كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيناريوهات
كنت في صرصاريا
نشر في الرأي العام يوم 09 - 10 - 2009

كان أول ما لفت إنتباهى عندما قدمنا للسكن فى هذا الحى هذا المنزل المهجور الذى تتوسط فناءه شجرتا (دوم) منفرجتان على شكل الرقم (7) لم أشهد لعلوهما مثيلا .. إحساس غريب إنتابنى حينما كنت أسير بالقرب من حيطانه المتآكلة ذات منتصف نهار والصمت يلف جنبات الحى .. كانت المرة الأولى الذى أقترب منه بهذه الصورة .. أحسست برعشة تعترينى هى مزيج من الرهبة والخوف وشئ لا أعرفه .. كان بإستطاعتى أن انظر من خلال شقوق حيطان غرف الجالوص المتراصة الملاصقه (لحيطة الشارع) إلى بعض أعواد الخشب القديمة المتدلية من السقف شأنها شأن أغصان النخل والدوم وبقايا الحصير القديم التى إهترأت من جراء عوامل الطبيعة وتغيرت ألوانها وبدت أقرب إلى السواد الداكن وكأنما قد تعرضت للإحتراق . كانت شبابيك الخشب ذات التصاميم القديمة قد إختفت عنها بعض (الضلف) وكان بإستطاعتى وأنا أسير حذاءها فى ظهيرة ذلك اليوم أن أرى ما بداخل تلك الغرف الخالية من (علب لبن) قديمة وكراتين مهترئة وأوراق صحف إختفت عن صفحاتها (الكتابة) وغيرت لونها مياة الأمطار واشعة الشمس إلى اللون البنى الغامق . ---------------------------------------------------------------------------------------------------- فى مناسبات كثيرة حدثنى سكان الحى عن هذا المنزل وكيف أن كل من سكن فيه قد أصابته لعنة سكانه من الجن فتعرض إلى حادث راح ضحية له وفى أحسن الأحوال (فقد عقله) وأصبح هائماً فى الطرقات .. وآخرهم (جون) سائق الركشة والذى إتخذ من المنزل (ملاذا) له ينام فيه ليلاً فلم تمض بضعة أيام على سكنه حتى دهسه (دفار) بشارع (الوادى) فأودى بحياته ! الكوشة : لما كانت الشركة المسئولة عن نظافة الحى وأخذ النفايات كثيراً ما تتأخر فى عملها متخذة فى ذلك مختلف الحجج فقد وجدها سكان الحى فرصة لرمى نفاياتهم أمام ذلك المنزل المهجور وإتخاذه (كوشة) إذ لا أحد يمكن أن يتضرر من ذلك الفعل بحكم أن المنزل يبعد قليلا عن مساكن المواطنين ! - عليك الله ناس النفايات ديل ما بالغوا؟ العيد ده كووولو مأجزين وعربيتهم ما جات ! - النفايات دى هينة المشكلة فى الموية القاطعة دى ! والضبان الحايم ده - الضبان الحايم ده ما سببو الموية القاطعة الناس تنضف بى شنو؟ - وهى تشير إلى عدد من أكياس النفايات البلاستيكية - كدى شيل الأكياس دى وديهم ليا (الكوشة) قمت بحمل تلك الأكياس الممتلئة ببقايا الطعام والنفايات التى تراكمت خلال عطلة العيد ووضعتها أمام باب المنزل ثم إرتديت (جلابيتى) وفتحت الباب متجها نحو ذلك التل من النفايات القابع أمام ذلك المنزل المهجور . ما أن قمت بقذف الكيس الأول إلى أعلى التل حتى احسست بأن رأسى (يدور) وأن هنالك من يمسك بطرف (الجلابية) ويشدها بقوة على الرغم من أن الشارع كان خاليا من المارة ، تلك اللحظة أصابتنى لوهلة رعشة خوف ما لبث أن تجمد بعدها الدم فى عروقى بعد أن أحسست بيد تمسك برقبتى وتهزنى بعنف وصوت غريب ينبعث من خلفى ، وسط تلك (الخوفة) كان عليا أن أقرر إن ألتفت لمعرفة مصدر ذلك الفعل أو أن أعمل (نايم) غير أنى قررت بسرعة الإلتفات لأجد منظراً أقشعرت له كل مسام جسدى فقد وجدت (مخلوقاً) ذا شكل غريب له وجه قمئ ومرعب يحتل نصف جسده كما تلك المخلوقات الغريبة التى نشاهدها فى مسلسلات الأطفال ، طفقت أبحث فى ذاكرتى عن (آية الكرسى) لأقرأها فلم أجد الذاكرة نفسها : - إنتا منو؟ إنس وإللا جن ؟ - (وهو يبتسم إبتسامه مقرفة) : هسه عليك الله دى خلقت إنس ! - (فى خوف) : يعنى جن؟ - ولا جن أيه رأيك ؟ - (وأنا عامل ما خايف) : ياخى بطل الهظار ورينى إنتا منو - (وهو يقوم بلعق بعض السوائل التى خرجت من فمه) : أنا صرصار - (فى دهشة ورعب) : صار أية؟ صرصااار الواحد ده ! ومالك كبير كده وضخم ! - أنا ما كبير ولا ضخم لكن إنتا البقيت صغير وقدرنا !! لم أكد أستمع إلى ذلك حتى التفت حولي لالمس صدق ما قاله ذلك المخلوق .. نظرت حولى فلم أجد لمنازل الحى أثراً إذ كانت أمامى مجموعة من البنايات المستديرة المرتفعة (علب مرطبات فارغة) وبعض البنايات المربعة (كراتين) والجبال ذات الألوان المختلفة (أكياس بلاستيك) ! نظرت إلى نفسى فوجدت أننى أعتلى (كوبرى) ذا أرضية بيضاء تعلوه (سيور) خضراء لم تكن إلا سيور (السفنجة) التى كنت أنتعلها ، إقتربت من (الصرصار) قليلا وعندما أحسست بالخوف من منظره القمئ رجعت خطوة إلى الوراء ثم إستجمعت قواى وخاطبته قائلاً : - أنا وين؟ - يعنى ح تكون وين؟ فى (برج الفاتح) ؟ ما معانا فى الكوشة دى ! - لكن الخلانى قدركم وذيكم كده شنو؟ - والله شوف أنا مسئول من أمن المنطقة دى وكل يومين تلاتة بلاقى ليا (حيوان) فى الحتة دى بيقول ليا نفس الكلام بتاعك ده .. أنا الجابنى هنا شنو؟ وأنا الخلانى كده شنو؟ مرات (كدايس) ومرات (حمير) ومرات (فيران) ومرات (صراصير) !! - والناس دى صحى البجيبا هنا شنو؟ - العاوز يدفق ليهو (وسخ) والعاوز (يتبول) وحاجات زى دى !! ? مواصلا- وهو يشير إلى (كرتونة وسخانة) : - تعال معاى البيت نكرمك شوية ! - (فى نفسى ) : تكرمنى دى شنو؟ هو أنا قادر أعاين ليكا لمن كمان آكل معاك؟ - مالك بتتكلم براك ! ما قادر تطلع من الصدمة واللا شنو؟ - لا لا قلتا ليكا شكراً شكراً أنا شبعان وما عاوز حاجة بعدين أنا ذااتو (حبوب السكرى) بتاعتى ما شايلهم معاى ! - (فى إبتسامة شنيعة) : سكرى؟ إنتا بتهظر؟ شفتا ليكا صرصار عندو (سكرى) ! ياخ تعال أكل ليك حاجة الدنيا عيد والخير زى ما شايف (مكوم) وكتير !! لم أكد إستمع إلى قولة (شفتا ليكا صرصار عندو سكرى) حتى عدت إلى صوابى (لو فضل فيها صواب) وما أنا فيه من حال فقلت لنفسى : - دى مصيبة شنو الوقعنا فيها دى ! فى منزله : كان باب (الكرتونة) مفتوحا على آخره، دخل هو أولاً ثم صاح بى أن أتفضل .. بعد تردد قصير دلفت إلى داخل المنزل والذى كان عبارة عن (هول) واحد كبير (ما كرتونة وكده) تناثرت فيه عدد من (السراير) مختلفة الأشكال والألوان والأحجام علب صلصة) ، (علب ساردين) صناديق كبريت ينام عليها عدد من الصراصير (النايمين ديل كووولهم أولادى ! والسمينة الفى النص ديك أمهم ! - وإنتو هنا بتعرسو مرا واااحدة بس واللا عندكم مثنى وثلاث ورباع ؟ - زمانك كنا بنعرس كتير لكن هسه مع الحالة الأنحنا فيها دى واحدة ذاااتا كتيرة ! - والأولاد ديل نايمين لى هسه مالهم؟ ما عندهم مدارس ولا جامعات؟! - (بعد أن أطلق ضحكة مجلجلة) : مدارس؟ هو (القرو) عملو شنو؟ الأولاد ديل بس بالنهار ينومو وبالليل يطلعو عاملين ذى (الفنانين) ! وطبعن هنا مافى زول بيموت من (الجوع) !! - يعنى أفهم من كلامك ده إنكم عندكم أزمة عنوسة وأزمة عطالة لكن الأكل ما مشكلة !! - القال ليك منو الأكل ما مشكلة ؟ لو ما النفايات البتجى من برة وبيدونا ليها الناس وبكبوها لينا هنا دى كان إنقرضنا .. - يعنى ما قاعدين تزرعو؟ - نزرع شنو؟ هو حكومتنا دى فاضية للزراعة ؟ عليك أمان الله (سنكل) الليمون بقى بى خمسميت شرتح (عرفت فيما بعد أن الشرتح هو عملتهم الرسمية) و(شنص) الطماطم بقى بى عشرين !! (الشنص هو وحدة وزنية =1000 سنكل) ! كشة : ما أن تفوه مضيفى بتلك الكلمات حتى إقتحم الكرتونة عدد من الصراصير المسلحة بالدبابيس ,والهراوات (أعواد ثقاب) عرفت فيما بعد انها (الاستخبارات الملكية) ، إنتشرت القوة داخل الكرتونة وأتخذت أماكنها ثم توجه قأئدها نحو مضيفى وما أن أقترب منه حتى صفعه بإحدى مجساته التى تشبه (هوائى العربة) صفعة واحدة أطاحت به بعيداً وهو يخاطبه فى غضب: - لو ما كنت مسئول من أمن المنطقة دى ؟ كمان جايب ليكا جاسوس (اللى هو أنا ) وبتتكلم ليهو عن الحكومة وبتشتكى ليهو الغلاء !! أخذ مضيفى يرتجف فى خوف أمام قائد القوة بينما كانت الجنود يقومون ببعثرة محتويات (علب الصلصة) وصناديق (الكبريت) الفارغة بحثاً عن أى (ممنوعات) أو (منشورات) كما عرفت لاحقاً . إقترب منى قائد القوة ، وقف فى مواجهتى حاول أن يرفع (الهوائى) ليصفعنى لكنه (غير رايو) فى اللحظات الأخيرة قلت فى نفسى ( والله قصة حليل أيام الواحد كان بنى آدم كان الزيك كده الواحد يعفصو وهو ماشى) !! - (وهو يخاطبنى) : إنتا جاى تتجسس علينا .. وقعت وما سميت (يلتفت إلى مضيفى) : والخائن ده مصيرو الإعدام ؟ ثم فى حزم- : أى صرصار بيخون الملك مصيرو الإعدام !! عشان يكون عبرة لبقية الصراصير !! (ثم مخاطباً القوة فى أمر ) : على القصر !! فى القصر : كان القصر أحسن حالا قليلا من منزل (صديقى الصرصار) فهو مشيد من بعض علب اللبن والمعلبات (منتهية الصلاحية) تغطى جنباته ستائر شفافة من (مناديل الورق) المتسخة ، ادخلنى الجنود وصديقي الصرصار ونحن مقيدان الى قاعة العرش المزدانة بالنفايات في اطرافها وعلى كرسى مصنوع من أعواد الثقاب ومبطن بقطعة من القطن الطبى ردئ الصنع الذى يستخدم فى المستوصفات الخاصة ، جلس الملك وخلفه صف من الحرس بينما وقف أمامه صف من المتملقين ينتظرون دورهم لتقبيل يده . ما أن نظر الملك إلى رتبة قائد مجموعة الإستخبارات التى ألقت علينا القبض وهو يدخل إلى القاعة ومعه جنوده وأنا وصديقى الصرصار وقد وضعت الكلبشات فى أيدينا حتى صرف (المتملقين) ثم خاطب قائد المجموعة قائلاً : - ماذا فعل هذان المواطنان ! - جلالة الملك المفدى .. هذا صرصور مواطن .. أما هذا (يشير إليا) فهو صرصور غير مواطن ! - (فى إستغراب) : شنو يعنى الإتنين ما صراصير ؟ كدى أشرح ليا المسألة در بررراحة برررراحة أيها القائد ! بدأ القائد يشرح للملك القصة ولقد كانت دهشتى كبيرة عندما علمت أن أجهزته كانت تتابع عملية تحولى المفاجئ من إنسان إلى صرصار ورصدها منذ بدايتها حتى لحظة دخولى منزل صديقى الصرصار وتسجيل حديثه معى عن غلاء المواد الغذائية وأزمة البطالة والعنوسة التى تمر بها المملكة ! - (الملك موجهاً حديثه نحوى) : كمان جابت ليها تجسس ! - والله جلالتك أصلو فى الحقيقة يعنى لا أصلو ولا فصلو الكلام ده أنحنا مكتوب عندنا فى كتبنا القديمة الختوها لينا أجدادنا قالو لينا فيها إنو ح يجى يوم (البشر) ديل القاعدين يعفصو فيكم (التاريخ) كلو ويستعملوا ضدكم كافة الأسلحة حتى الأسلحة الكيماوية ويهزموا فيكم ح يجى يوم يجوكم فى حتتكم ويقعدوا ليكم تحت كرعيكم بعد ما تتوحدوا وتظبطو روحكم وتعدو ترسانات أسلحتكم القوية ومفاعلاتكم النووية !! - (وهو يحدجنى بنظرة تحقير) : أها إنتا مرسلنك عشان تتجسس واللا عشان تطلبوا الإستسلام !؟ لوهلة قلت فى نفسى (الصرصار ده جنا واللا شنو؟) إلا أن (الملك) تابع حديثه وهو يلعق سائلاً قد تدفق من فمه من أثر الإنفعال : - ساكت ليه ما تتكلم هل أرسلوك لتطلب السلم ؟!! هنا إنطلقت من أرجاء القاعة هتافات : - لن نسالم ولن نهان ولن نهادن (بنى الإنسان) !! هنا وقف الملك عن كرسيه وبدأ يجيل نظره فى الموجودين كمن يتفحصهم ثم مسح شاربيه الطويلين وتنحنح ثم قال فى حزم : - عشان تعرفوا نحنا ما ح نهادن الجماعة ديل (يقصد البشر) فإنى أأمر بقطع راس هذا الجاسوس !! هنا ضجت القاعة بالتصفيق وعلت الهتافات بينما إرتفعت دقات قلبى وبدأ العرق يتصبب من كل مسام جسدى (الصرصورى) ففكرت سريعاً فى طريقة للخروج من هذه (الزنقة) طالباً من الله (حسن الخاتمة) وانا اتخيل هذه النهاية المفجعة لي فتقدمت قليلا نحو الملك مصطنعاً التهذيب الشديد والإحترام : - يا جلالة الملك الموقر .. لقد وضعتم خلف كرسيكم هذه اللوحة التى كتب عليها (العدل أساس الملك) فهل من العدل إن تستمعوا إلى طرف دون آخر وتصدروا حكمكم ؟ إنكم قد إستمعتم إلى قائد إستخباراتكم ولم تستمعوا إليا فهل هذا عدل !! كان حديثى مفحماً جعل القاعة يلفها الصمت تماما بينما عاد الملك إلى الجلوس على الكرسى واضعاً (الهوائى بتاعو) على خده وهو ساهم فى حاله تفكير: - طيب بإختصار عاوز تقول شنو؟ ! - جلالة الملك أنا عاوز أقول إنى ما جيت ليكم هنا جاسوس ولا فى زول مرسلنى ليكم ولا حاجة! - (فى حزم) : طيب جايينا ومتنكر فى (خلقت صرصار) عاوز مننا شنو؟ - أصلو فى الحقيقه يعنى أنا زهجت من البشر ديل وقلتا أجى مملكتكم دى أقل حاجة الموية ما بتقطع عندكم والكهرباء شغالة!! - أيوااا طيب ما تقول كده من زمااان ...يعنى عاوز لجوء!! - يعنى ! - والأخ شغال شنو؟ - كاتب صحفى ومرات مرات بدرس فى الجامعة!! (وهو يفتل شاربيه الطويلين) : نحنا
ما عندنا مشكلة فى الجامعات وأهو كل سنه بنخرج آلاف (الصراصير) لكن ح نستفيد منك فى قصت الصحافه دى عشان تكتب للبشر ديل وتوريهم كيف مملكة (صرصاريا العظمى) ماشه فى تقدم مطرد وإزدهار بفضل الديمقراطية والحرية والشورى وإنها بتكفل حقوق (الصرصار) وبتضمن ليهو كافة الحريات والمعتقدات ما لم تمس بأمن الدولة. - (ثم ملتفتاً إلى حاشيته) : أليس كذلك يا قوم؟؟؟ هنا إرتجت القاعة بالتصفيق والهتافات حتى احسست ان سقف (علبة اللبن) سوف ينهار : - يعيش الملك ... يعيش يعيش الملك يعيش يعيش الملك - تعيش الحرية .. تعيش الديمقراطية .. تعيش (حقوق الصرصار) إستمر التصفيق والهتاف حوالي ربع ساعة كنت فيها أتصبب عرقاً من الخوف واخيرا اومأ لهم الملك بالتوقف فتوقفوا في الحال إلا من بعض الأصوات هنا وهناك التى تود أن تلفت نظر الملك إليها كما يبدو والتى لم يأبه بها الملك كثيراُ حيث واصل حديثه الموجه لى : - اذهب وقم بجولة حول المملكة وصور وأكتب العاوزو عشان تعكس (للبشر) الأعداء بتاعنكم ديل الحضارة والتطور والحرية والديمقراطية البتعيشا المملكة وعشان العالم الخارجى كلو يشوف الكلام ده !! ما أن إنتهى حديث الملك الموجه لى حتى قام أحد مستشارى الملك من مقعده وإتجه نحو كرسى الملك وهمس له فى إذنه شيئاً وعاد إلى مقعده فتنحنح الملك وواصل حديثه لى قائلا : - وإلا أقول ليك حاجة.. خليك مرتاح نحنا بنكتب ليك .. إنتا زول ضيف مافى داعى نتعبك .. أحسن تقضى وكتك فى السياحة والمناظر الخلابة دى (واشار بيده الى اكوام القمامة والنفايات وبقايا الأكل المتعفنة).... - شكراً مولاى الملك على حسن ضيافتكم وسوف أعكس ما أراه لبنى الإنسان فى صحيفتى بإذن الله . - أيها الوزير (صارصار) رافق الضيف فى جولاته ووفر له كل ما يطلبه من معلومات ! مع صارصار: أخيراً تم إطلاق سراحى وخرجت من القصر برفقة الوزير (صارصار) وقد طلبت منه أن يكون برفقتنا (صديقى الصرصار) بعد أن تم إطلاق سراحه وشطبت التهمة الموجهه إليه فإستجاب الوزير لطلبى وبالفعل إنطلقنا فى جولة حول المملكة على ظهر عربة مكشوفة من عيدان الكبريت إكتشفت بعد برهة وجيزة أنها تسير بواسطه أعداد من (النمل) تجرها فإلتفت إلى الوزير صارصار متسائلاً : - هل لديكم وسائل مواصلات أخرى؟ - نعم هنالك وسائل مواصلات عديدة ولكن عربات (النمل) هذه هى وسيلة المواصلات (الملكية) - وكيف إستطعتم ترويض هذا النمل لجر هذه العربات؟ - هذا نمل مخصوص إستوردته شركتى من الخارج ! - وهل لديك شركة سعادة الوزير صارصار؟ - نعم لدى عده شركات للتصدير والإستيراد والخدمات ؟ مواصلاً- إن واحده من إنجازات هذه المملكة هى أن حرية التجارة فيها متوافرة فيمكنك أن تكون (وزيراً) وعندك شركات أو (والىاً) ولديك مصانع !! - لابد أن أكتب عند عودتى عن هذا الأمر مولاى الوزير إذ أنه ممنوع لدينا تماما الجمع بين العمل العام والعمل الخاص ! - (وهو يبتسم) : هل تعلم أن اسمى ليس (صارصار) بل إن هذا الاسم قد أطلقه علىَّ الشعب؟ - بالطبع لا أعلم، إذن لماذا أطلقه عليك؟ - عندما دخلت إلى الوزارة كنت موظفاً لا أملك من حطام الدنيا شيئاً ولكن (شغلتا مخى) وعملتا ليا كم شركة كده والمسألة (ورت) معاى والصراصير بقت كلما تشوفنى تأشر عليا وتقول (صار .. صار)!! أثناء تجوالنا في المدينة وجدنا عددا من الصراصير تقف امام محل بيع مواد غذائية يشترون طعامهم اليومي ترجلت من العربة لأجرى معهم حواراً فالتقيت بأحدهم وقد كان صرصارا عجوزا بدت على وجهه علامات الضيق.. وتعرفت عليه فاذا هو موظف بالمعاش عمل فى الخدمة المدنية لمدة ستة أ شهر كاملة (هي مدة طويلة بالنسبة للصراصير)..: - مالك يا حاج زهجان كده؟ - الما بزهج شنو يا ابنى .. أنا إشتغلتا نص عمرى موظف والمعاش بتاعى كلو كم (شرتح) ما يجيبو ليهم كم (سنكل) جبنة !! - وعايشين كيف يا حاج؟ - أهو بندبر فيها يابنى من هنا ومن هنا لحدت ما ربنا يفتكرنا وتجى القيامة ونرتاح من القصة دى. أصلو فاضل ليها كم سنة كده (السنة الصرصورية = 18 ساعة) ! - وإنتو يا حاج بتعرفو القيامة بتقوم متين !! - كيف يا ابنى ؟ كل خمسة ستة سنين !! بس مرات بتطول شوية !! البلد دى كووولها تلاقى عاليها بقى سافلا والصراصير دى كووولها تلاقيها جارية تفتش ليها فى ملاذ وما لاقية!! لم يكن صعباً على فهمى أن (القيامة) التى يقصدها الحاج هى موعد حضور (عربة النفايات) وهنا فقط تذكرت الخطر المحدق بى لو أن (ناس النفايات) قرروا أن يشتغلوا (بعد إجازة العيد) وأرسلوا لهذه (الكوشة) واحدة من عرباتهم. - لو كلمتو جلالة الملك ما بعمل ليكم حاجة ويزيد ليكم معاشاتكم دى شوية؟؟ - هو كان جلالة الملك عمل لينا حاجة المعاهو ديل بينفذوها لينا ؟ عليك أمان الله يا ولدى فى تعليمات منو ليها كم وكمين سنة (صرصار) نفذا مافى !! - خلاس يا حاج أنا ح أكلمو ليكم . - (فى دهشة) : وإنتا مسئول معاهم؟ طيب مالك ما سمين وبتلمع وعندك (جضيمات) وبتشبه المسئولين؟! مررنا بالأسواق التى كانت تمتلئ بالبرك والمياه الراكدة والمستنقعات فوجدتها فرصة لأقوم بسؤال مرافقى الوزير صارصار : - هل يؤثر هطول الأمطار وفصل الخريف عليكم ؟ - فصل الخريف نحن ننتظره بفارغ الصبر نسبة لما يخلفه من أوساخ وقاذورات نعيش عليها ولقد تمت إقالة (وزير البنى التحتية) لدينا فى العام الماضى إذ لم يقم بواجبه بقفل المجارى وسد المصارف مما جعل المياه تنساب وتضيع علينا كميات من المياه الآسنة والقاذورات والنفايات ونضطر لقفل المدارس والجامعات لعدم وجود (بيئة صحية) للطلاب ! ونحن نقوم بتلك الجولة فى الأسواق أحسست بشئ من الغثيان من هول ما رأيته من القاذورات والروائح الكريهه فرجوت مرافقى الوزير صارصار أن ينهى الجولة على أمل مواصلتها فى اليوم التالى وطلبت منه أن أذهب مع (صديقى صرصار) للمبيت معه فى منزله (الذى قبض علينا فيه) !! فوافق مشكورا القيامة : عندما دلفنا إلى منزل صديقى صرصار وجدنا زوجته وأطفاله فى غاية الإنزعاج لغيابنا بعد أن تم أخذنا عنوة من أمامهم بواسطة (الإستخبارات الملكية) إلا أن صديقى صرصار سرعان ما طمأنهم وقص عليهم ما حدث ففرحوا كثيرا لذلك وقاموا بتحضير وليمة (كااااربة) من بقايا (الطعام) المتعفن وقد إعتذرت عن تناولها بحجة أننى مرهق من عناء الجولة تلك وأود أن أخلد إلى النوم ! إستلقيت على إحدى (علب الكبريت) ورحت فى نومة عميقة أيقظنى منها زلزال إرتجت له أرجاء (الكرتونة) التى كنا بداخلها .. ساد الهرج والمرج.. خرج (صرصار) وافراد عائلته يهرولون كل فى إتجاه وخرجت أتبعهم ... كانت الصراصير تخرج من مخابئها تجرى فى الطرقات على غير هدى ... .. كانت المبانى تتأرجح والجبال تهتز ثم ترتفع نحو السماء بينما ذلك الصوت الضخم لا يزال يصم الآذان وأجزاء كبيرة من المدينة قد بدأت تختفى من الأرض .. - إنها القيامة !! إنها القيامة رددها ذلك الصرصار العجوز (بتاع المعاشات) وهو يهرول فى بطء من أمامي بينما إختفت المدينة تماما وصارت أرضاً جرداء .. وبدأ ذلك الصوت فى الخفوت تدريجياً .. كانت عربة النفايات حينها تتحرك حينما لمحت (صرصار) يحاول اللحاق بها جاهداً : - مالك يا صرصار جارى ورا العربية؟ - تتصور العواليق ديل رفعوا المدام !! ضحكت لمنظر صرصار وهو يحاول اللحاق بالعربة .. نظرت إلى نفسي فوجدت أننى قد استرجعت حجمي الطبيعي.. مسحت العرق عن جبينى وأنا لا أزال مستغرقاً فى الضحك .. إتجهت نحو المنزل ما أن رأتنى زوجتى وأطفالى حتى صاحوا فى قائلين : - بتضحك مالك .. إنتا مشيت وين نحنا بنفتش عليك؟! - (وأنا أضحك) : تتصوروا (صرصار) كان جارى ورا عربية النفايات قمت سألتو جارى وراء العربية مالك؟ قال ليا : (العواليق ديل رفعوا المدام) !!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.