هذا التقرير الإدانة، سيلاحقكم أينما ذهبتم !! الحلقة الثانية صديق عبد الهادي [email protected] أشرنا في الحلقة الأولى إلى البعض من الحقائق التي تسند ما ذهبنا إليه في شأن الموضوعية التي تحلى بها تقرير اللجنة التي عُرفت بلجنة \"بروفيسور عبد الله عبد السلام\"، وتقريرها الذي عُرِفَ هو الآخر بعنوان \"مشروع الجزيرة...الحالة الراهنة وكيفية الإصلاح\". وتلك الحقائق كان اقلها ارتباط أعضاء اللجنة بمشروع الجزيرة حيث عملوا فيه ومن مواقع مختلفة. واشرنا كذلك للملاحظة الدقيقة التي افترعت بها اللجنة تقريرها وهي أن عاش المشروع فترة أربع سنوات بالتمام والكمال دون ان يكون محكوماً بأي قانون، بالرغم من إجازة المجلس الوطني لقانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م ، ومصادقة رئيس الجمهورية عليه. والفترة المقصودة التي عاشها المشروع وشهدها أهل الجزيرة من مزارعين وعاملين مرتبطين بالعمل الإنتاجي في المشروع، هي تلك الفترة التي امتدت من سنة 2005م إلى 2009م. وقد اشرنا إلى أن خلق ذلك الوضع كان مقصوداً ومخططاً له بواسطة حكومة الإنقاذ وبمساندة أذرعها الخفية والمرئية، إن كان أن مثَّلتها إدارة المشروع أو جسَّدها إتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل العميل وغير الشرعي!!!. عليه لابد لنا، وبل من حق الناس علينا أن نكشف الدوافع ونبين المرامي التي تمّ تحقيقها نتيجة لخلق ذلك الوضع \"العجيب\" في المشروع!!!. إن خلق ذلك الوضع من \"الفراغ القانوني\" الذي ساد مشروع الجزيرة لفترة أربع سنوات، كان كافياً لتتمكن الرأسمالية الطفيلية الإسلامية من إكمال ما بدأته سابقاً من اعتداء على أصول المشروع ومن ثمّ مصادرة كامل ممتلكاته، وذلك ببيعها لمحسوبي النظام ولنافذيه من الرأسماليين الإسلاميين!!!. قدمت اللجنة في تقريرها رصداً دقيقاً لممتلكات المشروع حيث أنها اوردت في جانب العقارات فقط ان مشروع الجزيرة كان يمتلك 6,943 عقاراً بما فيها العمارتان الكائنتان بمدينة بورتسودان. وهذه الإحصائية تشمل المكاتب والسرايات والورش وغيرها، ولكنها، بالقطع، لم تشر إلى العقارات الكائنة بمدينة مانشستر في المملكة المتحدة والتي وردت في كتابات بعض المهتمين والمتابعين، الذين ذهبوا للقول بأن ملكيتها آلت لعائلة احد رموز سلطة الإنقاذ!!!. أورد التقرير أنه ومن ضمن هذه العقارات تصل قيمة المنازل والورش التابعة لسكك حديد الجزيرة لوحدها مايقارب ال 25 مليون دولار!!!. أما القيمة الحقيقية لسكك حديد مشروع الجزيرة في مجملها، والتي تمّ بيع قضبانها وقاطراتها وعرباتها عن طريق الدلالة باعتبار أنها خردة، قد بلغت 225 مليون دولار!!!. ففي حديث سابق مع الشيخ الجليل شيخ عبد الله الشيخ احمد الريح، \"أزرق طيبة\"، كان أن قمنا بنشره في العام 2009م، أشار بأنه قد نما لعلمهم بأنه قد تمَّ التصرف ودون وجه حق في كامل الآليات والمعدات التي قامت بإحضارها إلى السودان من بريطانيا شركة \"اتش بي إي\" التي كان مناطاً بها إعادة تأهيل سكك حديد الجزيرة. إن الذي ورد في هذا التقرير الذي نحن بصدده الآن يؤكد ما ذهب إليه شيخ عبد الله \"ازرق طيبة\" في حديثه ذاك!!!. ولكن تصل الدهشة مداها حين العلم بأن الحكومة وبموافقتها على، وباشتراكها في السطو على مرفق سكك حديد الجزيرة ، وقد أكد التقرير كذلك، كانت تطأ وبكلتا قدميها على قرارها الرئاسي رقم 308 لسنة 2006م بتاريخ 20/8/ 2006م، والقاضي بان يتم تكوين أو تأسيس شركة مساهمة لسكك حديد الجزيرة أطرافها حكومة الولاية، مشروع الجزيرة والمواطنون. وهنا لابد من الإشارة إلى أن جذر ذلك القرار الرئاسي يرجع في أصله إلى ما قدمته لجنة دكتور تاج السر مصطفى من توصيات، في عام 1998م، تضمنت تحويل كل مشروع الجزيرة، وليس فقط أحد مرافقه، إلى شركة مساهمة!!!. ولقد كانت تلك اللجنة، وبحق، اللجنة الأسوأ في تاريخ مشروع الجزيرة، لأنها هي وليست سواها، التي فتحت الباب على مصراعية للمؤسسات التي كانت تتربص بمشروع الجزيرة وعلى رأسها البنك الدولي. وقد مهدت فعلاً وليس قولاً الطريق لتلك المؤسسات لتعمل على إصدار قانون سنة 2005م سيئ الذكر. يقول التقرير في صدد ما تمَّ من تعدي على سكك حديد الجزيرة ، \"فرأينا كيف بيعت قاطرات عاملة(بنظام طن الحديد خردة؟)، فتم تدمير مرفق حيوي هام يصعب إعادته ثانية، فأعقب هذا سرقة منظمة ونهب لكل مقتنيات سكك حديد الجزيرة والآن البلاغات بالمئات. إنها النهاية المؤلمة والمأساوية\" التقرير ص 18 . إن الإحصائيات التي قدمها التقرير حول ما حدث من نهب خاص بهذا المرفق في مشروع الجزيرة، أي ما جملته 225 مليون دولار، يبين أن الذي جرى لا يتفق حتى وما جاء في قانون سنة 2005م نفسه بخصوص موضوع أصول المشروع. وهو موضوعٌ قد شاب معالجة القانون له الكثير من الحيف والظلم ، حيث آلت ، ودونما سند، أصول المشروع للدولة ممثلة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وذلك وفقاً لمنطوق البند (2)، المادة (4) من الفصل الثاني من القانون المذكور. إن إشارة تقرير اللجنة إلى حقيقة التناقض الفاجع بين ما ورد في القانون، برغم سوءه، وبين ما تمّ في واقع مرفق السكك الحديدية للمشروع، هي إشارة تفضح، وفي أدنى مستوياتها، الكيفية التي تدير بها الرأسمالية الطفيلية الإسلامية أمر الدولة في السودان، إذ أن أوامرها الرئاسية التي تصدرها وقوانينها التي تجيزيها هي غير معنية بها، وإنما تصدرها فقط لإضفاء هيبة كاذبة على وجودٍ كاذب للدولة نفسها!!!. إنه من أميز مما ورد في التقرير هو الإضاءة لبعدٍ غاية في الأهمية وهو إمكانيات التشغيل والتوظيف التي كان يوفرها المشروع منذ تأسيسه. قدم التقرير تقديراتٍ رصينة لمجمل القوى العاملة التي كان يستوعبها المشروع من مزارعين، وعمال زراعيين دائمين وموسميين وموظفين، والتي تصل جملتها إلى 300 ألف عامل. وهذه التقديرات، بالقطع، لا تشمل القوى العاملة في المرافق الخدمية الأخرى التابعة للدولة ومنهم العاملين في مرافق التعليم، الصحة، الشرطة والجيش وفي السلك الإداري في كامل الولاية، وكذلك لا تشمل أفراد اسر المزارعين الملتحقين بالعملية الزراعية في حقولهم. فإذا ما تمت مقارنة إحصائيات التخديم هذه بعدد سكان المنطقة والبالغ عددهم حوالي 6 مليون نسمة فإننا سنجد أن نسبة العمالة المنتجة في الجزيرة من أعلى النسب على مستوى البلاد. هذا الجانب ذو الانعكاسات الاجتماعية المهمة الذي أبانته الإحصائيات الواردة في التقرير، غاب أو بالأحرى تمّ تغييبه عمداً بواسطة الآخرين، والدليل الفاقع على ذلك التغييب هو ما اقترحه الأتراك في دراستهم التي اعتمدتها سلطة الإنقاذ، والتي توصلت وبقدرة قادر إلى أن العمالة التي يتطلبها المشروع هي 328 عاملاً فقط!!!. (راجع النص الكامل لتلك الدراسة في كتابنا \"مشروع الجزيرة وجريمة قانون 2005م\"، الطبعة الأولى ابريل 2010م، الخرطوم). إنه، وبإضاءتها لذلك البعد الاجتماعي فقد أكدت لجنة \"بروفيسور عبد الله عبد السلام\" حقيقة مهمة، وهي أن مشروع الجزيرة في صميميته هو مشروع تنموي في الأساس أكثر منه مؤسسة اقتصادية ربحية في مقامها الأول. ومن جانبنا نضيف بأن تلك الحقيقة كانت، دائماً، هي الحد الفاصل بين الأطراف الأصيلة في الصراع التاريخي في مسار وتطور مشروع الجزيرة، حيث كان المزارعون والعاملون وكل أهل الجزيرة يقفون، دائماً وأبداً، على جانب التمسك بأن مشروعهم له علاقة بحياة الناس واستقرارهم وتنميتهم، بينما على الجانب الآخر ظلت تعلو وترفرف راية تحويل المشروع لمؤسسة ربحية ، وهي راية ما برحت تقف تحتها تلك القلة من أرباب المصالح، ومن خلفهم دوائر رأس المال الغربية. وقد لا يفوتنا القول بأنه وبفضل عملية الإحلال والإبدال الاجتماعي القسري التي مارستها سلطة الإنقاذ طيلة العشرين سنة الماضية فقد أصبحت الرأسمالية الطفيلية الإسلامية هي تلك القلة من أرباب المصالح الآن!!!. وليس هناك من خاتمةٍ سديدة لهذه الحلقة أكثر مما جاء في تقرير لجنة \"بروفيسور عبد الله عبد السلام\" حول مهزلة الدراسة التركية التي احتفت بها حكومة الإنقاذ وعلى ضوئها قامت بتصفية القوى العاملة في المشروع، فلقد كان التقرير موفقاً في قوله، \" لا يصدق أحد أن مشروعاً بهذا الاتساع ومتعدد الأغراض يمكن أن يدار بهذا الفهم ضعيف المبنى، ضحل التصور، قاصر عن قراءة المستقبل. فالدراسة التركية التي خلصت إلى ان العمالة المطلوبة للمشروع 328 عاملاً تنمُّ عن سوء الفهم ومجانبة الواقع ومجافاة العلمية\"