ساخر سبيل رفعوا المدام الفاتح يوسف جبرا ان أول ما لفت إنتباهى عندما قدمنا للسكن فى هذا الحى هذا المنزل المهجور الذى تتوسط فناءه شجرتا (دوم) منفرجتان على شكل الرقم (7) لم أشهد لعلوهما مثيلا .. إحساس غريب إنتابنى حينما كنت أسير بالقرب من حيطانه المتآكلة ذات منتصف نهار والصمت يلف جنبات الحى .. كانت المرة الأولى الذى أقترب منه بهذه الصورة .. أحسست برعشة تعترينى هى مزيج من الرهبة والخوف وشئ لا أعرفه .. كان بإستطاعتى أن انظر من خلال شقوق حيطان غرف الجالوص المتراصة الملاصقه (لحيطة الشارع) إلى بعض أعواد الخشب القديمة المتدلية من السقف شأنها شأن أغصان النخل والدوم وبقايا الحصير القديم التى إهترأت من جراء عوامل الطبيعة وتغيرت ألوانها وبدت أقرب إلى السواد الداكن وكأنما قد تعرضت للإحتراق . كانت شبابيك الخشب ذات التصاميم القديمة قد إختفت عنها بعض (الضلف) وكان بإستطاعتى وأنا أسير إلى جنبها فى ظهيرة ذلك اليوم أن أرى ما بداخل تلك الغرف الخالية من (علب لبن) قديمة وكراتين مهترئة وأوراق صحف إختفت عن صفحاتها (الكتابة) وغيرت لونها مياة الأمطار واشعة الشمس إلى اللون البنى الغامق . فى مناسبات كثيرة حدثنى سكان الحى عن هذا المنزل وكيف أن كل من سكن فيه قد أصابته لعنة سكانه من الجن فتعرض إلى حادث راح ضحية له وفى أحسن الأحوال (فقد عقله) وأصبح هائماً فى الطرقات .. وآخرهم (جون) سائق الركشة والذى إتخذ من المنزل (ملاذا) له ينام فيه ليلاً فلم تمض بضعة أيام على سكنه حتى دهسه (دفار) بشارع (الوادى) فأودى بحياته ! الكوشة : لما كانت الشركة المسئولة عن نظافة الحى وأخذ النفايات كثيراً ما تتأخر فى حملها متخذه فى ذلك مختلف الحجج فقد وجدها سكان الحى فرصة لرمى نفاياتهم أمام ذلك المنزل المهجور وإتخاذه (كوشة) إذ لا أحد يمكن أن يتضرر من ذلك الفعل بحكم أن المنزل يبعد قليلا عن مساكن المواطنين ! - عليك الله ناس النفايات ديل ما بالغو؟ العيد الفات ده كووولو مأجزين وعربيتهم ما جات ! - النفايات دى هينه المشكلة فى الموية القاطعه دى ! والضبان الحايم ده - الضبان الحايم ده ما سببو المويه البتقطع وتجى دى الناس تنضف بى شنو؟ - وهى تشير إلى عدد من أكياس النفايات البلاستيكية – كدى شيل الأكياس دى وديهم ليا (الكوشة) قمت بحمل تلك الأكياس الممتلئة ببقايا الطعام والنفايات التى تراكتمت خلال عطلة العيد ووضعهم أمام باب المنزل ثم إرتديت (جلابيتى) وفتحت الباب متجها نحو ذلك التل من النفايات القابع أمام ذلك المنزل المهجور . ما أن قمت بقذف الكيس الأول إلى أعلى التل حتى احسست بأن راسى (يدور) وأن هنالك من يمسك بطرف (الجلابية) ويشدها بقوة على الرغم من أن الشارع كان خاليا من المارة ، تلك اللحظة أصابتنى لوهلة رعشة خوف ما لبث أن تجمد بعدها الدم فى عروقى بعد أن أحسست بيد تمسك برقبتى وتهزنى بعنف وصوت غريب ينبعث من خلفى ، وسط تلك (الخوفه) كان عليا أن أتخذ واحدا من قرارين إما إن ألتفت لمعرفه مصدر ذلك الفعل أو أن أعمل (نائم) غير أنى قررت بسرعه الإلتفات لأجد منظراً أقشعرت له كل مسام جسدى فقد وجدت (مخلوقاً) ذو شكل غريب له وجه قمئ ومرعب يحتل نصف جسده كما تلك المخلوقات الغريبة التى نشاهدها فى مسلسلات الأطفال ، طفقت أبحث فى ذاكرتى عن (آية الكرسى) لأقرأها فلم أجد الذاكرة نفسها : - إنتا منو؟ إنس وإلا جن ؟ - (وهو يبتسم إبتسامه مقرفه) : هسه عليك الله دى خلقت إنس ! - (فى خوف) : يعنى جن؟ - ولا جن ... أها أيه رأئك ؟ - (وأنا عامل ما خايف) : ياخى بطل الهظار ورينى إنتا منو؟ - (وهو يقوم بلعق بعض السوائل التى خرجت من فمه) : أنا صرصار - (فى دهشة ورعب) : صار ياه؟ صرصااار الواحد ده ! ومالك كبير كده وضخم ! - أنا ما كبير ولا ضخم لكن إنتا البقيت صغير وقدرنا !! لم أكد أستمع إلى ذلك حتى التفت حولي لالمس صدق ما قاله ذلك المخلوق .. نظرت حولى فلم أجد لمنازل الحى أثراً إذ كانت أمامى مجموعه من البنايات المستديرة المرتفعة (علب مرطبات فارغة) وبعض البنايات المربعة (كراتين) والجبال ذات الألوان المختلفة (أكياس بلاستيك) ! نظرت إلى نفسى فوجدت أننى أعتلى (كوبرى) ذو أرضية بيضاء تعلوه (سيور) خضراء لم تكن إلا سيور (السفنجة) التى كنت أنتعلها ، إقتربت من (الصرصار) قليلا وعندما أحسست بالخوف من منظره القمئ رجعت خطوة إلى الوراء ثم إستجمعت قواى وخاطبته قائلاً : - أنا وين؟ - يعنى ح تكون وين؟ فى (برج الفاتح) ؟ ما معانا فى الكوشة دى ! - لكن الخلانى قدركم وذيكم كده شنو؟ - والله شوف أنا مسئول من أمن المنطقه دى وكل يومين تلاته بلاقى ليا (حيوان) فى الحته دى بيقول ليا نفس الكلام بتاعك ده .. أنا الجابنى هنا شنو؟ وأنا الخلانى كده شنو؟ مرات (كدايس) ومرات (حمير) ومرات (فيران) ومرات (صراصير) !! - والناس دى صحى البجيبا هنا شنو؟ - العاوز يدفق ليهو (وسخ) والعاوز (يتبول) وحاجات ذى دى !! – مواصلا- وهو يشير إلى (كرتونة وسخانه) : - تعال معاى البيت نكرمك شوية ! - (فى نفسى ) : تكرمنى دى شنو؟ هو أنا قادر أعاين ليكا لمن كمان آكل معاك؟ - مالك بتتكلم براك ! ما قادر تطلع من الصدمة وإلا شنو؟ - لا لا قلتا ليكا شكراً شكراً أنا شبعان وما عاوز حاجه بعدين أنا ذااتو (حبوب السكرى) بتاعتى ما شايلهم معاى ! - (فى إبتسامة شنيعه) : سكرى؟ إنتا بتهظر؟ شفتا ليكا صرصار عندو (سكرى) ! ياخ تعال أكل ليك حاجه الدنيا عيد والخير ذى ما شايف (مكوم) وكتير !! لم أكد إستمع إلى قولة (شفتا ليكا صرصار عندو سكرى) حتى عدت إلى صوابى (لو فضل فيها صواب) وما أنا فيه من حال فقلت لنفسى : - دى مصيبة شنو الوقعنا فيها دى ! فى منزله : كان باب (الكرتونة) مفتوحا على آخرة ، دخل هو أولاً ثم صاح بى أن أتفضل .. بعد تردد قصير دلفت إلى داخل المنزل والذى كان عبارة عن (هول) واحد كبير (ما كرتونة وكده) تناثرت فيه عدداً من (السراير) مختلفة الأشكال والألوان والأحجام علب صلصة) ، (علب ساردين) صناديق كبريت ينام عليها عدد من الصراصير (النائمين ديل كووولهم أولادى ! والسمينة الفى النص ديك أمهم ! - وإنتو هنا بتعرسو مرا واااحده بس وإلا عندكم مثنى وثلاث ورباع ؟ - زمانك كنا بنعرس كتير لكن هسه مع الحالة الأنحنا فيها دى واحده ذاااتا كتيره ! - والأولاد ديل نائمين لى هسه مالهم؟ ما عندهم مدارس وإلا جامعات! - (بعد أن أطلق ضحكة مجلجلة) : مدارس؟ هو (القرو) عملو شنو؟ الأولاد ديل بس بالنهار ينومو وبالليل يطلعو عاملين ذى (الفنانين) ! وطبعن هنا مافى زول بيموت من (الجوع) !! - يعنى أفهم من كلامك ده إنكم عندكم أزمة عنوسة وأزمة عطالة لكن الأكل ما مشكلة !! - القال ليك منو الأكل ما مشكلة ؟ لو ما النفايات (البتجى من بره) وبيدونا ليها الناس وبكبوها لينا هنا دى كان إنقرضنا .. - يعنى ما قاعدين تزرعو؟ - نزرع شنو؟ هو حكومتنا دى فاضيه للزراعة ؟ عليك أمان الله (سنكل) الليمون بقى بى خمسميت شرتح (عرفت فيما بعد أن الشرتح هو عملتهم الرسمية) و(شنص) الطماطم بقى بى عشرين !! (الشنص هو وحده وزنيه =1000 سنكل) ! كشة : ما أن تفوه مضيفى بتلك الكلمات حتى إقتحم الكرتونة عدد من الصراصير المسلحة بالدبابيس ,والهراوات (أعواد ثقاب) عرفت فيما بعد انها (الاستخبارات الملكية) ، إنتشرت القوة داخل الكرتونة وأتخذت أماكنها ثم توجه قأئدها نحو مضيفى وما أن أقترب منه حتى صفعه بإحدى مجساته التى تشبه (هوائى العربة) صفعة واحده أطاحت به بعيداً وهو يخاطبه فى غضب : - لو ما كنت مسئول من أمن المنطقه دى ؟ كمان جايب ليكا جاسوس (اللى هو أنا ) وبتتكلم ليهو عن الحكومة وبتشتكى ليهو الغلاء !! أخذ مضيفى يرتجف فى خوف أمام قائد القوة بينما كانت بقية الجنود يقومون ببعثرة محتويات (علب الصلصة) وصناديق (الكبريت) الفارغة بحثاً عن أى (ممنوعات) أو (منشورات) كما عرفت لاحقاً . إقترب منى قائد القوة ، وقف فى مواجهتى حاول أن يرفع (الهوائى) ليصفعنى لكنه (غير رايو) فى اللحظات الأخيرة قلت فى نفسى ( والله قصه حليل أيام الواحد كان بنى آدم كان الذيك كده الواحد يعفصو وهو ماشى) !! - (وهو يخاطبنى) : إنتا جاى تتجسس علينا .. وقعت وما سميت (يلتفت إلى مضيفى) : والخائن ده مصيرو الإعدام – ثم فى حزم- : أى صرصار بيخون الملك مصيرو الإعدام !! عشان يكون عبرة لبقية الصراصير !! (ثم مخاطباً القوة فى أمر ) : على القصر !! فى القصر : كان القصر أحسن حالا قليلا من منزل (صديقى الصرصار) فهو مشيد من بعض علب اللبن والمعلبات (منتهية الصلاحية) تغطى جنباته ستائر شفافة من (مناديل الورق) المتسخة ، ادخلنى الجنود وصديقي الصرصار ونحن مقيدان الى قاعة العرش المزدانة بالنفايات في اطرافها وعلى كرسى مصنوع من أعواد الثقاب ومبطن بقطعة من القطن الطبى ردئ الصنع الذى يستخدم فى المستوصفات الخاصة ، جلس الملك وخلفه صف من الحرس بينما وقف أمامه صف من المتملقين ينتظرون دورهم لتقبيل يده . ما أن نظر الملك إلى رتبة قائد مجموعة الإستخبارات التى ألقت علينا القبض وهو يدخل إلى القاعة ومعه جنوده أنا وصديقى الصرصار وقد وضعت الكلبشات فى أيدينا حتى صرف (المتملقين) ثم خاطب قائد المجموعة قائلاً : - ماذا فعل هذان المواطنان ! - جلالة الملك المفدى .. هذا صرصور مواطن .. أما هذا (يشير إليا) فهو صرصور غير مواطن ! - (فى إستغراب) : شنو يعنى الإتنين ما صراصير ؟ كدى أشرح ليا المسألة در بررراحة برررراحة أيها القائد ! بدأ القائد يشرح للملك القصة ولقد كانت دهشتى كبيره عندما علمت أن أجهزته كانت تتابع عملية تحولى المفاجئ من إنسان إلى صرصار ورصدها منذ بدايتها حتى لحظة دخولى منزل صديقى الصرصار وتسجيل حديثه معى عن غلاء المواد الغذائية وأزمة البطالة والعنوسة التى تمر بها المملكة ! - (الملك موجهاً حديثه نحوى) : كمان جابت ليها تجسس ! - والله جلالتك أصلو فى الحقيقة يعنى لا أصلو ولا فصلو الكلام ده أنحنا مكتوب عندنا فى كتبنا القديمة الختوها لينا أجدادنا قالو لينا فيها إنو ح يجى يوم (البشر) ديل القاعدين يعفصو فيكم (التاريخ) كلو ويستعملو ضدكم كافة الأسلحة حتى الأسلحة الكيماوية ويهزموا فيكم ح يجى يوم يجوكم فى حتتكم ويقعدوا ليكم تحت كرعيكم بعد ما تتوحدوا وتظبطو روحكم وتعدو ترسانات أسلحتكم القوية ومفاعلاتكم النووية !! - (وهو يحدجنى بنظرة تحقير) : أها إنتا مرسلنك عشان تتجسس وإلا عشان تطلبوا الإستسلام !؟ لوهلة قلت فى نفسى (الصرصار ده جنا وإلا شنو؟) إلا أن (الملك) تابع حديثه وهو يلعق سائلاً قد تدفق من فمه من أثر الإنفعال : - ساكت ليه ما تتكلم هل أرسلوك لتطلب السلم !! هنا إنطلقت من أرجاء القاعة هتافات : - لن نسالم ولن نهان ولن نهادن (بنى الإنسان) !! هنا وقف الملك عن كرسيه وبدأ يجيل بنظره فى الموجودين كمن يتفحصهم ثم مسح شاربيه الطويلين وتنحنح ثم قال فى حزم : - عشان تعرفوا نحنا ما ح نهادن الجماعة ديل (يقصد البشر) فإنى أأمر بقطع راس هذا الجاسوس !! هنا ضجت القاعة بالتصفيق وعلت الهتافات بينما إرتفعت دقات قلبى وبدأ العرق يتصبب من كل مسام جسدى (الصرصورى) ففكرت سريعاً فى طريقة للخروج من هذه (الزنقة) طالباً من الله (حسن الخاتمة) وانا اتخيل هذه النهاية المفجعة لي فتقدمت قليلا نحو الملك مصطنعا التهذيب الشديد والإحترام : - يا جلالة الملك الموقر .. لقد وضعتم خلف كرسيكم هذه اللوحة التى كتب عليها (العدل أساس الملك) فهل من العدل إن تستمعوا إلى طرف دون آخر وتصدرو حكمكم ؟ إنكم قد إستمعتم إلى قائد إستخباراتكم ولم تستمعوا إليا فهل هذا عدل !! كان حديثى مفحماً جعل القاعة يلفها الصمت تماما بينما عاد الملك إلى الجلوس على الكرسى واضعاً (الهوائى بتاعو) على خده وهو ساهم فى حاله تفكير: - طيب بإختصار عاوز تقول شنو ! - جلالة الملك أنا عاوز أقول إنى ما جيت ليكم هنا جاسوس ولا فى زول مرسلنى ليكم ولا حاجه ! - (فى حزم) : طيب جايينا ومتنكر فى (خلقت صرصار) عاوز مننا شنو؟ - أصلو فى الحقيقه يعنى أنا زهجت من البشر ديل وقلتا أجى مملكتكم دى أقل حاجه المويه ما بتقطع عندكم والكهرباء شغاله !! - أيوااا طيب ما تقول كده من زمااان ...يعنى عاوز لجوء!! - يعنى ! - والأخ شغال شنو؟ - كاتب صحفى ومرات مرات بدرس فى الجامعة !! )وهو يفتل شاربيه الطويلين) : نحنا ما عندنا مشكلة فى الجامعات وأهو كل سنه بنخرج آلاف (الصراصير) لكن ح نستفيد منك فى قصت الصحافه دى عشان تكتب للبشر ديل وتوريهم كيف مملكة (صرصاريا العظمى) ماشه فى تقدم مضطرد وإزدهار بفضل الديمقراطية والحرية والشورى وإنها بتكفل حقوق (الصرصار) وبتضمن ليهو كافة الحريات والمعتقدات ما لم تمس بأمن الدولة. - (ثم ملتفتاً إلى حاشيته) : اليس كذلك يا قوم؟؟؟ هنا إرتجت القاعة بالتصفيق والهتافات حتى احسست ان سقف (علبة اللبن) سوف ينهار : - يعيش الملك ... يعيش يعيش الملك يعيش يعيش الملك - تعيش الحرية .. تعيش الديمقراطية .. تعيش (حقوق الصرصار) إستمر التصفيق والهتاف حوالي ربع ساعة كنت فيها أتصبب عرقاً من الخوف واخيرا اومأ لهم الملك بالتوقف فتوقفوا في الحال إلا من بعض الأصوات هنا وهناك التى تود أن تلفت نظر الملك إليها كما يبدو والتى لم يأبه بها الملك كثيراُ حيث واصل حديثه الموجه لى : - اذهب وقم بجولة حول المملكة وصور وأكتب العاوزو عشان تعكس (للبشر) الأعداء بتاعنكم ديل الحضارة والتطور والحرية والديمقراطية البتعيشا المملكة وعشان العالم الخارجى كلو يشوف الكلام ده !! ما أن إنتهى حديث الملك الموجه لى حتى قام أحد مستشارى الملك من مقعده وإتجه نحو كرسى الملك وهمس له فى إذنه شيئاً وعاد إلى مقعده فتنحنح الملك وواصل حديثه لى قائلا : - وإلا أقول ليك حاجه .. خليك مرتاح نحنا بنكتب ليك .. إنتا زول ضيف مافى داعى نتعبك .. أحسن تقضى وكتك فى السياحه والمناظر الخلابه دى )واشار بيده الى اكوام القمامة والنفايات وبقايا الأكل المتعفنة).... - شكراً مولاى الملك على حسن ضيافتكم وسوف أعكس ما أراه لبنى الإنسان فى صحيفتى بإذن الله - أيها الوزير (صارصار) رافق الضيف فى جولاته ووفر له كل ما يطلبه من معلومات ! مع صارصار: أخيراً تم إطلاق سراحى وخرجت من القصر برفقة الوزير (صارصار) وقد طلبت منه أن يكون برفقتنا (صديقى الصرصار) بعد أن تم إطلاق سراحه وشطبت النهمة الموجهه إليه فإستجاب الوزير لطلبى وبالفعل إنطلقنا فى جولة حول المملكة على ظهر عربة مكشوفة من عيدان الكبريت إكتشفت بعد برهه وجيزة أنها تسير بواسطه أعداد من (النمل) تجرها فإلتفت إلى الوزير صارصار متسائلاً : - هل لديكم وسائل مواصلات أخرى؟ - نعم هنالك وسائل مواصلات عديده ولكن عربات (النمل) هذه هى وسيلة المواصلات (الملكية) - وكيف إستطعتم ترويض هذا النمل لجر هذه العربات ! - هذا نمل مخصوص إستوردته شركتى من الخارج ! - وهل لديك شركة سعاده الوزير صارصار؟ - نعم لدى عده شركات للتصدير والإستيراد والخدمات – مواصلاً- إن واحده من إنجازات هذه المملكة هى أن حرية التجارة فيها متوفرة فيمكنك أن تكون (وزير) وعندك شركات أو (والى) ولديك مصانع !! - لابد أن أكتب عند عودتى عن هذا الأمر مولاى الوزير إذ أنه ممنوع لدينا تماما الجمع بين العمل العام والعمل الخاص ! - (وهو يبتسم) : هل تعلم أن إسمى ليس (صارصار) بل أن هذا الإسم قد أطلقه على الشعب؟ - بالطبع لا أعلم إذن لماذا أطلقه عليك؟ - عندما دخلت إلى الوزارة كنت كموظف لا أملك من حطام الدنيا شيئاً ولكن (شغلتا مخى) وعملتا ليا كم شركه كده والمسألة (ورت) معاى والصراصير بقت كلما تشوفنى تأشر عليا وتقول (صار .. صار) !! أثناء تجوالنا في المدينة وجدنا عددا من الصراصير تقف امام محل بيع مواد غذائية يشترون طعامهم اليومي ترجلت من العربه لأجرى معهم حواراً فالتقيت بأحدهم وقد كان صرصارا عجوزا بدت على وجهه علامات الضيق.. وتعرفت عليه فاذا هو موظف بالمعاش عمل فى الخدمة المدنية لمدة ستة أ شهر كاملة )هي مدة طويلة بالنسبة للصراصير).. : - مالك يا حاج زهجان كده ! - الما بزهج شنو يا إبنى .. أنا إشتغلتا نص عمرى موظف والمعاش بتاعى كلو كم (شرتح) ما يجيبو ليهم كم (سنكل) جبنه !! - وعايشين كيف يا حاج ! - أهو بندبر فيها يابنى من هنا ومن هنا لحدت ما ربنا يفتكرنا وتجى القيامة ونرتاح من القصة دى أصلو فاضل ليها كم سنة كده (السنة الصرصورية = 18 ساعة) ! - وإنتو يا حاج بتعرفو القيامة بتقوم متين !! - كيف يا إبنى ؟ كل خمسة سته سنين !! بس مرات بتطول شويه !! البلد دى كووولها تلاقى عاليها بقى سافلا والصراصير دى كووولها تلاقيها جاريه تفتش ليها فى ملاذ وما لاقيه !! لم يكن صعباً على فهمى أن (القيامة) التى يقصدها الحاج هى موعد حضور (عربة النفايات) وهنا فقط تذكرت الخطر المحدق بى لو أن (ناس النفايات) قرروا أن يشتغلو (بعد إجازة العيد) وأرسلوا لهذه (الكوشة) واحده من عرباتهم - لو كلمتو جلالة الملك ما بعمل ليكم حاجه ويزيد ليكم معاشاتكم دى شوية؟؟ - هو كان جلالة الملك عمل لينا حاجه المعاهو ديل بينفذوها لينا ؟ عليك أمان الله يا ولدى فى تعليمات منو ليها كم وكمين سنة (صرصار) نفذا مافى !! - خلاس يا حاج أنا ح أكلمو ليكم - (فى دهشة) : وإنتا مسئول معاهم؟ طيب مالك ما سمين وبتلمع وعندك (جضيمات) وبتشبه المسئولين !! مررنا بالأسواق التى كانت تمتلئ بالبرك والمياه الراكده والمستنقعات فوجدتها فرصة لأقوم بسؤال مرافقى الوزير صارصار : - هل يؤثر هطول الأمطار وفصل الخريف عليكم ؟ - فصل الخريف نحن ننتظره بفارق الصبر نسبه لما يخلفه من أوساخ وقاذورات نعيش عليها ولقد تمت إقالة (وزير البنى التحتيه) لدينا فى العام الماضى إذ لم يقم بواجبه بقفل المجارى وسد المصارف مما جعل المياه تنساب وتضيع علينا كميات من المياه الآسنة والقاذورات والنفايات ونضطر لقفل المدارس والجامعات لعدم وجود (بيئة صحية) للطلاب ! ونحن نقوم بتلك الجولة فى الأسواق أحسست بشئ من الغثيان من هول ما رأيته من القاذورات والروائح الكريهه فرجوت من مرافقى الوزير صارصار أن ينهى الجولة على أمل مواصلتها فى اليوم التالى وطلبت منه أن أذهب مع (صديقى صرصار) للمبيت معه فى منزله (الذى قبض علينا فيه) !! فوافق مشكورا القيامة : عندما دلفنا إلى منزل صديقى صرصار وجدنا زوجته وأطفاله فى غاية الإنزعاج لغيابنا بعد أن تم أخذنا عنوة من أمامهم بواسطة (الإستخبارات الملكية) إلا أن صديقى صرصار سرعان ما طمأنهم وقص عليهم ما حدث ففرحوا كثيرا لذلك وقاموا بتحضير وليمة (كااااربه) من بقايا (الطعام) المتعفن وقد إعتذرت عن تناولها بحجة أننى مرهق من عناء الجولة تلك وأود أن أخلد إلى النوم ! إستلقيت على أحدى (علب الكبريت) ورحت فى نومة عميقه أيقظنى منها زلزال إرتجت له أرجاء (الكرتونة) التى كنا بداخلها .. ساد الهرج والمرج.. خرج (صرصار) وافراد عائلته يهرولون كل فى إتجاه وخرجت أتبعهم ... كانت الصراصير تخرج من مخابئها تجرى فى الطرقات على غير هدى ... .. كانت المبانى تتأرجح والجبال تهتز ثم ترتفع نحو السماء بينما ذلك الصوت الضخم لا يزال يصم الآذان وأجزاء كبيرة من المدينه قد بدأت تختفى من الأرض .. - إنها القيامة !! إنها القيامة رددها ذلك الصرصار العجوز (بتاع المعاشات) وهو يهرول فى بطء من أمامى ً بينما إختفت المدينة تماما وصارت أرضاً جرداء .. وبدأ ذلك الصوت فى الخفوت تدريجيا ًً .. كانت عربة النفايات حينها تتحرك حينما لمحت (صرصار) يحاول اللحاق بها جاهداً : - مالك يا صرصار جارى وراء العربية ! - تتصور العواليق ديل رفعو المدام !! ضحكت لمنظر صرصار وهو يحاول اللحاق بالعربة .. نظرت إلى نفسي فوجدت أننى قد استرجعت حجمي الطبيعي مسحت العرق عن جبينى وأنا لا أزال مستغرقاً فى الضحك .. إتجهت نحو المنزل ما أن رأتنى زوجتى وأطفالى حتى صاحوا فى قائلين : - بتضحك مالك .. إنتا مشيت وين نحنا بنفتش عليك - (وأنا أضحك) : تتصورو (صرصار) كان جارى ورا عربية النفايات قمت سألتو جارى وراء العربية مالك؟ قال ليا : (العواليق ديل رفعوا المدام) !!