هناك فرق الغُربة كشرط إبداعي ..! منى أبو زيد \"الغربة جميلة\" ! .. بهذا أجابت الأديبة الجزائرية \"أحلام مستغانمي\" على سؤال عن تعايشها مع غربتها المبكرة .. قالت (.. في البداية كانت تخيفني الغربة، لكنني اكتشفت أنها شرط إبداعي يحتاج إليه الكاتب، مثلما يحتاج الحب والرؤيا .. يحتاج البعد عن الأوطان .. يحتاج إلى مسافة ليتأملها جيداً ..!) أحلام هي القائلة أيضاً إنّ الغربة مثل قفص الزوجية، من بالخارج يحلم بالدخول، ومن بالداخل يحلم بالخروج، ولا أحد يستطيع أن يقنع الآخر بأنه على صواب .. ورغم ذلك تقول إنها جميلة، وليس من تناقض على أية حال ..! التمزُّق الدائم بين الحاجة إلى الوطن والاحتياج إلى الغربة هو حال المغترب .. التنازع الدائم بين متاح الوطن وممكن الغربة، هو (الوجع) العنيد الذي يطلق عليه علماء النفس في حذلقة (اضطراب الحنين إلى الوطن) ..! من داخل الغربة سطرّت \"مستغانمي\" حب مدينتها \"قسطنتينة\" في ذاكرة الأدب .. فحق لها أن تراها جميلة ..! (الفرح خارج الوطن عابر وسياحي.. فقاعي وبلا جذور.. وقلب الإنسان ليس جمهورية فردية مستقلة.. لكنه قطعة من أرض بلاده) ! .. هكذا وصفت \"غادة السمان\" الغربة .. حيث يتحول الحدث الجلل إلى \"خواء\" و\"عدم\" وذاكرة فارغة لأجساد تسير بنصف انتباه .. وتعيش بنصف إذعان .. ونصف رضوخ .. وبعض تمرد ..! ( .. كانت بدايتي قاسية جداً في لندن، لأنني تركت الأهل والأحباب والدور الفسيحة والتواصل الاجتماعي، لأجد نفسي داخل غرفة صغيرة، برودتها لا تطاق، في بلد غريب، وبين قوم غرباء .. تحت وطأة الحنين إلى بلدي وأهلي وعشيرتي، كتبتُ قصة \"نخلة على الجدول\" ..) ..! هكذا تحدّث الطيب صالح عن الغربة كمنعطف، وبداية طريق .. وبين حصار البنايات الأسمنتية الشاهقة، وكثافة الضباب في لندن تفجَّر الكامن الإبداعي، وتمخَّضت الغربة فولدت أديباً كبيراً ..! عندما توفي الطيب صالح نعته بعض وسائل الإعلام بهذا المانشيت :\" الطيب صالح بين مقبرتين .. وطن يرفع الضغط، وغربة ترفع الرأس\" ..! ذات يوم حزين .. كنت فيه على سفر .. تذكرت هذا المانشيت الذي يستدر الحزن .. وأنا أتأمل في ملامح الخرطوم المغسولة/الملطخة .. كانت قد خلعت عنها ثوب الغبار العابس وغسلت حذاءها البالي من التراب .. قبل أن تلبس ثوب الخريف المُكفهِر ..! أجواء اللزوجة والبلل .. ازدحام الطرقات .. عبوس الراكبين والراجلين .. روائح الطين وأسمال الخريف .. ومع ذلك كانت تبدو جميلة مثل \"السندريللا\" ..! وعندما بحثت – يومها - عن بعض العزاء .. عن حسنات الغربة مثلاً .. تذكرت منجزات هؤلاء الأدباء التي نضجت في أتون الغربة .. وتذكرت أيضاً قول الإمام علي بن أبي طالب .. خيرُ البلاد ما حَملك (بفتح الميم) لا ما حمَّلك (بتشديدها) .. تشديدها وتضييق الخناق عليك ..! التيار