الذي يحدد القيم، دون الحاجة لمرجعية أخرى وفقها يتم تقييم هذا الواقع!! فما هو سائد، في مجتمع ما هو الصحيح، ويضرب مثلاً لذلك بالمثلية الجنسية، فهي عند الغرب، قبل عشرين سنة فقط، كانت مرفوضة، وهي الآن مقبولة ومنطقية جداً، حسب قوله!! أسمعه يقول: "النقطة التي أود أن أعلق عليها هي المنظور التاريخي الذي أؤمن به. فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليات يبدو أمراً مؤسسا جداً ومقبولا جداً، ولكن هذا الأمر ظهر مؤخراً جداً، جداً، في هذا البلد، في هذه الثقافة. كما تعلمون، إذا رجعتم عشرين سنة في الماضي، سوف لن تجدوا نفس القدر من التسامح والتفهم لحقوق المثليين وحقوق المثليات، على النحو الذي تجدونه اليوم. وهنا أيضا تأتي عملية التطور والتفاعل، وهو تطور وتفاعل نحتاج أن ننظر إليه من منظور تاريخي" 4.. فالمنظور التاريخي عنده، يمثله الواقع الفعلي المعاش.. كل القضية هي تفاعل ثقافي، فيه الثقافة التي تتغير وتصبح لها السيادة، هي الصحيحة، حسب المنظور التاريخي، ولا توجد أي حاجة لتقويمها من خارجها.. الأمريكان كانوا إلى وقت قريب يرفضون المثلية.. قبل عشرين عاما فقط، كانوا يرفضونها، أما الآن، فالحديث عن (حقوق المثليين والمثليات يبدو أمراً مؤسساً جداً ومقبولا جدا جدا)، ما الذي جعله كذلك؟! هو المنظور التاريخي!! ما الذي فعله المنظور التاريخي، وبه غيَّر الموقف الثقافي للمجتمع الأمريكي وجعل ما كان مرفوضاً، مقبولاً؟.. هذا القبول الجديد في نظر د.النعيم هو تطور، وفق المنظور التاريخي الذي يؤمن به.. تطور الى أين؟ أنت عندما تتحدث عن التطور، بالضرورة تتحدث عن اتجاه، وعن هدف، سيتم التطور نحوه، ولكن، لا د.النعيم، ولا االعلمانية التي يتبناها يملكون هدفاً كليا للحياة البشرية.. ود.النعيم، لا يرى أن التاريخ محكوم بإرادة، توجهه، وإنما هو الفعل البشري وتفاعل الحضارات.. فما هو لاحق، دائماً تطور على ما هو سابق.. دون أي مرجعية توجه التاريخ، وتحكم مسيرته، ودون غاية ينشدها تطور التاريخ، وهو يرفض المرجعية الدينية بالذات، في إطار التوجيه الذي يتبناه المنطق المدني .. وبعد سطور، من النص الذي نقلناه أعلاه يقول عن المنهجية الدينية: "وهذا هو الموقف الذي أتبناه، وأقدمه في هذا الكتاب، وهو أنني أريد أن أقول أن أي مؤسسة عامة أو تشريع عام لا يمكن تبنيه بالرجوع إلى المرجعية الدينية.. ومعنى ذلك أنك إذا أردت أن تمنع العلاقات الجنسية المثلية، بين الأفراد من الجنس الواحد، لا يمكنك أن تفعل ذلك بسبب انها حرام، وتقول للناس لا يمكنكم ان تفعلوا ذلك لأنها خطيئة من وجهة نظر الدين"!! المرجع السابق.. هذا عكس الواقع، فجميع المسلمين يحرمون المثلية الجنسية، وغيرها من المحرمات، لأن الله حرمها، ويمنعونها لهذا الاعتبار، فقول د. النعيم هذا ليس له أي وجه من الإسلام، فهو قول شديد البطلان، ويهدم المبدأ الأساسي في الإسلام، وهو: رد الأمر إلى الله ورسوله. المرجعية المعتمدة عند د.النعيم، بالنسبة للأخلاق، ليست هي الدين وتوجيهاته، وإنما هي المنطق المدني، على الأسس التي رأيناها من تفكيك، ونسبوية ذاتية، وبراغماتية، والآن يضاف إليها المنظور التاريخي، الذي يحق الحق، ويبطل الباطل لمجرد ظهور الأشياء في المجتمع، دون أي اعتبار لتوجيه ديني، أو فلسفي، أو عقلي.. ودون أي اعتبار لهدف نهائي.. ودون أي مرجعية خارجية.. فالأمر كله الغاء المرجعية في الأخلاق، بما يفتح الباب على مصراعيه للتوجهات الغريزية، والشهوانية.. وبما أن التاريخ في حركة صيرورة دائمة، فهنالك دائماً تحول في الأخلاق يحكمه عند د. النعيم المنظور التاريخي، ولا شيء غير هذا المنظور.. فالأمر عنده محسوم تماماً: لا توجد أخلاق ثابتة، ولا معايير أخلاقية ثابتة، حتى بالنسبة للإسلام نفسه، وبالنسبة لجميع الأديان!! لقد تحدثنا، ونحن نتحدث عن (التفكيك) عن (أخلاق الصيرورة)، وعلينا أن نراجعها، فهي ما يتبناه د.النعيم، وباسم الإسلام!! لا توجد مركزية أخلاقية، ولا حد أدنى، ولا ثبات، وإنما هو تحول أخلاقي مستمر، فيه ما هو سائد في الزمن المعين، هو الصحيح دون أي اعتبارات أخرى!! فحتى الشريعة الاسلامية، عند د.النعيم، ليس لها موقف ثابت، ولا حد أدنى من الأخلاق، لا تقبل ما هو دونه.. يقول د.النعيم، من نفس النص: "ولكن النقطة الأخرى التي أود أن أدلي بها هي أنني سأظل أعترض على، وأنازع، أي شيء يوصف على أنه موقف الشريعة الثابت والراسخ، حتى في مجال العلاقات الاجتماعية، وليس فقط في المجال القانوني. ووجهة نظري في ذلك هي أن الشريعة وجهة نظر إنسانية.. وبعبارة أخرى، الشريعة علمانية. وأحد المواقف التي أحاول أن أدعمها هو رفع القداسة عن مفهوم الشريعة، واعتبارها نتاجا للتطور التاريخي والتجربة التاريخية. إن الشريعة ليست مقدسة.. إننا نتحدث عن الدين كشيء مقدس، ولكن المقدس عندما يدخل في العقل البشري، ما عاد مقدسا. لذلك، من أجل أن يكون للدين انطباق في حياتنا، يجب أن يكون علماني، نظرا لدخوله في العقل البشري والتجربة البشرية"4.. يجب الانتباه، إلى إبعاد الله تعالى، عن الصورة تماماً، وإبعاد فاعليته، وحاكمية المنظور التاريخي، بالصورة التي يراها د.النعيم. هذه أسس فلسفة د.النعيم، عرضنا مبادئها العامة، لنبني عليها تفكيك د.النعيم للدين الإسلام بصورة عامة، وتفكيكه للأخلاق بصورة خاصة. وكل ما ذكرناه، ليس للنعيم فيه دور أكثر من الترديد.. فهو يردد مقولات ما بعد الحداثة الغربية، مثل ما يفعل "الكوراس" في مسرحية (الحلاج) لصلاح عبدالصبور.. الجديد الوحيد هو استخدامها لتفكيك الإسلام.. وهذا نفسه عمل غربي، هو موظف فيه.. مجرد موظف!! أعتقد أن تفكيك الإسلام، والأخلاق، منذ الآن واضح، بوضوح الفلسفة التي ينبني عليها عند د. النعيم، ولكننا في الحلقة القادمة سنتناوله بصورة أكثر مباشرة.. وهو بدوره سيلقي مزيداً من الضوء على فلسفة د. النعيم.. أو على الأصح ما يتبناه د. النعيم من الفلسفة الغربية. المراجع: 1. دراسة د. النعيم بعنوان: (الأقليات الدينية في ظل القانون الإسلامي وحدود النسبوية الثقافية) نشرت في دورية (هيومان رايتس كوارترلي) إصدارة فبراير 1987 –العدد الأول المجلد رقم 9، الصادرة عن دار نشر جامعة جونز هوبكنز، وعنوانها بالإنجليزي: )Religious Minorities under Islamic Law and the Limits of Cultural Relativism). Human Rights Quarterly A Comparative and International Journal of the Social Sciences, Humanities and Law Vol. 9, No. 1, Feb. 1987 2. الدراسة الصادرة في دورية شيكاغو لو ريفيو (العدد 71) – 2004 بعنوان (التوجه الجنسي: اختبار عالمية قانون حقوق الإنسان الدولي) للكاتب هلوننج لاو: Sexual Orientation: Testing the Universality of International Human Rights Law Holning Lau Fall 2004 issue of the University of Chicago Law Review (Volume 71) حاشية 42 3. المرجع: مجلة ذي نيو ربابليك 26 فبراير 2001 العدد: 13 The New Republic, 26th February 2001 عنوان المقال: Honor Killings v/s Islam: Faith of her Fathers المقال بمناسبة إقامة حد الزنا (الجلد) على فتاة نيجيرية.. 4. من خطاب د. النعيم في المؤتمر الذي انعقد في جامعة هارفارد بعنوان (Rethinking the Secular): المرجع: 5. الورقة قدمها د. النعيم في مؤتمر عن التعددية (Pluralism) عقده في هولندا معهد (كوزموبوليس)، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، عام 2009، ضمن برنامج هايفاس للمعرفة، ونشرت الورقة في ديسمبر 2009 First published in December 2009 by the Promoting Pluralism Knowledge Program, jointly coordinated by: Humanist Institute for Co-operation with Developing Countries P.O. Box 85565 | 2508 CG The Hague |The Netherlands www.hivos.net Kosmopolis Institute (University for Humanistics) P.O. Box 797 | 3500 AT Utrecht | The Netherlands www.uvh.nl 6. Ref: http://www.thestar.com/News/Ideas/article/438947 A champion of secular Islam looks to harness 'heresy', Published On Sat Jun 7 2008, Lynda Hurst Feature writer خالد الحاج عبدالمحمود