هناك فرق بين السماء و الأرض ..! منى أبو زيد الحسناء التي نامت على مقعد الطائرة بجوار الأديب الفذ ماركيز، هل كانت تظن أنّ تلك (النومة) العفوية ستجعل منها أشهر حسناء نائمة في دنيا الأدب العالمي بعد نائمات كابواباتا الجميلات؟! .. قطعاً لا؛ وإلا لما أهدرت ساعات الجلوس بجوار ذلك الكاتب العظيم في النوم الملحوق..! ولما اكتفت بأن تكون ملهمته لكتابة مقاله الرائع (طائرة الحسناء النائمة).. الذي حدثنا فيه ماركيز – الذي يخاف ركوب الطائرات - عن تأملاته في حركات وسكنات تلك النائمة الجميلة منذ لحظة الإقلاع وحتى هبوط الطائرة.. ويصف لنا تأملاته المُفعمة بالشغف في نومتها تلك طوال ثماني ساعات كانت عمر تلك الرحلة الجوية..! ولم ينس بالطبع أن يذكر رواية (بيت الجميلات النائمات) للياباني ياسوناري كاواباتا!.. والتي كان مسرح أحداثها بيت غريب في ضواحي طوكيو يأتي إليه الرجال البرجوازيون الطاعنون في السن ويدفعون مبالغ باهظة من المال ليشبعوا عيونهم تأملاً في أجمل فتيات المدينة وهُنَّ نائمات..! قبل أن يذيّل تلك التأملات بقوله (عندما قدموا إليّ بطاقة الهجرة في الطائرة.. ملأتها وأنا أشعر بالمرارة.. وكتبت في خانة المهنة.. كاتب ياباني.. السن: 92 سنة)..! ومن (الخوّافين) أيضاً الأديب المصري (نجيب محفوظ) الذي لم يسافر إلى السويد لاستلام جائزة نوبل للآداب.. بعد حصوله عليها بسبب الخوف من الطائرات، واكتفى بتكليف ابنتيه باستلامها بالإنابة عنه.. وكله اجتناباً لرهبة الرحلة الجوية الطويلة..! الخوف من ركوب الطائرات حالة غير مرتبطة بدرجة التحضّر أو التخلّف وإلا لما تفشى بين الأمريكيين سادة العالم الجدد.. بل أثبتت دراسة حديثة أجريت في أمريكا أنّ (10%) من الأمريكيين لا يركبون الطائرات مهما كانت الظروف، ويفضلون عليها السفر بالبر أو البحر.. كما أنّ (20%) من الأمريكيين لا يركبون الطائرات إلا للضرورات القصوى، ويتناولون أدوية مهدئة للتغلب على القلق أثناء الرحلة..! الكثير من المشاهير عُرف عنهم خوفهم الشديد من ركوب الطائرات.. منهم عارضة الأزياء العالمية (كلوديا شيفر) التي أصيبت بهذه الفوبيا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. والموسيقار المصري (محمد عبد الوهاب) الذي أخبرته إحدى (الودَّاعيَّات) أنّه سوف يموت بسقوط طائرة، فأصبح يخاف ركوب الطائرات؛ إلى أن اضطرته الظروف إلى ركوبها في حادثة طريفة (طلب منه الرئيس جمال عبد الناصر أن يسافر إلى سوريا مع وفد يضم مختلف الفنانين فتعلل عبد الوهاب بالمرض فاعتذر عن الذهاب، وتبرّع بعض الواشين بإخبار الرئيس عن عقدة خوفه من ركوب الطائرات.. فأمر الرئيس بحمله ووضعه على متن الطائرة بالقوة)..! ومن المصابين بفوبيا ركوب الطائرات عميد الأدب العربي (طه حسين) الذي لم يركب طائرة قط طوال حياته.. فكان يسافر إلى أوربا على متن السفن.. وعندما دُعي إلى مؤتمر العلماء العرب في بيروت اعتذر عن السفر إليها بالطائرة.. وبرر اعتذاره عن حضور المؤتمر بعدم رغبته في قطع الطريق إليه مُعلقاً بين السماء والأرض..! التيار