حديث المدينة على عينك يا تاجر..!! عثمان ميرغني الخبر الخطير الذي ظهر في العنوان الرئيس لصحيفة \"التيار\" أمس.. يكشف سرّ إنحطاطنا الحضاري عن بقية الأمم.. (على عينك يا تاجر) وبكل سُفور.. يتم رشّ مبيدات فاسدة في المساحات المزروعة بالقطن .. تصوروا حجم هذه الخسارة الضخمة.. فضلاً عن الضرر الكبير على البيئة عندما تُنثَر مثل هذه السموم الخطرة.. أولاً: الخسارة في العملة الأجنبية التي أنفقتها شركة أقطان السودان من حرِّ مال فقر شعبنا (المكتول كمد).. لشراء المبيدات – وهي كميات ضخمة – بالعملة الصعبة التي ترتفع أسعارها كل يوم.. وثانياً.. في الأموال الكبيرة التي تُدفع لشركات الرَّش.. والتي تحمل طائراتها المبيد الفاسد وتطير به في الهواء وتستهلك الوقود وقطع الغيار.. بالعملية الصعبة أيضاً.. لترش (كالونيا) على الدودة الأفريقية بدلاًً من سم هارِ ليقتلها.. وثالثاً، الخسارة الأكبر في محصول القطن نفسه.. الذي ينتظره المزارعون ليقيل عثرة ديونهم فإذا هو في مهب الريح تقتات به الآفات. هذه القصة المؤلمة تكشف، كيف تتسرب أموال الشعب في الهواء الطلق؟.. نحن دولة غنية ولدينا أموال!.. لكن أكبر من أموالنا فمُّ الفساد المريع المفتوح على مصراعيه ليلتقم اللُّقمة من أفواهنا.. كم يا ترى من الأموال الأخرى تبددت في سراديب الفساد دون أن تسمع بها أو تراها عين الصحافة البصيرة؟.. كم من أموال الشعب السودان يطويها ظلام ليل الفساد المرعب؟.. الله أعلم. صدقوني .. تلك هي كلمة السر في مآسينا الطويلة.. منذ أن رحل عنَّا الاستعمار ظلَّت دولتنا السودانية منزوعة من آليات وأنياب مكافحة الفساد.. دائماً هناك غِطاء جاهز يسمح للأهوال أن تعيش بيننا.. التنمية الزراعية في بلادنا لم تعد مجرد خطة حكومية.. بل مصيرنا.. خاصة مع تبدد أحلام البترول بواقعنا السياسي القادم.. والحكومة تبذل في خطة النهضة الزراعية أموالاً ضخمة.. لكن كيف يبلغ النهر مصبه إذا كانت كل هذه السدود .. أمامه.. ليست المبيدات وحدها.. كثير من المآسي المطمورة في ثنايا الزراعة تأكُل – مثل الدودة الأفريقية – كل مواردنا.. قبل سنوات كتبت لكم عن لعبة (المخزون الاستراتيجي).. شرحت لكم كيف أن طوابير المزارعين المقهورين تقف في (سوق الله أكبر) يبيعون محصولهم بثمن بخس لأنَّ الديون وحاجاتهم \"العويصة\" لا تنتظر.. فيشتريها منهم سماسرة.. وينتظرون بها أموال المخزون الاستراتيجي.. و كواليس القصة يعلمها جيداً كل مزارعي السودان.. يعلمون أن البائع والمشترِ والوسيط كلهم ..شيء واحد..!! حسناً.. الحكومة كوّنت لجنة للتحقيق في ما نشرته \"التيار\" أمس.. لننتظر ونرى.. فليس مشكلة أنّ يكون هناك فساد.. فشيمة البشر نفس (أمارة بالسوء).. لكن تبقى المصيبة في (السيستم) إن كان يسمح.. وقالها الرسول صلى الله عليه وسلم بكل حسم .. باليد.. باللسان.. بالقلب .. لابدَّ من آليات المراجعة والمراقبة والمحاسبة.. ال(سيستم) هل يسمح.. هل يغُضَّ الطرف.. ماذا ستفعل الحكومة؟.. سنتابع ..! ونرى.. التيار