[email protected] حدثتني صديقة عزيزة، عن شعورها بالحيرة الشديدة عندما ذهبت لمكتب الصرّاف لتستلم مرتّبها، فوجدت زوج إحدى زميلاتها - الذي لا يعمل معهم في نفس المؤسسة - يقف في الصف لاستلام مرتب زوجته، رغم أن انها كانت موجودة فقد تركتها صديقتي خلفها في المكتب .. وعندما عادت للمكتب قالت لزميلتها بقلق: انتي قاعدة بي جاي يا الفالحة .. وراجلك جا شال ماهيتك ومشى ؟!! فأجابتها تلك الزميلة بأن (عادي)، فهي - أي الزميلة - لم تحظ بفرصة لمس مرتبها منذ زواجها، لأن زوجها قد تعود أن يقوم (أولاً ب أول) بإستلامه والتصرف فيه بمعرفته، والأكثر إيلاما أن تلك الزميلة كانت تبكي وتولول عندما إجتاحتها موجة من موجات (فائض العمالة) وتخلصت منها المؤسسة، فقد أوضحت لزميلاتها بأن إيجار البيت ومصروفات المدارس والكثير من منصرفات البيت كان مرتبها يتكفل بتسديدها، لعجز مرتب زوجها البسيط عن مواجهة إلتزامات الأسرة .. قصة تلك الموظفة (الغلبانة) والمغلوبة على أمر (الماهية)، ومجابدة بين إلتزامات البيت والعيال على طريقة الكاشف: (غصبا عنك .. مهما تحاول وتاخد حذرك .. تصبح (صارف) .. غصبا عنك)! تعتبر واحدة من أمثلة صيغ زواج (الاعانة) ولكن برؤية من الواقع المعاش، وبعيدا عن صيغ الزواج المستحدثة التي تشترط على الزوجة التخلي (طواعية) عن الزام العريس بالإنفاق والمبيت، ففي أمثالنا السودانية القديمة نقول (القفة أم أضانين .. بشيلوها اتنين)، ورغم أن (حبوباتنا) لم يكن ليحلمن ولو في أشد أحلامهن جموحا و(شطوحا)، أن المثل الذي يدعوا للتعاون والتكافل سيتحول ل (إيثار)، تحمل فيه الزوجة (القفة أم أضانين) وحدها لتضعها على (صنقورها) عن رضى أو فلتنتظر (البورة الراجياها) !! ورغم أن (الحبوبات) كن يعايرن البنات اللاتي يتلقين مساعدات مادية من أسرهن بعد الزواج، حتى أن إحدى أولئك الحبوبات نظمت فيهن هجاء - قمت بسرده في مادة سابقة - قالت فيه: يا الشحّ مطرْكن .. ويا القلّه مهرْكن يا العند رجالكن وشايلنكم أهلكن إلا أن تلك (المعايرة) كان بفهم (قلة بركة) بنات آخر زمن، وكراعهن الناشفة التي تتكفل بتجفيف موارد ازواجهن، حتى تضطر أسرهن لمد يد المساعدة .. ولم تكن من باب استنكار مساعدة الزوج البسيط على معيشته، فهذا أمر عادي تقوم به معظم الأسر، بحيث - غالبا - ما يقومون بفصل جزء من المنزل لاقامة الابنة وزوجها معهم، ولا يطلب منه المساهمة في (القفة) أو صرف الأكل، فالآباء (زمان) كانوا يعتبرون أن الاستعانة بزوج الابنة في اطعام أهل البيت، نوع من العيب الكبير الذي لا يجوز في حقهم الوقوع فيه. إذن (المشايلة) كانت وستظل فينا ما دامت الحياة، ودام التعامل بين الناس ف (الناس بالناس والكل برب العالمين)، ولا بأس باعانة الزوج المتعسّر لحين ميسرة يقف بعدها على قدميه، ليلتزم ب (دق صدره) وشيل شيلته التقيلة وحده دون مساعدة من أحد .. قام عم (عبد الرحمن) بإحضار ابن شقيقه من البلد ليساعده في التعليم، فتكفل بمعاشه وعلّمه في أحسن المدارس على حسابه، ثم تكفل بمصاريف دراسته الجامعية حتى تخرجه .. طوال تلك السنوات كان الابن يقيم مع عمه في البيت كأحد أبنائه، وعندما تخرج واستلم وظيفته في إحدى المصالح زوّجه العم من ابنته (لا قرش .. لا تعريفة)، وأسكنهم معه وظل يصرف عليهم وعلى ابنائهم حتى تقدم -زوج الابنة - في وظيفته، وترقى لمراتب أعلى وصار له دخلا يفوق دخل عمه، الذي أدارت له الايام وجهها بعد تقدم سنه وتقلبات السوق التي لم ترحم (شيبته) .. عندما أحس العم بأن ابن شقيقه (سايق في العوج) و(سادي دي بي طينة ودي بي عجينة) رغم علمه بالظروف، لم يجد العم بدا من مواجهته: يا ولدي .. دحين أنا ربيتك وعلمّتك وعرستا ليك، وما سألتك قبال ده من شي .. لكن يوم واحد ما شفتك شايل ليك كيس لناس البيت أو حتى لأولادك .. وهسي ظرفي وظرفك اختلفوا دحين دايرك تشيل مشالك براك . ولكن كاد قلب العم المسكين أن يتوقف عندما اجابه ابن أخيه في قوة عين: أنا ما ملزم بالصرف لأنك زوجتني بتك زواج نكاح .. مش زواج انفاق !! الرأي العام