حديث المدينة إلى سعادة النائب!! عثمان ميرغني ( لو حولوا جوبا.. إلى دبي.. فلن يحقق ذلك الوحدة).. هذا ما قاله رياك مشار.. نائب رئيس حكومة جنوب السودان.. ونقلته عنه صحيفة (سودان تربيون) تعليقاً على مشروعات التنمية التي ترعاها الحكومة الاتحادية في الجنوب.. ولو قالها رجل غير (نائب رئيس حكومة الجنوب) لكان أخف وطأة.. إذا نطق بها سياسي خارج الجهاز التنفيذي لكان مقبولاً.. لكن أن تكون من (نائب الرئيس) شخصياً.. صحيح.. أن قرار الإنسان في قرارة نفسه رهن بمعطيات كثيرة لا يُشترط أن تكون كلها مادة محسوسة.. لكن الذي فات على (نائب رئيس حكومة الجنوب) أن المشروعات موجهة مباشرة إلى الإنسان في جنوب السودان.. المواطن العادي الذي يحتاج إلى الشارع.. إلى الماء.. الكهرباء.. المدرسة المستشفى.. كل الأشياء التي لا يحتاج إليها كبراء الساسة الذين يجدون عوضًا منها في عواصم أخرى.. من بينها الخرطوم نفسها.. لكن المواطن العادي في جنوب السودان.. تؤثر هذه المشروعات على حاضره ومستقبله بصورة جد محسوسة.. مثل هذا المواطن لو لم تمسح هذه المشروعات غبنه التاريخي نحو أخيه في الشمال.. فقد تمسح غبن ابنه.. سلالته في المستقبل.. تنجز الوحدة، ليس في الاستفتاء القادم بل ربما بعد عشرات السنوات القادمة.. والأوطان لا تؤسس على (يوميات التغابن).. فالإنسان قصير العمر يمضي إلى أرشيف التاريخ في أجيال متعاقبة.. لكن الوطن يبقى.. والفعل الذي لا يصنع الوحدة اليوم.. قد يحققها بعد سنة.. خمس.. عشر.. قرن.. وسيأتي يوم يعيش فيه الأحفاد معاً في وطن لطالما اجتهد أجدادهم في بعثرته وتشتيت شمله.. وحسناً.. أن السيد مشار أختار (دبي) نموذجاً.. فهي فعلاً نموذج الوحدة التي يصنعها التراضي.. دولة الإمارات العربية المتحدة .. لو لم تتحد .. وحافظت على إماراتها كل بإمارته فرحون.. لما كانت اليوم تلك القوة الاقتصادية الهائلة التي محقت نجومية (هونج كونج).. وصارت مركز حركته. (دبي).. يا سعادة نائب رئيس حكومة جنوب السودان.. بلد صغير للغاية.. مضمحل الموارد.. لو رأيت الصور القديمة ل(دبي) لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً.. وكلمة (القديمة) هذه لا أقصد بها زماناً بعيداً ولى.. بل تاريخ قريب.. ربما عندما كان سيادتكم طالباً في جامعة الخرطوم.. لكن أين (دبي) اليوم؟؟ لم تصعد إلى سمائها الشاهقة بمعجزة.. بل كانت مجرد (فكرة) عبقرية أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.. فصنع من إمارة لا تتعدى مساحتها أحد أحياء الخرطوم.. إمبراطورية اقتصادية في الشرق.. ليس خسارة أن تضخ الخرطوم مزيدًا من المشروعات في جنوب السودان.. مهما كانت تكلفتها.. بل حتى ولو اختار أهل الجنوب الانفصال.. من مصلحة السودان أن يستمر في دعم التنمية في الجنوب.. فأي قرش يُنفق اليوم في الجنوب.. يقرب شطري الوطن إلى بعضهما متراً.. ليت ساستنا.. خاصة من هم في مثل هذه المواقع الرفيعة يدركون أن الفكرة مهما صغرت تستطيع أن تصنع (دبي).. والفكرة مهما صغرت.. تستطيع أن (تعلب) مستقبلنا ونظل أمة تبكي لحالها الأمم.. التيار