أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلفية الدعوة لرؤية السودان الجديد (2-2)اا
نشر في الراكوبة يوم 08 - 08 - 2010


خلفية الدعوة لرؤية السودان الجديد (2-2)
قد تساعد الحقائق في التأم الجراح
(نحو المجتمع الإنساني
محمود الحاج يوسف
[email protected]
من الذين أسسوا جمعية اللواء الأبيض؟
إن القليل من المواد التي تم دراستها في المدارس عن ثورة عام 1924، وأصل علي عبد الطيف والتبعيات التي واجهها الإفراد وأسر الجيش الذي سرح بعد ثورة 1924 ، بالإضافة إلي السياسات الموروثة والغير مكتوبة، جعل الكثيرين يظنون بأن جمعية اللواء الأبيض قد تم تأسيسها بواسطة المجموعات السودانية من ذوي الأصول الأفريقية، لكن وبمراجعة الأسماء وأصول المؤسسين، نكتشف بأن أغلبهم كانوا من القبائل الشمالية أو خلط بين أباء سودانيين وأمهات مصرية أو سورية (ويقال عنهم حينها مواليد).
في 15 مايو 1924، أجتمع خمسة سودانيين من مختلف الخلفيات العرقية في سعيهم ومناقشاتهم الدءوبة حول المواضيع الوطنية بتأسيس جمعية اللواء الأبيض، وهي ذات اليوم الذي أرسلوا فيها برقية إلي الحاكم العام. هذه المجموعة المكونة من خمسة أشخاص، يمثلون المركزية واحد، وهؤلاء المؤسسين هم [3]:
1- علي عبد اللطيف (الأب من النوبة وإلام من الدينكا) ضابط سابق في جيش.
2- عبيد حاج الأمين (محسي)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
3- صالح عبد القادر (جعلي ولكن يصفونه البريطانيين بالمواليد لأن والدته تركية الأصل)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
4- حسن محمد شريف (مواليد)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
5- حسن صالح (من المواليد)، موظف حكومي – قسم البريد والتلغراف.
المركزية اثنين، أو لجنة الظل، والتي يمكنها حلول مكان الأولي إذا حدث طارئ، وتتكون من [3]:
1- أحمد مدثر إبراهيم (دنقلاوي)، مشغل الهاتف في القصر.
2- التهامي محمد (شايقي والبعض يقول انه جعلي)، نجار.
3- أحمد دوليب خليل، (من الدواليب وقريب الأزهري)، كان رجل دين وليس له عمل.
4- حامد حسين (من المواليد)، نجار، وتدرب في ورش كلية غردون.
5- محمد إدريس، (جعلي)، مشغل تلفونات بسنجه.
6- حسن يوسف، (من المواليد)، صاحب فرن صغير، ومورد للأرطة السودانية التاسعة.
وكما رأينا، فمن أحد عشر مناضل، كان أحداهم فقط هو من السودانيين (مثلما كانوا يطلقونها آنذاك للقبائل الأفريقية من الجنوب والنوبة والفوج ودارفور)، كان ذلك هو علي عبد اللطيف، وبغض النظر عن أصله ولونه وهي معايير كان لها وزن في ذلك الزمان (وللأسف ما زال عند المجموعات المتخلفة)، تم اختياره رئيسا بواسطة المجموعة لقيادتهم، في فترة كانت فيها تجارة الرقيق ما زال ساريا ولم يتم إلغائها بعد رسميا، وهي توضح مستوي الوعي والوطنية التي ملكتهم وتميزت بها هذه المجموعة، في فترة كان فيها بعض السياسيين يسيئون لكل المجموعة بالإدعاء بأنهم سوف لن يمثلون بحثالة المجتمع [2].
ومثلما أظهر الاتحاد نبالة هؤلاء القوم من الشماليين، إنها أيضا توضح قدرة السودانيين للتجمع معا من أجل قيم سامية ومطوقة باتجاهات وطنية لتكوين الأمة السودانية. وفوق كل ذلك إنها توضح شخصية علي عبد اللطيف، والذي علي حسب معايير تلك الفترة، لا يقل عن دكتور جون قرنق دي مبيور، خلقيا، مع درجة عالية من التماسك الذاتي والكرامة.
ما هي مطالب جمعية اللواء الأبيض؟
أدعي البعض أن 1924 لم تكن ثورة، وذهبوا أكثر من ذلك بأنها لم تكن لها ثقل جماهيري، ولقد تم دحض ذلك، إذ استطاعت إلينا فازاديني الدفاع عن ذلك [3]، وتوصلت إلي أن أسباب هذه الروايات تكمن في عدم وجود معلومات كافية في تلك الفترة تلقي الضوء علي بعض الجوانب الخافية حول ذلك. والمعروف أن الكثير من المظاهرات قد تمت في الكثير من المدن وتوضح الدعم الشعبي وعمق الثورة وسط الشعب السوداني.
ولكن ما هي المبادئ التي قامت عليها جمعية اللواء الأبيض؟ هنالك الكثير من العوامل التي لعبت دورا كبيرا في إيجاد ذلك المناخ الذي صاحب الأحداث في عام 1924 (عيد الحركة الشعبية هو يوم 16 مايو ولم يكن مصادفة، وتعني أن دكتور جون قرنق كان يدري ما يفعل)، ولتفهم تلك العوامل بصورة جيدة، فإن دراسة متعمقة لعموم الأحوال مع وجود معلومات من عدة مصادر [3].
في اليوم الذي تم فيه إنشاء جمعية اللواء الأبيض، قام خمستهم بإرسال برقية إلي الحاكم العام، وذلك في 15 مايو 1924، وطالبوا فيها بالمزيد من الحقوق، والتمثيل السياسي والوحدة مع مصر، وذكر البرقية:
\"نلتمس توصيل احتجاجنا هذا إلي كلا من البرلماني المصري والبريطاني. إن كرامتنا لا تسمح بأن نكون مثل الحيوانات والتي يتم شرائها وبيعها من دون أخذ رأيها. إننا نحتج بكل قوتنا لعدم إعطاء شعبنا الحرية الشرعية لإبداء رأيهم علنا وإرسال هؤلاء الذين سيتم اختيارهم من قبل الأمة لأبنائها المخلصين علي الأقل لكي يكونوا مدركين بالقرار الحقيق عن تسوية مستقبلهم خلال المفاوضات\"
الخدعة التاريخية ألكبري
من أحدي الأسباب التي يقدمها الجنوب لتبرير تمرد عام 1955، بأن سودنه أكثر من 800 وظيفة قد أعطيت كلها للشماليين، ما عدا القلة بعدد أصابع اليد للجنوبيين [4]. لقد أستمر ذلك النهج، ولكن لم يسأل أحد السؤال الكبير، \"ما هو تأثير هؤلاء في المجتمع السوداني؟\"
في الفصل الثالث، بمنهج التعليم الأولي في النظام التعليمي السوداني القديم (لا أدري عن الجديد)، هنالك قصة البطل عبد الفضيل الماظ، والذي كما ذكر، قد حارب القوات البريطانية حتى مماته عندما هدم المبني الذي كان فيه علي رأسه، ووجد في اليوم التالي وهو ممسكا بمدفعه، وتقول القصة بأن معظم أعضاء جمعية اللواء الأبيض قد تم القبض عليهم ومحاكمتهم.
وهكذا فإن الرواية قد ربطت بين ما قام به الضباط السودانيين وجمعية اللواء الأبيض، وهي مسألة حاولت المحكمة الانجليزية إثباتها بقوة، ولكن لماذا تواصل الحكومات الوطنية بعد الاستقلال بحمل هذا الادعاء دون تمحيص؟ حيث دحض ذلك لاحقا [2].
في أوائل القرن العشرين، وبعد انهيار دولة المهدية، ومع بناء العاصمة المثلثة وتكوين الدولة، بدأ يطل المجتمع السوداني والذي قدم مع الجيش المصري [1]، مدنيين وعسكر، والذين درسوا في مصر، والبعض الذي كان في فرنسا، وحتى إلي المكسيك، رجعوا محملين بثروة من العلوم، والخبرات وفوق كل ذلك المدنية والحضارة الغربية، رغم إيمان عميق بالدين الإسلامي، هذه المجموعات قد حمل علي الاعتقاد بأنهم سيشكلون الأساس للحكم في مستقبل السودان [5]. هذه المجموعة من السودانيين المتعلمين شكلوا الأساس لمجتمع الطبقة الوسطي، بالإضافة للضباط المتقاعدين والذين انضموا إلي الخدمة المدنية، مثل علي عبد اللطيف [1]. قام الانجليز بالتركيز علي رفع أعداد أطفال القبائل الشمالية في المدارس التي تم فتحها، وشجعوا أبناء الشخصيات البارزة، لدرسه مواد معينة مثل القضاء والتعليم الذي كان حكرا علي هؤلاء [3]، كل هؤلاء الخريجين قد قاموا بتشكيل الطبقة الوسطي وقد شارك أغلبهم في مظاهرات عام 1924.
هذه الطبقة الوسطي ومع زخم الوعي والتي انعكست في كثرة فروع جمعية اللواء الأبيض في معظم المدن الشمالية. هذه العملية أشعرت كلا من الإدارة البريطانية التي لم تكن علي ود مع جمعية اللواء الأبيض. ونتيجة لتنامي نفوذ كلا من أر. أف. ونجت ضابط الاستخبارات في حملة النيل، ورودولف سلاطين والذي هرب من أسر الخليفة [1]. لقد كان سلاطين حاقدا علي المهدية، والأفارقة، وخصوصا هؤلاء الذين ينتمون إلي دارفور، لما حاق به من سوء معاملة، دينيا وبدنيا، كما ظهر في كتابه الذي كتبه بعد الهرب عام 1893 [6]. ولأن سلاطين قد تم تعيينه المفتش العام ومستشار للحاكم العام بعد الغزو، وكان له تأثير كبير علي ونجت، وبالتالي علي سياسة الإدارة البريطانية في السودان، هذا التأثير قد بدأ واضحا من أعماله مع ونجت لاستمرار الرق في السودان، رغم الضغوط من قبل المجموعات الإنسانية والكنسية في بريطانيا [1].
وقامت هذه المظاهرات بتنبيه القيادات الطائفية – القبلية، والذين كانت دفاعاتهم عن عقدة التعالي، بالإدعاء بنقاء أصولهم كسبب لحكم السودان، قادتهم إلي معركة سياسية طاحنة لتمثيل المجتمع السوداني، هؤلاء القادة، والذين نجحوا في تأسيس المشاريع الزراعية [7]، بينما يستغلون الرقيق لكسب المزيد من الإرباح [1]، بينما قام الانجليز برفع معنوياتهم، بأخذهم إلي لندن عام 1919 لتهنئة الملك جورج الخامس والإمبراطورية علي النصر في الحرب العالمية الأولي [7]، ولقد كانت الفترة بين الأعوام 1920 إلي عام 1924 في غاية من الشدة، لأنه من منطلق منظور العقلية والثقافة العربية، فإن علي الميرغني ومجموعته، كانوا يظنون، بأن لهم الشرعية بالحكم بناء علي التفوق، بينما كان علي عبد اللطيف ومجموعته في جمعية اللواء الأبيض، والمكونة من مختلف القبائل السودانية، وكانوا علي اعتقاد بأن جوهر المساواة في الإسلام (بالنسبة إلي المصريين) والديمقراطية (بالنسبة للبريطانيين)، تعطيهم الشرعية لتمثيل الأمة السودانية.
طبعا كلا من الكتيبة السودانية، والذي تمرد جزء منها، واحدي القيادات الطائفية علي الميرغني، قدموا مع القوات الغازية، وكلا المجموعتين أيدا وحدة السودان مع مصر، لذا لماذا قامت بريطانيا ومن بعد ذلك مصر بدعم علي الميرغني بدلا من علي عبد اللطيف ومجموعته؟ بالرغم من أن الضباط الذين تمردوا، وكان ذلك أساسا لأنهم رفضوا التعليمات البريطانية بانسحاب الجيش المصري من السودان فبدوا مصريين أكثر من الجيش المصري الذي أخفق في دعمهم كما اتفقوا علي ذلك، ولكن ما هو السر وراء هذه الأحداث؟
بعض الأسئلة المهمة، والتي تحتاج إلي الإجابة هي، هل كان علي عبد اللطيف حقا علي معرفة وقام بدعم التمرد؟ أم إنها كانت حجة فقط نظمت بواسطة هؤلاء الذين كانوا في مكتب الاستخبارات لتحطيم تقدم الأمة السودانية ممثلة بجمعية اللواء الأبيض وعلي عبد اللطيف؟
ثوار 1924 من اليمين
ثابت عبدالرحيم: أعدم – عبدالفضيل ألماظ: إستشهد – صالح عبدالقادر: هرب إلي مصر – محمد سليمان: أعدم [8]
الكتلة السوداء
تم اعتقال علي عبد اللطيف مع الكثير من مجموعته، والكثير من السودانيين ذوي الأصول الأفريقية، وتم سجنهم وتسريحهم من الجيش والخدمة المدنية، ويمكن تصور ما دفعه أجدادنا من غالي الإثمان (الأرواح، والسجون، والمنافي، والوظائف، والوضعية الاجتماعية، ومستقبل الأسرة، وتعليم الأبناء، الخ ...) لقاء هذا الوطن الغالي.
لاحقا في عام 1942، تم تكوين جمعية القبائل المتحدة بواسطة الجنود السودانيين السابقين، وفي عام 1948 تم تحويلها إلي الكتلة السوداء، وترأسها عثمان متولي، وهو أصلا من قبيلة الداجو بدارفور، ونائبه زين العابدين عبد التام، وهو ضابط متقاعد وعضو جمعية اللواء الأبيض، وهو من الدينكا، بينما كان أمين المال الشخصية المشهورة دكتور محمد آدم أدهم، وهو طبيب وتخرج من مدرسة كتشنر الطبية وهو من الداجو في دارفور [1]. ولقد عارضوا السياسة البريطانية في جنوب السودان وطالبوا برفع مستوي الجنوبيين، ولقد أخذ ذلك الاسم لإظهار سواد السودانيين [2]، والأصل الأفريقي للأمة السودانية.
نتيجة للدعوة من منطلق ألأرضية المشتركة لاستقلال السودان، وعدم القدرات المالية والدعم، بدأت المجموعة في التعاون مع حزب الأمة، وتسبب ذلك في الانشقاق بينهم [1]. أن قوة الكتلة السوداء في العاصمة في تلك الفترة، يمكن قياسها بعدد الجماهير التي شاركت في جمعيتها العمومية في أم درمان، لقد كانوا 4,000 شخص [2].
في بدايات 1950، قامت الكتلة السوداء ومجموعات أخري بمحاولة خلق تحالف عريض مع الجنوبيين، ولكن فشل ذلك، لأن الجنوبيين اتهموها بالتحالف مع مصر [1]، بالرغم من أن الكثير من القيادات الجنوبية حينها قد دخلت الحزب الوطني الاتحادي، وفازوا باسمها في الجنوب [2].
نتيجة لرد الفعل من المجتمع الشمالي، وعدم القدرة المادية، وفقدان مهارات التنظيم، نزلت المنظمة للعمل الخفي، وقام بعض أعضائها لاحقا بتكوين المنظمات الإقليمية، مثل إتحاد عام جبال النوبة (الأب فيلب عباس غبوش)، وإتحاد البجة [1]، وجبهة نهضة دارفور.
للتأكيد علي ما تم من طمس للحقائق، فإن أغلب السودانيين حاليا لا يدرون شيء عن تلك الأحداث، رغم أن كل الناس تعرف عن مؤتمر الخريجين وتشكيل الحزبيين. لقد قامت الكتلة السوداء بإنشاء جريدة باسم \"أفريقيا\" [2]، ونتيجة للكثير من العوامل، لم يتم الإشارة إلي البعض منها، ثم بدأ تأثيرهم وزخمهم في التلاشي، خصوصا عندما أحس النزعة المسيطرة بالخطورة التي يمكن أن تسببها للخط الذي اتخذته القيادات الشمالية الدينية والقبلية والتقليدية، ولكن علي أية أساس كان يقوم الخط الذي أتخذه هؤلاء القادة؟
إن الانعتاق داخل المجتمع السوداني، والذي مارس الرق القائم علي العرق، قد قام بتشكيل أيديولوجية هي العمود الفقري للعقلية الشمالية العربية، ويصعب علي غير السودانيين فهمها، خصوصا الأفارقة، والذين صدموا بمأساة دارفور. ولكن الباحثين مثل الدكتور أحمد العوض سيكنجة [1]، قد استطاعوا ألإمساك بخلفية ألأيديولوجية التي وراء المجتمعات الإسلامية، في المناطق التي يتم فيها تبرير الرق علي أسس دينية وعرقية، والمعبرة عنها بالآتي:
\"خلال القرنين الماضيين، قامت المجموعات العربية في شمال السودان بتطوير سلالة نسب وعلي ضوءها أدعوا ألانحدار من أصول عربية، وقاموا بخلق أيدلوجية تقوم بتعيين من هو الحر ومن هو الذي يمكن استرقاقه. ووفقا لذلك، فإن أسلاف العرب قد أصبحوا المعيار الرئيسي للحرية بينما أصحاب المذاهب الروحية وأؤلائك من ذوي البشرة الداكنة فقرنوا بالخنوع والعمل الوضيع. ولقد قام المسئولين البريطانيين بتبني هذه ألملحوظات، والذين أتوا بتصوراتهم الخاصة، والتي صاغتها الثقافة التقليدية لغرب أوربا وخبرات الرق في العالم الجديد (أمريكا). منذ البداية، كان تصور المسئولين البريطانيين في السودان للعمالة من الجانب العرقي، مع تخيل معين عن القدرة العملية لكل عرق. مركز هذه الملاحظات هي الفكرة بأن الرق قد قام بتحويل مالكي الرق من الناطقين بالعربية كسالي وبالغضين للأعمال اليدوية، بينما جعلت الرقيق غير راغبين في العمل ما لم يتم إجبارهم علي ذلك\".
تلك هي المفاهيم التي وجدت طريقها إلي المجتمع السوداني وأوجدت جملة من الافتراضات والمعايير الباطنية المعاشة وهي التي كانت ألأساس لكل الصراعات التي قامت وتقوم من حين لآخر في بلاد السودان، بدأ من علي عبد اللطيف ورفقائه إلي دكتور جون قرنق دي مبيور، وفي كل مرحلة، كانت توجد قوة معاكسة تريد الاحتفاظ بالوضع القائم، والمرء يمكنه تعداد هذه الأوضاع القائمة في الحقب الماضية.
السودان الجديد
إن الأحداث التي انتهت في الخمسينات، تمثل مأساة كبري لما وصف في تلك الفترة ب \"الرق السابقين\" و \"العناصر الزنجية المنبتة قبليا\" [2]، لقد كانوا الأصل في التهميش داخل المجتمع السوداني، حيث أن أعدادهم في ازدياد ومع قدوم الكثيرين من المناطق المهمشة في السودان وسهولة تمازجهم معهم في العاصمة، ولكن دون فهم لجذور مشكلتهم.
وكما رأينا فإن هذه العناصر الأفريقية والوطنية من العروبيين وفي مختلف محاولاتهم لإقامة الوحدة الوطنية، وكما ورد في الأخبار وما رأيناه في صور قادة 1924، وما شهدناه في دكتور جون قرنق، فلقد كانت الكرامة الإنسانية هي محور اهتماماتهم، والأساس في توجهاتهم وتمنياتهم للآخرين.، فلقد كانوا مدفوعين باتجاهات وطنية إجابتا لأكثر المسائل السودانية إلحاحا، وهي مسألة الهوية. تلك النزعة أوضحتها الأزمة التي حدثت بين علي عبد اللطيف وسليمان كشة والذي أستخدم تعبير \"أيها الشعب العربي الكريم\" عام 1923، كمقدمة لكتاب كتبه بالنيابة عن جمعية اللواء الأبيض، متضمنا أشعار ألقيت خلال احتفالات عيد المولد النبوي الشريف، أعترض علي عبد اللطيف علي ذلك، قائلا بدلا من ذلك، إنها يجب أن تكون \"ألشعب السوداني الكريم\" [2]. كان ذلك الفرق هي البداية للأزمة ألكبري داخل المجتمع السوداني، مشكلا خطين من متوازيين، إحداهما يهدف إلي خلق المجتمع ألإنساني، بينما الاخري تهدف إلي المحافظة علي الثوابت (أو الثوابت العربية السائدة)، أنها أيضا توضح كيف بدأ الاختلاف الحالي بين الخطيين الرئيستين في السياسة السودانية، الخط الذي مثله دكتور جون قرنق دي مبيور في الحركة الشعبية لتحرير السودان وحلفائه من الأحزاب الاخري، والمؤتمر الوطني – الجبهة الإسلامية الوطنية وحلفائها من جهة ثانية.
بإدراك طبيعة ذلك النضال، قام المؤتمر الوطني بتحويل كل النقاش إلي القضية بين الشمال والجنوب، وللأسف منجرفا لذلك، فإن الحركة الشعبية وجدت نفسها قد دخلت في حلقة دائرية للصراع، حيث ينقص نصف قطرها باطراد. إن السؤال الدائم للحالة السودانية تقول، ما هي النهاية المنطقية لعملية الوحدة الإفريقية؟ في ذلك ألسياق، كيف كانت أوربا بعد الحرب العالمية؟ وهل فهمنا فكرة السودان الجديد؟
بعد يومين من وفاة دكتور جون قرنق، كنت جالسا في حجرة الاستقبال بمكاتب الحركة الشعبية بنيروبي، وكان في الغرفة دكتور سامسون كواجي (له الرحمة) وكوستي مانيبا، عندما دخل الغرفة أثنين من جنوب السودان وكانا قد رجعا من أمريكا، أحداهم والذي لم أكن أعرفه جيدا حينها لكنه ذو وزن حاليا في حكومة الجنوب، كان يبكي بطريقة غريبة، وقال \"هم الذين قتلوه، ألم تشاهدوا إنهم كانوا يرفعون صورة ذلك الرجل الذي مات (علي عبد اللطيف)\"، صعقنا لهذا، لم يقل أي منا شيء، ولكن هؤلاء هم ذوي الأصوات العالية الآن في المجتمع السوداني!
كان دكتور جون قرنق الذي نحتفل بالذكري الخامسة لرحيله هذه الأيام، عبقريا، لقد تفهم المأساة السودانية ورفع الدعوة للسودان الجديد، القائم علي القيم الإنسانية والحرية، والعدالة والمساواة، والتي أصبحت المعيار في المجتمع الإنساني ألحالي، ولكن بالنسبة لنا في السودان فما زلنا أسري في تلك السنة التاريخية لعام 1924، من خلال انتصار حققته بعض المجموعات الطائفية، من خلال التدخل البريطاني، وتم تطويره بذكاء من خلال الجيل الثاني مستغلا كل شيء للمحافظة علي الوضعية القانونية التي تم فرضها.
ولكن، هل كل ذلك يبرر تفكيك شعب طيب وبلد جميل كالسودان؟ وهل يمكننا تحميل الأبناء ما فعله الكبار؟ وأية نموذج نريده للدولة ألسودانية ، والسودانيين كشعب؟
سنري ذلك في المقالة التالية بعنوان \" الفكر الأفريقي بين الأهواء السياسية والضمير الإنساني - نموذج الوحدة السودانية\"
محمود ألحاج يوسف
عضو سابق بالحركة الشعبية
[email protected]/
المراجع
1- Dr. Ahmad Alawad Sikainga, Slaves Into Workers: Emancipation and Labor in Colonial Sudan, University of Texas Press, Austin, 1996.
2- د. يوشيكو كوريتا، علي عبد اللطيف وثورة 1924، بحث في مصادر الثورة السودانية، مركز الدراسات السودانية، القاهرة 1997.
3- Elena Vezzadini, The 1924 Revolution, Hegemony, Resistance, and Nationalism in the Colonial Sudan,
at: https://bora.uib.no/handle/1956/3065
4- التحقيق الإداري في حوادث الجنوب 1955، مركز الدراسات السودانية، الطبعة الثانية، الخرطوم،
5- مناقشة مع ألبان أفريكا الراحل، دينق أجاك دينق.
6- سلاطين باشا، السيف والنار في السودان، ترجمة محمد المصطفي حسن، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2008.
7- د. محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث، مركز عبدالكريم ميرغني، الخرطوم، 2002.
8- http://www.alrakoba.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.