منذ أن إستولي الإسلاميون خلسة علي مقاليد الحكم في البلاد في العام 1989م وأجهضوا الدولة الديمقراطية الوليدة وصادروا حق الشعب في التعبير كان مدار خطابهم السياسي هو تحرير مدن الجنوب التي سقطت في قبضة الجيش الشعبي لتحرير السودان نتيجة لفشل الحكومة الديمقراطية الوليدة في تحقيق الإنتصارات العسكرية علي الأرض ودقت بنفسها طبول الحرب المقدسة ضد التمرد ودفعت بالآلاف المؤلفة من شباب أمتنا في أتون الحرب . وبعد سنوات من الحرب الضروس وبعد أن سالت الدماء الزكية علي أرض الجنوب وأحراشها فداءً لوحدة التراب والوطن وصعدت الأرواح الطاهرة إلي بارئها وغدت في جوف طير خضر تسرح في الجنة أني شاءت حتي دب الوهن ( حب الدنيا وكراهية الموت ) في من يدعون أنهم ولاة الأمور وأيقنوا أنهم لاطاقة لهم بالدكتور قرنق وجنوده ونظروا في خوف وهلع إلي رئيس دولتهم وتمنوه داؤدياً ليريحهم من جالوت إلا أنه كان أكثر منهم وهناً وضعفاً وخوفاً حتي لم يبالوا بمدن الجنوب وهي تتساقط في أيدي الجيش الشعبي مثل أوراق الخريف وبحلول العام 1994م وبسقوط مدينة الناصر تسارعت الخطي نحو الخارج زحفاً للإنتهاء من حالة الهلع والذعر التي دبت في النفوس وضربوا بعرض الحائط بكل الشعارات التي كانون ينادون بها والقيم الجهادية والدينية التي خاطبوا بها وجدان الشعب السوداني وفي حالة الطوفان هذه قبلوا بأن يطئوا بأرجلهم الخائفة علي أجساد الشهداء والأرواح للنجاة من الغرق ثم مالبثوا أن أدركوا أن الحكومة الأمريكية التي كانوا ينادون بهلاكها هي من تمسك بخيوط اللعبة السياسية العالمية وهي من تقدم الدعم المادي واللوجستي للمتمردين ومنذ ذلك التاريخ وبعد أن أقدمت بلاد العم سام علي محاربة الدولة إقتصادياً ومحاصرتها والقعود لها في كل مرصد وإدراجها في قائمة الدول الراعية للإرهاب حتي إزداد الإنقاذيون وحزبهم الحاكم وهناً علي وهن وخوفاً علي خوف وكانت صواريخ (توما هوك) التي أطلقت من غواصة أمريكية في البحر الأحمر في العام 1998م علي مصنع الشفاء في فلب الخرطوم هي النهاية لآمال كل من يطمح في معاداة الدولة العظمي وأدرك القابضين علي صولجان الحكم خلسة أن عليهم الحج إلي واشنطن طائعين يجررون أذيالاً للخروج من المأزق وتابوا توبة نصوحة لافسوق بعدها ولا عصيان عن معاداة الدولة العظمي وثابوا إلي رشدهم . وبعد أن إستيقن قادة يلاد العم سام أن الدولة التي كانت تحكي إنتفاخة الأسد صارت حمامة داجنة تطلب ودها والقرب منها كانت لحظة إملاء الشروط وأولها الإسراع من الإنتهاء من إتفاقية السلام ومنح جنوب السودان حق تقرير المصير والعمل علي تحقيق ذلك الإنفصال عبر سياسة التنفير لقادة الحركة والنخية من أبناء الجنوب من الوحدة ..ولما كان قادة النظام في حالة الخنوع والضعف والوهن فقد قبلوا بتلك الشروط ولأن نفسهم ساقطة فقد طلبوا علي إستحياء وأنظارهم تتجه إلي الأرض خوفاً وهلعاً ثمناً بسيطاً لتلك السلعة الباهظة وتمثل ذلك الثمن في إسقاط ديون البلاد التي تجاوز أربعين مليار دولار وإسقاط إسم دولتهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع الحظر الإقتصادي وتعطيل أو إلغاء أمر الفبض الصادر ضد رئيسهم وإطلاق يدهم في قمع التمرد في ولايات دارفور العظمي وإعتبار أن مشكلة دارفور هو شأن داخلي ..ويبدو أن القادة في بلاد العم سام قد أومأوا برؤسهم إيماء خفيفة لم يفهمها الحجاج من سدنة النظام ربما لخوفهم من جبروت العم سام ..أو رغبتهم في إرضاءهم ورغم أن خطاب الإدارة الأمريكية كان واضحاً في مسألة أمر القبض وأن السيف قد سبق العذل في الأمر وأن جهيزة أوكامبوا قد قطعت قول كل خطيب إلا أنهم قد غادروا معبدهم بواشنطن وإمارات البشر والسرور تملأ وجوههم فقد أرضوا عرابهم وشتتوا شمل البلاد ومزقوها أشلاءاً . وفي قراءة متأنية لتلك الصفقة الخاسر والتي كانت (( حشفاً وسوء كيلة )) وبعد تصريحات جوني كارسون في مؤتمره الصحفي والذي بثته قناة الجزيرة والذي أكد فيه بعبارات واضحة ورصينة أنهم لم يقطعوا وعداً صادقاً لسدنة النظام حول سداد الديون الخارجية وأن ذلك الأمر وأمر رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يخضع لموافقة (الكونجرس الأمريكي ) وكان يحدث نفسه أن ذلك لن يحدث فالأخ (جوني كارسون) كان يعلم أن الإنتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي إكتسحها الحزب الجمهوري بأغلبية ساحقة والحزب الجمهوري لدية رؤية واضحة حول سياسات الحزب الديمقراطي الداخلية والخارجية ولديه موقف ثابت لن يحيد عنه عن الحرب في دارفور وسيعمل علي الضغط علي حكومة أوباما للتنصل من كل الوعود بعد قيام الدولة الجديدة في جنوب السودان ولن يسمح الحزب الجمهوري للرئيس أوباما علي غض الطرف عن المسألة الدارفورية ولن يسمح بمعالجة أمر ديون السودان الخارجية ولن يسمح برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ولن يسمح برفع الحظر الإقتصادي عن هذه الحمامة الداجنة طالما يوجد إسلاميون في سدة الحكم في السودان حتي ولو كان الخاسر الوحيد هو الشعب السوداني. وبهذا المفهوم فإن ما يبدوا واضحاً أن صفقة النظام وحزبه الحاكم مع الإدارة الأمريكية كانت صفقة خاسرة قبض فيها النظام الريح وكان الثمن غالياً ... غالياً ..أرواح الشهداء الطاهرة والتي قدموها للنظام وحزبه الحاكم فداءاً للوطن ووحدة ترابه وقطعة عزيزة من أرض الوطن لن تعود حتي يدخل الجمل في سم الخياط . ونقول للذين نسوا الله فنسيهم وسعت نفوسهم للتوكل علي النظام الأمريكي ونسوا التوكل علي الحي الذي لايموت ((ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم قل إن هدي الله هو الهدي ولئن إتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير )) صدق الله العظيم.