[email protected] كانت خطوة إيجابية تلك التي أقدم عليها بورداب الرياض بإقامة ندوة عن ضرورات الوحدة ومآلات الانفصال، وكانت مشاركة ممثل المؤتمر الوطني د.عمر الأصم وممثل الحركة الشعبية د.ماجوك وابن دار فور بوش حافزاً لحضور هذه الندوة. ولكن جاء التناول بعيدًا عن المأمول، فقد اكتفى د.الأصم بالسرد التاريخي، ثم دغدغة المشاعر، وإلقاء التبعة على المتربصين بالسودان، أما د.ماجوك فقد صادر حقنا في استشراف ما بعد الانفصال، وهو أمر محتمل، إذ طلب تأجيل التفكير حتى يقع (الفاس في الراس)، أما م.بوش، فقد زادنا اكتئاباً بتشاؤمه، ويبدو أنه سيعود إلى صومعته مرة أخرى، بعد أن خرج منها مرغمًا كما أفصح. والمفاجأة كانت حديث الأستاذ ياسر عرمان رئيس قطاع الشمال في الحركة الشعبية، الذي طالبنا بأن نفكر في كيفية إقامة علاقة أفضل مع الجنوبيين الجدد بعد أن يقع الانفصال. وكانت هذه الأفكار على تشاؤمها وعاطفيتها وجفافها تستحق أن يعيرها المستمعون اهتمامهم، ليشبعوها مناقشة، لتبدو أكثر غنى، ولكن كعادتنا حاول كل من تحدث استعراض بضاعته، وجعل نفسه محاضراً موازياً، بل تجاوز بعضهم الزمن الذي ناله المتحدثون الرئيسون، وأراد بعضهم أخذ الفرصة عنوة واقتدارًا، كأن الحديث في كل منتدى شهادة على العلم الواسع، والفكر النير، والعبقرية الفذة. وكان حديث د.صلاح فرج الله الأكثر عمقاً، والأقرب إلى موضوع الندوة، وكانت دعوته إلى الحفاظ على الخرطوم وعاءً انصهار لأبناء السودان تستحق التصفيق الذي ناله. إن هذا الأسلوب في تناول قضية مصيرية يجعل كل منتدياتنا ولقاءاتنا التفاكرية ترفاً وتزيداً، كأننا نتحدث عن موضوعات الحب والغرام، ونحن نتسلى على شاطئ النيل، بينما الواقع أننا نتكلم عن وطن قد يصبح شيئاً من الماضي. وأكثر ما يثير الدهشة أن الجميع تبرؤوا من تعبير (الوحدة الجاذبة)، حتى ممثل المؤتمر الوطني، كما لو أن المشكلة في المصطلح، لا في فهم الناس لمآل وطن. إن هذا العمل الذي قام به بورداب الرياض يشكرون عليه، ولكن ماذا عليهم أن يفعلوا وقد أصبح الحوار بيننا هو حوار الطرشان، الذي أوصلنا إلى هذا الوضع الماسأوي بكل ما تعنيه كلمة ماسأة. والمصيبة أننا لا نزال مع ضيق الوقت المتبقي على تقرير المصير نصر على ممارسة ما اعتدناه من ترف واجتماعات وقومة وقعدة، حتى يدركنا الطوفان، ونجد جنوبيين جدداً على حد تبشير الأخ ياسر عرمان، الذي قال قوله من دون آن يرمش له جفن.. أقول ذلك مخمناً لأنني لم أر له جفناً، فقد كانت مداخلته هاتفية.