صدي الهروب إلى الأمام! امال عباس ٭ عندما تتداخل وتتشابك مفاتيح الدخول لمناقشة الهم السياسي في السودان تسوقني خواطري الى ما يشبه التحايل على تغيير الموضوع كأن ألجأ لديوان شعر او الى قصة قصيرة او ابحث عن موضوع آخر. ٭ بالأمس وجدت نفسي في هذه الحالة التي ادخلتني فيها المناقشات التي تدور هذه الايام عن الاستفتاء والوحدة والانفصال كأن القضية بنت اليوم فجأة اخذ الكل يتحدث عن وحدة السودان وعن.. وعن.. وكثرت المناظرات التي لا ولن ولم تغير في الموضوع وذلك لسبب بسيط هو ان الوحدة الجاذبة عملية طويلة لم يبدأ الاستعداد لها في ميعادها الحقيقي واخذنا نعالجها بنفس يوم الوقفة وبكرة العيد. ٭ أمامي كتاب «في صالون العقاد كانت لنا ايام» لأنيس منصور قرأته كثيرا منذ ان جاء في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي بمجلة اكتوبر.. قلت في نفسي اختار وبطريقة عشوائية استراحة لي ولقراء «صدى» من ملاحقة اخبار الدوحة وتصريحات الشريكين.. وبالفعل فتحت الكتاب ووجدت نفسي أمام عنوان «حكمت المحكمة غيابيا» ولنقرأ معاً. «قبل ان يتوقف المترو بلحظات فاجأنا الكمساري تذاكر.. تذاكر.. يا افندية.. وكان في نيتنا ان نغادر المترو دون ان ندفع ولكننا لا شعوريا مددنا ايدينا الى جيوبنا واعطيناه ودون اتفاق فيما بيننا ظللنا راكبين محطة اخرى كأننا اردنا ان نقول له انه لم يكن في نيتنا ان ننزل دون ان ندفع وانه لم يضبطنا انما هو ادركنا ونحن نقترب من الباب استعدادا للنزول في المحطة التالية. ٭ وفجأة وجدتني أقول لصديقي: انا قلت لطه حسين ولكنه لم يصدقني.. طه حسين؟ من هو طه حسين؟. عندما اختلفت معه في تفسير كتابه الشعر الجاهلي وكان من رأيه هو ان هذا الكتاب هو اجرأ اعماله الادبية وان لم يكن اعظمها ولكن قلت له: بل انت شخصيا عمل ادبي جرئ لأنك لست كاتبا ولا متحدثا فقط.. بل انت نموذجا لما يجب ان يفعله المفكرون الاحرار في مصر.. ماذا تقول؟ - ........ ماذا تقول؟ * ولما لاحظ اني لم ارد عليه ادرك انني كنت اداري خجلي من الكمساري بان اوهمه بأنني مثقف وانني عرف طه حسين شخصيا واني جلست معه واختلفت في الرأي.. أي انني لست من هذا الطراز الذي يهرب من الكمساري. ٭ ومضيت أهزئ وأقول اما انا فعندما سمعت الباب يدق قلت ادخل فلم يدخل احد فصرخت بأعلى صوتي.. ادخل.. قلت لك ادخل يا حمار وكان المفاجأة لقد كان لطفي السيد باشا وفي يده عبد الرحمن الجبرتي وفي يد عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ الاغريق هيرودوث.. بالاحضان يا رجالة يا محاسن الصدف. ٭ لقد كان يقاطعني بالسخرية ولكن لم اكن على استعداد لذلك ومضينا على اقدامنا الى بيت الاستاذ دون ان نتكلم وذهبنا متأخرين على الموعد اكثر من نصف ساعة ولما دخلنا صالون الاستاذ كان ممتلئا ووجدنا لنا مقعدين متجاورين.. أحد المقعدين مكسور فاسندته الى الحائط وأحسست ان احد ساقي هي في نفس الوقت الساق الرابعة للكرسي ولاحظت شيئا غريبا، فقد كان وراء المقعد قفص كبير به نسناس وقبل ان اسأل الوجوه عن صاحب القرد وعن المعنى وجدت واحدا من الزملاء من كلية الزراعة.. لن تصدقني قد اثبت بهذا القرد لأنه شاهد في قضية.. الاستاذ يقول ان هذا النوع من القرود يجب ان تكون له بقعة بيضاء عند ذيله وانا تحديت الاستاذ قائلا: لابد ان تكون أصابعه هي البيضاء ولما عدت الى البيت وعدت الى المكتب لم أصدق عيني فقد كان الاستاذ على صواب ولما ذهبت الى حديقة الحيوان وانت تعرف ان والدي هو احد اطباء الحديقة وناقشت والدي اكد ان الاستاذ على حق.. وأثبت الناس برهانا حيا على أنني «غلطان» انتهى ما كتبه انيس منصور وسجلت انا هروبا الى الأمام. هذا مع تحياتي وشكري. الصحافة