تراسيم.. أخوان البشير !! عبد الباقي الظافر في غرفة كئيبة في منطقة المرج بالقاهرة ..سكن ولمدة ثلاثين عاماً المشير محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر ..نصف هذه المدة كان قيد الإقامة الجبرية ... بقامته المديدة وجسمه النحيل كان يرقد على سرير مهترىء .. على فراشه غير الوثير تُشاركه مجموعة ضخمة من الكتب ..على الجدار لوحة تجمع مجموعة من الكلاب والقطط ..كُتب عليها الجنرال العظيم \"هؤلاء هم أصدقائي \" . يوم وفاته فى الثامن والعشرين من أغسطس قبل نحو عامين ..رفع الرئيس نجيب يده نحو السماء ..وتمتم بكلمات لم يسمعها أحدها ..ثم أرخى كفيه ببطءٍ ..وأحنى رأسه ثم أسلم الروح لبارئها .. ورفضت مصر التقيُّد بوصيته التي اختار فيها أن يُقبر فى أرض السودان .. الخرطوم هى ذات الأرض شبَّ فيها نجيب .وأحبها وأحبته ..حتى ظنّ البعض ومنهم الصحفي هيكل أن أصول نجيب سودانية . ليست ثورة مصر وحدها التي أكلت أبيها ..شقيقتها في السودان فعلت ذات الشىء ..والشيخ الترابي فى عشرية الإنقاذ الأخيرة ..ما بين حبيس أو مراقَب ..أو رهن إقامة محدودة تنتهي حدودها القصوى عند مطار الخرطوم . فى مصر حدث ذات المصير لصُنّاع التغيير ..عبد الناصر بعد أن تخلّص من الرمز نجيب ..استفرد بضباط يوليو ..وأكمل مهمته بتميز الرئيس السادات ....عبد الحكيم عامر غاب عن الساحة فى ظروف غامضة ..وعبدالطيف البغدادي وكمال الدين حسين والشافعي أصبحوا معارضين للرئيس السادات ..وزكريا محي الدين جعل لنفسه مساراً وحزباً سياسياً . ومجلس قيادة الإنقاذ لقي ذات المصير ..الموت المفاجىء خطف منهم ثلاثة ..والاستقالة المبكرة كانت تأشيرة الخروج النهائي لإثنين من أزهد رجال الإنقاذ ..عثمان أحمد حسن أصبح مزارعاً واختار الصمت ..بينما لزم اللواء فيصل أبوصالح بيته يُصارع قسوة الزمن و مرض السكّر اللعين .. العقيد محمد الأمين خليفة واللواء صلاح كرار واللواء دومنيك كاسيانو بخيت ..اختار الثلاثة أن يُنازلوا رئيسهم السابق البشير من منابر متفرّقة ..العقيد سليمان محمد سليمان ترك وزارة الخارجية عندما لم يجد الاحترام اللازم .. وأصبح ضابطاً متقاعداً ينتظر معاشه الراتب كل شهر ..مارتن ملوال أمسى تاجراً ..كاد أن يذهب الى السجن إثر صفقة سيارات لحكومة الجنوب كان هو سمسارها.. ولم يبقَ بجانب البشير من رفاقه إلا وزيره بكري حسن صالح . بعيد أقل من أسبوع تحتفي الإنقاذ بذكراها ..وسيظهر على منابر الاحتفال رجال لو فشل إنقلاب الإنقاذ فى تلك الجمعة لما مسّهم ضُر..ولكن هذه حكمة الله يؤتي الملك لمن يشاء . ماذ لو زار البشير رفاقه فى التغيير ..ذهب إليهم فى منازلهم ..بلا مرافق أو دليل ..وتحسس أحوالهم فرداً فرداً ..ليرى ماذا فعل الزمن بأخوته . التيار