خالد ابراهيم عبدالله [email protected] في دنيا المناصب والمواقع يقال ان من يسقط لا ينهض ولا يرتفع مرة أخري.. وفي الدنيا الاقتصادية يقال ان من يغتني لا يفتقر مرة أخري..ومن يفتقر لا يعرف الغني.. الأغنياء في أمتنا لا يفلسون.. والفقراء لا يثرون أبدا.. وفي بلدنا مثل عامي يحلو لي أن أردده دوماً إذ يقولون \"الفقر عارف طريق أصحابه\".. وقد قال أحد الأعراب قديما مثل هذا: عندما كان يحل الجدب والقحط ويعز المطر ويجف الزرع والضرع يتساوي الناس في الفقر وعندما يهطل المطر وتجود الأرض بخيرها يعود أهل الفقر إلي فقرهم ويعود أهل الغني إلي ثرائهم.. أي انهم لا يتبادلون المواقع أبدا. عندما يسقط من مواقعهم ويطاح بهم من مناصبهم تكون \"نومة بلا قومة\".. لكن عندما ترتفع الأسعار ويعم الغلاء تكون \"قومة بلا نومة\".. ولا لوم علي الحكومة في الغلاء.. لأن الحكومة.. أي حكومة لم تعد تملك ولا تحكم.. وكل الأمور خرجت من يد الحكومات..والفقراء فقط هم الذين مازالوا في قبضة الحكومة التي لا تملك لهم نفعاً لكنها تملك لهم ضراً.. وقد صارت الحكومة بالنسبة للفقراء مثل أضرحة أولياء الله الصالحين.. يلجأ إليها الناس عندما تغلق في وجوههم كل الأبواب.. فيشتكون إلي الولي كربهم وهمهم ويبكون علي أعتابه ثم يعودون وقد أراحتهم الشكوي والبكاء.. لكن ضريح الولي ومن يرقد تحته لا يملكان للناس ضراً ولا نفعا.. والفقراء يدفعون الضرائب للحكومة كما يقدمون القرابين للأولياء الصالحين عسي أن تؤتي القرابين أكلها فتتزوج العانس وتنجب العاقر ويتمكن المدين من سداد ديونه.. لكن شيئا من ذلك لا يحدث.. ومع تكرار اخفاق الأضرحة في تلبية المطالب وتحقيق الآمال.. لا يفقد الناس إيمانهم بها وبقدراتها.. وكذلك يفعلون مع الحكومة فرغم انها أصبحت \"خيال مآتة\" فإن الناس مازالوا يحملونها مسئولية كل \"البلاوي\".. والحكومة معجبة بأنها من الأولياء الصالحين وأن الناس يحجون إليها كلما ضاقت بهم السبل.. وما زالت تقبل منهم القرابين والمكوس والضرائب دون أن تكون لديها أي قدرة علي الحل والعقد. ومازال الناس يقولون ان الحكومة ترفع الأسعار ويطالبونها أو يتضرعون إليها بأن تخفض هذه الأسعار..مازالوا عند نفس الرؤية التي كانت سائدة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حيث كانت الحكومة ترفع وتخفض وتعز وتذل وتوظف وترضع وتربي وتزوج وتدفن الناس.. كانت الحكومة هي الشيخ صاحب الكرامات الحقيقية.. ويا سعد من كانت ترضي عنه.. ويا ويل من كانت تغضب عليه.. أما اليوم فإن الشيخ صاحب الكرامات والخطوات الميمونة قد مات.. وحل محله دجال يضحك علي الناس ويقنعهم بأنه من أهل الخطوة وانه يرفع ويخفض ويعز ويذل ويحسن مستوي المعيشة ويواجه الفقر والفساد.. والحكومة هي ذلك الدجال الذي ورث الشيخ الراحل صاحب الكرامات لمجرد انه ابنه أو حفيده.. وهذا الدجال الذي يطلق البخور والتصريحات.. ويوشوش الدكر والميكروفونات والفضائيات.. ويكتب الأحجبة والدراسات والتقارير.. لا يحل ولا يربط ولا يهش ولا ينش ولا يملك من الأمر شيئا.. الحكومة..أي حكومة أصبحت مثل الأطرش في الزفة.. وكل القطارات خرجت من القضبان.. وكل السيارات بلا فرامل.. ومع ذلك مازال الناس يصرخون وهم في الطريق إلي الهلاك: الحقينا يا حكومة.. بركاتك يا مولانا الحكومة.. مدد يا وزير.. نظرة يا وزيرة.. \"ندر علينا والندر دين لو وصلنا بالسلامة\" لنطعمن ستين وزيراً ورجل أعمال ونائب برلمان. **** لكننا لا نصل بالسلامة أبدا.. ومع ذلك نوفي بالنذر ونقطع من لحم الحي لنطعم ستين وزيرا وستين رجل أعمال وستين نائب برلمان.. بل ونعالج نواب البرلمان علي نفقتنا.. فمازلنا نري ان ما قالته راقية إبراهيم في فيلم \"زينب\" هو الحق المبين: \"اللي مالوش أهل الحكومة أهله\".. لا نريد أن نقتنع بأن شيخ الحكومة دجال \"وهجاص\".. وانه \"يوكلنا الأونطة\".. أو لعلنا مقتنعون بذلك ولكننا لا نملك بديلا.. فالفقراء يعرفون أن الدجال لا يقدم حلاً ولكنهم مرتاحون باليأس.. علي أساس ان اليأس إحدي الراحتين.. كما انهم يحسبونها بالفلوس.. فالدجال أرخص من الطبيب.. \"وكده ولا كده.. الطبيب برضه دجال\"..والدجال الرخيص خير من الدجال الغالي. والحكومة لديها مكلمة وثرثرة مثل ثرثرة الدجالين.. فهي تتحدث عن مواجهة الغلاء كما يتحدث الدجال عن مواجهة العفاريت.. ولها طلبات مستحيلة مثل طلبات الدجالين فهي تطلب \"نملة منقطة وعاقرا.. ونحلة يتيمة الأب منذ خمس سنوات.. وتطلب سحلية مطلقة.. ويمزج هذا المخلوط مع ذبابة عانس وندهن به الظهر والبطن ثلاث مرات يوميا لتنخفض الأسعار وتنجب العاقر وتتزوج العانس ويشفي المريض.. والطلبات المستحيلة حيلة ذكية من الحكومات ومن الدجالين فعندما لا يتحقق الأمل ولا ننال المراد تتهمنا الحكومة كما يتهمنا الدجال بأننا لم نلتزم بالطلبات والوصفات المحددة وأن السحلية التي أحضرناها ليست مطلقة ولكنها أقامت دعوي خلع علي زوجها وحصلت علي الطلاق خلعاً والمطلوب أن يكون زوج السحلية هو الذي طلقها رغم أنفها.. الدجال يريد سحلية مظلومة لا سحلية ظالمة \"وقادرة وفاجرة\". الحكومة مثل الدجال.. أو هي دجال فعلا.. إذا فشلت فإنها تتهم الزبائن بالتقصير وعدم الالتزام بالطلبات.. الحكومة دجال يطلب منا ترشيد الانفاق بينما الدجال ينفق ببذخ ويركب السيارات الفارهة ويملأ الدنيا مواكب.. والحكومة ينطبق عليها المثل الصعيدي الجميل \"يتعلم الزيانه في روس اليتامي\".. أي يتعلم الحلاقة في شعرالغلابة واليتامي ويضمن انهم لن يثوروا ولن يعترضوا إذا \"بوظ لهم شعرهم\".. الحكومة.. أي حكومة تتعلم الحكم والحل والعقد في الفقراء فقط.. لكنها محكومة ومشكومة من رجال الأعمال والأغنياء الذين يعرفون أن الدجال دجال ولكنهم يوظفونه لحسابهم.. والحكومة لا تنفع من ينافقها ويشيد بها ولا تضر من يهاجمها ويحملها مسئولية كل المصائب.. ومادح الحكومة وقادحها يضيعان الوقت فيما لا يفيد.. فالحكومة لا تستحق المدح ولا تستحق القدح.. فهي غير قادرة علي فعل ما يستوجب الشكر والإشادة وعاجزة عن فعل ما يستوجب القدح والنقد والهجوم.. الحكومة في مقاعد المتفرجين مثلنا تماما.. وهي مثل وارث \"علي الجاهز\" باع كل ما تركه له أبوه وأصبح \"علي الحديدة\" ثم يتسول لقمته ممن باع له ميراثه.. يتسول الاستثمار وفرص العمل ومشاركة ا