بشفافية «ديوك الكجانة» حيدر المكاشفي شاع من أمر الديوك ثلاثة، ديك المسلمية، وديك البطانة وديك العدة، فأصبحت هذه الثلاثة أشبه بالديوك القومية لأنها صارت معروفة على نطاق واسع بمختلف أنحاء السودان بل وأصبحت مضرباً للمثل تسمعه في نيالا وهبيلا وحلفا وشركيلا بذات الصيغة وذات المعنى، غير أن ما يعنينا هنا هو ديك آخر لا يقل عن بني جلدته الثلاثة «غشامة وحماقة وطربقة وسربعة» وإن كان أقلها حظاً في الشهرة حيث لم ينل منها ما يرقى به إلى مستوى القومية، ذلك هو «ديك الكجانة» غير المعروف على نطاق واسع ربما لعدم ذيوع وشيوع «الكجانة» المنسوب اليها كواحدة من أنواع «الخندريس» المنتج محلياً وهي تقريباً من فصيلة «البوقنية»، ولكن «الكجانة» عند البعض ليست هي المشروب وإنما مخلّفات صناعته التي تشكل الذرة قوامها الاساسي، وعند آخرين هي منزلة بين منزلتين في صناعة الصهباء والصهباء اسم آخر من بين ثلاثمائة اسم ذكر ابن المقفع انها كلها للخندريس ووردت في الكثير من قصائد الشعراء، ويقال أن كثير من الاسماء المتداولة يحمل أصحابها إسماً من أسماء الخندريس دون أن يدري هو أو الذين خلّفوه واطلقوا عليه هذا الاسم، الامر الذي يتطلب مراجعة السجل المدني ومضاهاته باسماء الخندريس لاجتنابها إذ لا يكفي إجتناب الخندريس نفسها فحسب بل وأيضاً لا بد من إجتناب التسمي بأحد أسمائها، ومما يقال عن منزلة «الكجانة» أنها المرحلة التي يتبول عليها إبليس اللعين ليزيدها لعنة تذهب بعقول الشاربين، وبعضهم يزيّنها ويقول عنها أنها تعالج أمراض الكلى وفقر الدم، وفي كل الحالات تبقى الكجانة كما وصفها شاعر «كاجن» هي «أم شُمْبك الحادق تخلي عيونك زي البنادق» هداكم الله وأجاركم وعافاكم منها، وأم شمبك الحادق هذه تفعل بالديوك التي تقربها وتنقر منها ما تفعله بشاربيها من بني البشر ومن ثم تستوي معهم في الترنح وافتقاد التوازن والخرمجة والخمج وربما أرتكاب الحماقات والجنايات ولهذا أصبح يقال لمن يأتي بمثل هذه الأفعال «هيييع ديك فجق كجانة» واعتقد أن الامر إلى هنا قد أصبح من الوضوح بدرجة لا تحوجنا لشرح عملية «الفجق»... الشاهد هو وجه الشبه بين عوالم الديوك وعالم السياسة، وبين بعض السياسيين وبعض الديوك المذكورة، فمنهم من ينتمي إلى فصيلة ديك المسلمية، ومنهم من له في ديك العدة عرق، ومنهم من يحمل من جينات ديك البطانة الكثير من الكروموزومات، وكثيراً ما سمعنا وقرأنا عن ملاسنات أو إستشهادات بأحد هذه الديوك من سياسي في حق سياسي آخر يساويه في «المقدار» ويخالفه في الاتجاه، ولكننا لم نسمع قط بسياسي يهجو سياسي بأنه مثل ديك الكجانة أو بالاحرى «الديك الذي فجق الكجانة»، لا ادري لماذا ولكني اعتقد أنه قد آن الاوان للتحذير من ديوك الكجانة التي «تفجق» الآن بشدة على أرض الوطن لتحيله إلى مخلفات بافتعال خلافات لا داعي لها بل هي أصلاً ليست من إختصاصهم مثل التراشق الذي يدور بين بعض المسؤولين الولائيين في الشمال والجنوب حول بعض النقاط الحدودية لتحديد لمن تتبع، هناك إتفاقية -طول بعرض- هي نيفاشا وهناك آليات مشتركة وهناك لجان قومية فنية وهناك مؤسسة رئاسية وهناك مفوضيات مفوضة فهل هناك أي سبب يجعل أي والٍ هنا أو هناك أن يحشر أنفه في موضوع أكبر منه موضوع بحجم وطن وليس بحدود ولاية لولا أنها «الطربقة والسربعة» بذات طريقة ديك الكجانة... وعلى كل ديوك الكجانة رحمة بهذا الوطن أن يكفوا عن «العوعاي» أو يُجبروا عليه. الصحافة