التعددية التي أقصدها هنا ليست التعددية في الفكر السياسي والتي هي قوام الفكر الليبرالي والأساس الذي تقوم عليه النظرية السياسية في الغرب وفي فلسفة الحكم وتداول السلطة والحكم ما أقصده بالتعددية هو تعدد الزوجات مثنى وثلاث ورباع كحل ناجع لمشكلة المشكلات بالنسبة للإناث وهي العنوسة، ويظن كثير من الناس خطأً أن مصطلح العنوسة يطلق على الإناث فقط دون الرجال والصحيح أنه يشمل النوعين ولكن جرى العرف لدى الرجال أن يصفوا به الإناث «حصرياً» واستبدلوه بلفظة عازب وهي لفظة مخففة «والشينة منكورة».. وتقول العرب عنست المرأة فهي عانس إذا كبرت وعجّزت في بيت أبويها، وأيضاً عنس الرجل فهو عانس إذا كبر وشاخ في بيت أبويه، و«ما فيش حد أحسن من حد»، والعوانس من النساء هن في الغالب الأعم ضحايا للنظام الاجتماعي السائد وفئة قليلة جداً منهن اللاتي يرفضن بشكل «مبدئي» مسألة الزواج ولا يشغلن أنفسهن بها كثيراً والكثيرات من هذه الفئة القليلة يعانين من «خلل» ما قد يكون عضوياً أو نفسياً وهو ما يقتضي ويستوجب العلاج. وآفة مشكلة عنوسة الإناث عندنا في السودان وأحد أهم عوامل استمرارها دون حل هو أن المجتمع يتعامل معها بحساسية شديدة، وتستوي في ذلك المجتمعات الحضرية والريفية، وإن كانت هذه الأخيرة أشد حساسية تجاه المشكلة، بل حتى أجهزة الدولة المنوط بها التعاطي مع هذه المشكلة والبحث عن حلول لها هي الأخرى تقع في نفس الخطأ، خطأ التعاطي معها بشيء من الحساسية. فنادراً ما تجد هذه المشكلة التناول الجاد بالبحث والنقاش بشفافية ودون حرج فأصبحت بذلك منطقة محاطة بسياج مانع مكتوب عليه بالخط العريض «ممنوع الاقتراب أو التصوير»، ولهذه الحساسية دوافع مختلفة فهناك عوامل كثيرة فرضت هذا الوضع منها الشعور بالحرج من الخوض في المشكلة والتعلل بمراعاة شعور هذه الفئة وكأن العنوسة عار أو سبة أو عيب تذم به العانس وكأنها هي السبب فيها، وكثير من الناس يتعاملون مع العوانس انطلاقاً من هذا الفهم الضيق القاصر بل هناك من يجعل من هذه الحالة أساساً للتعامل معهن ويفسرون بشكل خاطئ كل سلوك وتعامل يصدر منهن على ضوء هذه المشكلة، ويستوي في ذلك النساء والرجال، بل إن النساء أكثر تشدداً في ذلك، فالعانس في نظر المتزوجات تعتبر مصدر خطر مستمر ودائم يتهددهن في عقر ديارهن خاصة إذا كان في العانس ما يسر الرجال ويجعل أفئدتهم تهوي إليها، فمثلاً إذا أكثرت العانس من الزيارات والسؤال المتكرر عن «زوج الجيران» كان ذلك ناقوس خطر يستوجب دفاعاً سريعاً عن المملكة وعن الملك المتوج فيها. وبالنسبة للرجل فإن كل ما يصدر عن العانس يفسر على خلفية هذا الأمر مما يدفعه إلى الظن «إثماً» أنه مطارد من قبلها فيبحث عن «مخارجات» لنفسه وغالباً ما تكون هذه المخارجات فجة وجارحة للمشاعر، وهناك من ينظر إلى العوانس بإشفاق ورثاء تماماً كتلك النظرة التي ينظر بها عامة الناس إلى المعاقين وذوي الحاجات الخاصة، وهناك من يسخرون منهن فيطلقون عليهن ألقاباً غير محببة مثل «بايرن ميونيخ»و«بيروت» وأشهر هذه الألقاب على الإطلاق «البايريكس» !!. ومقياس تحديد العانس مقياس متغير وغير ثابت، ويتباين وفقاً لتباين البيئة المجتمعية، ففي الأرياف والقرى فإن السن التي يطلق فيها على البنت صفة العنوسة كانت في الماضي القريب تبدأ من سن العشرين فارتفعت الآن إلى سن الثلاثين، أما في المدن والمجتمعات الحضرية ونتيجة لمقتضيات التعليم والدراسة الأكاديمية الجامعية وفوق الجامعية فالأمر فيه «سعة» و«براح» حيث كان في الماضي يبدأ من الثلاثين وأصبح الآن يبدأ من سن 38، «ويا عالم» إلى أين سيصل بعد عشر سنوات في ظل هذا الارتفاع الجنوني اليومي في الأسعار، وخاصة بعد القرار العبقري للحكومة برفع الدعم عن المحروقات وهي تمد لسانها للناس وتوشك أن تقول لهم «الماعاجبو يشرب من البحر» ولسان حالها يقول لكل من نادى بعدم رفع الدعم «الجمل ماشي والكلب ينبح». وعنوسة الإناث في السودان بدأت مؤخراً تدخل في طور «الظاهرة »، والعامل الرئيس في ذلك هو عامل اقتصادي بالدرجة الأولى وهناك عوامل أخرى مساعدة متفرعة من العامل الاقتصادي، وفي مجتمعنا السوداني هناك في رأيي ثمانية عوامل ساهمت وتساهم بشكل مباشر في ازدياد وتنامي هذه «الظاهرة» الخطيرة ذات التأثير السالب على المجتمع، اثنتان من هذه العوامل فقط تتحمل وزرها العوانس والبقية لا يد لهن فيها وإنما هي نتاج التقاليد الجامدة والبالية والممارسات الخاطئة في النظام الاجتماعي السائد سواء في الريف أو في الحضر سنتناولها بشيء من التفصيل ونرى كيف أن ذروة الحل وتمام العلاج لهذه الظاهرة المزعجة والمقلقة لكل «إخوان البنات» ولكل الآباء والأمهات الذين ينعمون بنعمة إنجاب البنات يكمن في ما أحله الله من التعددية مثنى وثلاث ورباع... نواصل.