معادلات: عن الاستراتيجية ، وحاج الأمين، والديوان!! علي يس [email protected] و مَثَلُ الحاكِمِ في أُمَّةٍ مُسلمة (أو الحاكم الراشد حتى في غير الأمم المسلمة) كمثل الأجيرِ في أرضٍ ، يقومُ العقدُ بينهُ وبين صاحب الأرض على أن يستصلحها لهُ و يزرعها ، فيعطيه ريعها ، ومنهُ ينالُ أجرهُ المتفق عليه .. و الأجيرُ هذا يستطيعُ أن يُنجِزَ هذا الالتزامِ بعدَّة طُرُق ، بعضُها \"نظيفٌ\" ، وبعضُها غيرُ ذلك.. و الأُمَّة – صاحبةُ الأرض - تستطيعُ أن تستفيد من تجربة عمِّنا \"حاج الأمين\" ، الذي أجَّرَ أرضهُ على سبيل \"المزارعة\" إلى رجُلٍ يثقُ به ثقةً كبيرة ، ثُمَّ تركَهُ ، فلم تحدِّثهُ نفسُهُ يوماً واحداً بمعاينة أرضه و ما يفعلُهُ الأجيرُ بها ، ظلَّ فقط ينتظِرُ نهاية كل موسمٍ ، حيثُ يأتي الرجُلُ حاملاً لحاج الأمين مالاً كثيراً ، يقول لحاج الأمين : (هذا نصيبك من حصاد هذا الموسم) .. ثم يمضي ، ليعود بعد الحصاد القادم .. ثُمَّ فوجيءَ حاج الأمين ، ذات يومٍ ، بالشرطة تطرُقُ بابهُ ، و تأخُذَهُ إلى المحكمة ، بتُهمة \"زراعة مخدرات\" في أرضِهِ !!.. و استطاعَ ، بعد هياطٍ و مياطٍ ، وأموالٍ طائلةٍ دفعها للمحامين ، أن ينجُو من السجن بعد أن تمكن من إثبات أن الأرض مؤجَّرة .. و أقسم بعدَها ألاَّ يُستغفَلَ أبداً ، وألاَّ يثِقَ بمؤجِّرٍ لأرضِهِ ، وأن يذهَبَ كُلَّ أُسبوعٍ لمعاينةِ الأرض و ما يجري فيها ، وأن يستحدِثَ – في العقدِ بينهُ وبين أيِّ مستأجرٍ قادم – بنوداً تُخَوِّلُهُ أن يتسلَّمَ تقريراً يومياً من المستأجِرِ عمَّا تمَّ اليوم على الأرض .. فكان يقرأ في التقرير ، مثلاً ، : (اليوم قمنا بحراثة نصف فدان من الأرض ، من الناحية الغربية جنب شجرة الجميز ، بتركتر عثمان الأشول ، و أجَّرنا آدم ملود ، لتنظيف ابو عشرين ، فأنجز من المهمة ثلاثين متراً طولياً ، و قُمنا بزراعة فاصوليا في رُبع الفدان الجاهز من الناحية الغربية .. إلخ .. ).. فكان إذا شكَّ في أية معلومة في التقرير اليومي ، يذهب بنفسِهِ ليَرى ، ثُم يعُودُ مطمئناً .. و أخُونا الأستاذ أحمد المصطفى إبراهيم ، يبدُو لي أنَّهُ عرَفَ حكاية حاج الأمين هذه ، فقد كانت كلمَتُهُ أمس ، في استفهاماتِهِ المجيدة ، مُجرَّد طلبٍ متواضِعٍ من الحُكومة ، أن تُزوِّدَ هذا الشعب – صاحب الأرض الأصيل – بمعلوماتٍ مفصَّلةٍ عمَّا يجري على أرضِهِ هذه ، وهذا الطلب على بساطَتِهِ و معقوليته و مشروعيته ، توجَّهُ به الاستاذ أحمد المصطفى ، و توجَّهْنا بهِ نحنُ أيضاً ، و توجَّهَ به كثيرونَ غيرنا ، أكثر من مرَّة ، وقُلنا أن من حق الناس – حقهم الأصيل و المباشر – أن يعرِفُوا .. أن يعرِفُوا تفاصيل \"الاستراتيجية القومية الخمسية والعشرية وربع القرنية \" إن كان هُنالك بالفعل ، في هذا البلد المسكين ، ما يُسمَّى (إستراتيجية)!! ولكن .. المُستأجِرُ يأبَى أن يُعير طلباتنا المشروعةَ أُذُناً ، و نسألَ الله ألاَّ يكُونَ بانتظارِنا (مقلب) كالذي شربه عمُّنا حاج الأمين!!!.. سألنا عن \"خرافة\" الاستراتيجية ، في بلدٍ يتخبَّطُ في فوضى \"الأولويات\" .. مشروعاتٍ زهيدة الأهمية والجدوى ، أو من قبيل الكماليات المترفة ، تستأثِرُ بالمال بينما يعاني أُناسٌ ، مُدُنٌ وقُرىً بأكملها ، من العطش .. جُسورٌ – كما قال أخي أحمد المصطفَى – تعبُرُ النيل ، لتعبُرَ عليها الحمير ، بينما تربضُ على مرمى حجَرٍ من الجِسر آلاف الأفدنة البُور التي لا تجِدُ تمويلاً لاستثمارها .. و مئات الأمثلة .. هذا ، و تساءلنا هُنا أيضاً ، أكثر من مرَّة ، أسئلةً ليس من سُوءِ الأدب أن نطرحها على ديوان الزكاة ، وليس من (التواضُع) في شيءٍ أن يجيبنا عليها !!.. من حقِّ هذا الشعب ، الذي يُموِّلُ ديوان الزكاةِ ليس خوفاً من أمينه العام ولا خوفاً من الحكومة ، ولكن خوفاً من الله فارض الزكاة في أموالنا ، من حق صاحب هذا المال أن يعرِفَ أينَ يذهَب ، ومن حقِّهِ أن يعرِفَ لماذا يُصرفُ مالُ الزكاة في غير المصارف التي قررها كتاب الله وسُنَّة رسوله ؟؟ .. من حقه أن يعرِفَ لماذا يمُوتُ أُناسٌ من الجُوع والمرض ، بينما تذهبُ أموال الزكاةِ (كمصاريف) دراسة في مدارس خاصة ، لصالح أُناسٍ هُم أصلاً ليسُوا من مستحقي الزكاة حسب الشرع؟؟.. هذا ، ولدينا الكثير من الأمثلة المدهشة في ما يتعلق بديوان الزكاة ، نرجُو ألاَّ يضطرَّنا صمتُ ديوان الزكاة إلى طرحها (بتوضيحاتها).. نتمنَّى ألاَّ يجد الشعبُ نفسهُ مضطراً إلى الإجراء الذي اتخذهُ حاج الأمين !!