[email protected] بشّرت (شذى) زميلتيها في غرفة الداخلية، بخبر قرب وصول خالها لزيارتها بعد حضوره إلى الخرطوم في مأمورية تبع الشغل .. ظلت تتقافز فرحة طوال النهار وتتحضر للقاء (الخال) في المساء بتكملة اللبسة .. شدّة لبلوزة (صفاء) العاجية، وسحبة لجزمة (سوسن) البيجية، وبخة ريحة من عطور (رماز) الباريسية .. كل تلك الفرحة المصحوبة بالكبكبة ترقبا للقيا، لم تشكّل اي انتباه (إن) لرفيقات (شذى) وصويحباتها، فقد اعتبروها نوعاً من معاناة الحنين للاهل، الذي تقع فيه البرلومات عندما يغادرن ذويهن في البوادي والمدن البعيدة، عندما يشدن الرحال للخرطوم سعيا وراء الشهادة والعمل الصالح .. تكررت زيارات الخال للداخلية مع كل (مأمورية) وتطورت الزيارات إلى فسح وخرجات، ناب رفيقات شذى منها جانب، فكم عادت إليهن محملة بالباسطة وسندوتشات البيرقر والشاورمة، ولكن كانت المفاجأة عندما عادوا من الاجازة السنوية ليجدوا اصبع شذى (البنصر) يزهو بدبلة ذهبية، فقد تمت خطبتها في الاجازة ل ... خالها !! حيث اكتشفت الزميلات ان الرجل كان خالها (ود خالة أمها وعينو عليها من بدري) .. تضاحكت الرفيقات وباركن ل (شذى) وناكفتها احداهن: انحنا نشيل ونقول خال شذى ده احنّ خال في الدنيا .. شي فسح وشي هدايا .. أتاريهو طلع جماعة خالي .. خالي لمن دخل بالي !! من المفترض أن الزواج قسمة ونصيب، ولا أحد يعرف أين نصيبه أو قسمته، لكن بعض الأسر ما زالت تعتمد على الطريقة التقليدية في الزواج، أي زواج الأقارب الذي عادة يكون زواجاً مدبراً والهدف منه إما الحفاظً على اسم العائلة وموروثاتها، أو لاعتقادهم بأن القريب أفضل من الغريب بفهم (الجن التعرفو) . ولكن الكثيرين من المستنيرين يقفون ضد زواج الأقارب ولا يشجعونه، لعدة أسباب أولها وأهمها الأمراض الوراثية التي يعاني منها أطفال أبرياء دفعوا ثمن قرابة آبائهم، ومن ناحية أخرى فإن علاقة القرابة وطبيعة التواصل بين الأقرباء على طريقة (اخوي ود عمي)، فعلاقة (الخوة) السابقة بين الزوجين ترميهم بداء الفتور، وتصيب العلاقة بينهما بالملل وانعدام دهشة الاستكشاف، لمعرفة كل منهما بطبائع الآخر، ولأن الاثنين (حافظين بعض صم)، كذلك الضرورة الحتمية لنجاح زيجات الاقارب، تضع عبئا اضافيا على الزوجين اذا - لا قدر الله - لم يحدث التوافق بينهما، فيجبرا على المواصلة في الزيجة خوفا من أن يؤدي الانفصال الى نشر العداوة والكراهية بين الأهل وتنشق الأسرة وتحدث القطيعة .. من ناحية أخرى فإن زواج الأقارب يمنع اختلاط العائلات ببعضها البعض، ويقلل فرص اندماج عائلتين مختلفتين، وربما قبيلتين مختلفتي الثقافة بما يؤدي إلى التقارب وإثراء العلاقات الاجتماعية بينهما، وبالتالي ينتفي بزواج الاقارب الغرض من الزواج المقصود في قوله تعالى: إنما خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». والزواج هو اقصر طريق شرعي للتعارف والتواصل، كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن زواج الأقارب ولم يأمر به لكنه أمرنا بالتباعد في النكاح . أما من يؤيد زواج الأقارب فيعتمد على ما يراه الرافضون من ضمن السلبيات، ألا وهي التماسك الاسري مما يحكم الزواج بصلة من المودة والحب والتفاهم بين الأهل والزوجين، كما أن أهم مقومات الزواج الناجح هي التقارب الطبقي والاجتماعي والثقافي، أي أن يكون هناك نوع من التجانس والتقارب والتوازن كي ينجح الزواج ويندمج الزوجان معاً، وذلك لا يتحقق بصورة كاملة إلا في زواج الاقارب. وعموما اذا كان زواج الأقارب إجبارياً وبترتيبات مسبقة لا تراعي مشاعر طرفي الزيجة، فغالبا ما يصاب بالفشل لانعدام حرية الاختيار والإحساس بالقهر والغصب من الطرفين ، أما إذا كان بحرية ورغبة مشتركة بينهما كحال (شذى) وخالها ب (اللفة)، فإنه يصبح ناجحاً جداً ، ولا تقابله أي مشاكل كونه مبنياً على التفاهم والراحة النفسية والقبول. ويتحول الغناء (ضد) زواج الاقارب ليكون (مع) كما تغني ال (امها بت عم ابوها): ده ود عمي .. البشيل همي ده ود خالي .. الشغل بالي الرأي العام