وقفات الانفصال...والإسقاطات العربية..!! إبراهيم عيسى هدل يقع غالبية المثقفين العرب في فخ التعاطي العاطفي وإسقاط واقعهم المحلي في تحليلهم لأوضاع السودان المواجه لأهم استحقاقات السلام بالاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، فالخليجي يشغله تأمين تدفق النفط والترويج للاستثمار الاقتصادي والتبادل التجاري، والمغاربي يتوجس من الانشطار على أسس عرقية في ظل البروز السياسي للقوميات والأقاليم المهمشة، بينما يعظم الشوام من آثار التدخلات الأجنبية والمشروع الأمريكي الهادف لإحداث الفوضى الخلاقة وسعيه لتقسيم البلدان العربية، في حين لا يخفى المثقف المصري خشيته مما قد تشكله الدولة الوليدة بالجنوب من تهديد لمصادر مياه النيل على الرغم من البرود الرسمي تجاه مسألة الانفصال. فقد حوّل الأستاذ. محمد حسنين هيكل الحلقة الماضية من برنامجه «مع هيكل» على قناة الجزيرة الإخبارية الحديث عن مآلات الأوضاع بالسودان عقب الاستفتاء إلى استعراض إلى الإخفاق الدبلوماسية المصرية في تمتين العلاقات مع الدول الأفريقية مما آثار من وجهة نظره كامن النزاع بينها وبين دول منابع النيل، كما أوردت جريدة «السفير» اللبنانية لناشرها الأستاذ. طلال سلمان يوم الخميس الماضي الموافق 6 يناير 2011م، خبر زيارة الرئيس لجوبا بعنوان «البشير يبيع وحدة السودان، ولا يقبض الثمن» في إسقاط للواقع الصفقات السياسية التي يبرمها الفرقاء اللبنانيون لدفع عجلة السلطة القائمة على المحاصصة الطائفية وما يسمونه بالديمقراطية التوافقية. ويلاحظ أن معظم وسائل الإعلام العربية تستقي أخبار السودان عبر مصادر ووكالات أنباء غربية لم يعهد عنها المهنية والحياد تجاه القضايا العربية وتمدد الثقافة العربية والإسلامية في أفريقيا، حيث تنشط أجهزة الإعلام الغربية في محاصرة تجارب الإسلاميين بالحكم عسكرية كانت أم ديمقراطية وعلى نمطها يتبارى بعض الكُتاب والصحافيين العرب على إثارة قضايا الأقليات وحقوق المواطنة والمساواة للمرأة والاعتراف بالتعدد الثقافي والعرقي والديني، دونما إلمام بجذور الصراع بين الشماليين والجنوبيين أو معرفة بالتركيبة الإثنية بالسودان أو إطلاع بما تم من توافق على تجاوز لمشكلات الهوية وعلاقة الدين بالدولة وعلاج الظلمات التاريخية في برتوكولات اتفاقية السلام الشامل الموقعة في التاسع من يناير 2005م، ومهما يكن من شيء فإن اعتبار انفصال الجنوب نتيجة للإخفاق السلطة الحالية في إدارة ملف التسوية السلمية فحسب يبعدنا عن التناول الموضوعي لمسار الصراع الطويل منذ إندلاع أول تمرد عام 1955م، ما قبل الاستقلال بوجه انفصالي من قبل حركة الأنانيا الأولى، وبالطبع لن يستدعي المواطن الجنوبي سوى المرارات التاريخية ومآسي الحروب والنزوح والتشرد فتلك الصورة الماثلة في أذهان الجنوبيين أقوى تأثيراً في حسم خياره بالاستفتاء من التطلع للمستقبل الواعد لدولة الوحدة التي أسهمت المشاكسة بين الشريكين في حسر أسهمها الجاذبة عند الشماليين فضلاً عن الجنوبيين. الصحافة