((نصر هلال قمة القمم العربية))    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقيت الصلاة مواقيت بيولوجية
نشر في الراكوبة يوم 23 - 02 - 2011


الشاعر
[email protected]
الخشوع في الصلاة هبة يهبها الله من يشاء من عباده. بل إن عدم الخشوع في الصلاة عقاب، يعاقب به الإنسان ليحرم لذة لا يعرف حلاوتها إلا من ذاقها. والخشوع في الصلاة، شبيه بالنوم الهانئ المريح بلا كوابيس، وبالتالي عندما لا يجد العابد في صلاته الخشوع الذي ذاق لذته وعرف حلاوته، يشعر بالأسى والكآبة والقلق، كالذي يشعر به من لم يذق طعم النوم الهانئ المريح، ويبحث عنه بكل الوسائل وشتى السبل، وأحيانا يحاول إحضار الخشوع بوجبة دسمة، أو بفنجان قهوة أو شاي، أو بعقار منشط أو مثبط، فيكرر هذا الأمر ولكنه قلما ينجح في ذلك.
ويصف علماء النفس هذه الحالة باسم \"التدفق\" أو استغراق الإنسان في مشاعره. والانفعالات في حالة \"التدفق\" ليست مجرد انفعالات منسابة تسير من وجهة معينة، بل انفعالات إيجابية، مليئة بالطاقة تنظم قواها مع ما يجري من فعل راهن. فإذا ما تملك الإنسان الملل، أو الاكتئاب، أو التوتر والقلق.. فإن ذلك يحول دون تدفق المشاعر. وتدفق المشاعر ما هو إلا خبرة يمر بها كل إنسان تقريبا من وقت لآخر، وخاصة عندما تصل هذه الخبرة إلى ذروتها، أو تتجاوز أقصى حدودها السابقة عليها، وربما يعبر عن هذه الذروة، نشوة العلاقة الحميمة بين شخصين، عندما يتوحدان في كيان واحد ممتزج ومتناغم.
ولا شك أن تدفق المشاعر خبرة رائعة، والعلامة المميزة لتدفق المشاعر هي \"الشعور بالفرح التلقائي، أو النشوة إلى أقصى حد\"، ولأن تدفق المشاعر، شعور جميل للغاية، لذا فهو مكافأة حقيقية، إنه حالة يكون فيها الإنسان مستغرقا تماما فيما يفعله، يركز انتباهه فيه، يمتزج وعيه به. والانتباه في حالة \"التدفق\" يكون مركزا تركيزا شديدا، لا يعي الشخص فيه شيئا بإدراكه الحسي إلا في الفعل الجاري في هذه اللحظة، بحيث يغيب إحساسه بدورة الزمان والمكان. وتدفق المشاعر حالة من نسيان الذات، عكس التأمل والاجترار والقلق. فإذا وصل الإنسان إلى حالة \"تدفق المشاعر\"؛ فإنه يستغرق تماما في العمل الذي يقوم به إلى الدرجة التي يفقد فيها الوعي بذاته تماما. وللوصول إلى التدفق يجب تركيز الانتباه الحاد على العمل الجاري، وما أن تبدأ حالة \"التدفق\" حتى تتخذ قوة دفع ذاتية، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيف الاضطرابات الانفعالية، وتأدية الفعل، مهما كان عسيرا، من دون أي مجهود.
وكل إنسان تتناوب عليه فترات وأحوال بشكل دوري، ولا يدرك هذه الفترات أو يقدرها حق قدرها إلا فئة قليلة من العابدين والزاهدين، بل إن هناك صلة بين أوقات الصلاة الخمسة وحالات النفس وتقلبات المزاج. وعلى هذا لم يكن عدد الصلوات وأوقاتها شيئا اجتهاديا متروكا لمزاح الشخص ورغبته، وإنما كانت وحيا من الله بواسطة جبريل عليه السلام.
وهناك اتصال روحاني لا ندرك كنهه، بين عالم الإنسان وعالم الملكوت، وبين عالم الغيب وعالم الشهود، وتتنزل من خلال هذا الاتصال الرحمات والإمدادات، التي لا يدركها الإنسان العادي لكثرة ما ران على قلبه من الشهوات، ولذلك فإن أشد الأوقات اتصالا بين عالم الإنسان وعالم الملكوت، أو بين عالم الغيب وعالم الشهود، هي أوقات الصلوات الخمس، التي تكون نفس الإنسان- في هذه الأوقات- مستعدة فيها لاستقبال الفيوضات والنفحات، أو مستعدة لتقبل الفتن والشبهات.
وساعات الليل والنهار، منها ما ينزل فيها الفيوضات والرحمات، ومنها ما ينزل فيها الشرور والشبهات، وعندها يكون للشيطان على الإنسان، أثر ذو خطر، والقلب عندها يكون مهيئاً لتلقي الشرور والفتن، ولذلك كان هذا السر في اختيار تلك الأوقات الخمس على وجه الدقة والتحديد. وعلى هذا كانت أوقات الصلوات مقدرة ومضبوطة حسب أوقات نزول الرحمات وحسب أوقات نزول الشبهات. فوقت الصلاة إما وقت تنزل فيها الرحمات وإما وقت تنزل فيه الشرور والشبهات.. وصلاة المسلم في هذه الأوقات، تجعله يستقبل هذه البركات النازلة، أو تجعله يتجنب تلك الشرور الساقطة..!
وأوقات الفيوضات غالبا ما تكون في وقت صلاة الفجر وصلاة العصر. وهناك بركة كونية لا نعلم كيفية نزولها، تفيض على الكون فتغمره في وقت صلاة الفجر، ولكن هذه البركات لا يشهدها إلا قليل من الناس لمشقتها، لكنها عند التأمل نجدها جديرة بعناء المشقة والتعب. ومن بركة الاستيقاظ وقت الفجر أن من يصلي هذه الصلاة يقضي بقية يومه في همة ونشاط وطيب نفس وانشراح صدر..
وهذه الفيوضات النازلة، تدخل في القلب كما تدخل وجبة الطعام الدسمة إلى المعدة؛ وكما تكون المعدة بحاجة لبعض الوقت لتهضم هذه الوجبة وتحللها وتمتصها، فإن هذه البركة النازلة إلى النفس حين الفجر، بحاجة لبعض الوقت لتهضم وتتحلل وتتمثلها الروح، لذا فإن المصلي لابد أن يمكث بعدها مستيقظا، شاغلا نفسه بالذكر والتفكر والدعاء.. حتى لا يفقد شيئا من بركتها، فيأخذ منها نصيبه كاملا غير منقوص، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النوم بعد صلاة الفجر، كما يروي البيهقي عن فاطمة، عليها السلام، أنها قالت: (مر بي رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا مضطجعة متصبحة؛ فحركني برجله، ثم قال: يا بنية قومي اشهدي رزق ربك و لا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس)!.
ولو دققنا النظر فيمن يصلون صلاة الفجر لوجدنا على وجوههم نضارة وحيوية وبهاء، يشاهدها كل إنسان، وهذا ما جاءت إليه الإشارة بقوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، والمقصود بقران الفجر هو صلاة الفجر، والمقصود بقوله مشهودا ليس شهود الملائكة؛ لأن الملائكة تشهد كل الصلوات، وإنما المقصود هو مشاهدة البهاء والنضارة على وجه من يصلى هذه الصلاة خالصة لوجه الله.
أما صعوبة الاستيقاظ في الصباح الباكر، فليس كل إنسان يعاني من هذه الصعوبة، لأن بعض الناس يستيقظوا مبكرين، وإن كانوا من غير المسلمين، والإنسان صاحب الفطرة السوية لا يجد في اليقظة المبكرة أي صعوبة أو مشقة أو تعب، بل البقاء في الفراش هو الذي يجلب عليهم المشقة والتعب..
ومن الناس من لا يستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر، وكثيرا ما يعترض في سره أو علانيته على الوقت الباكر لهذه الصلاة، ويقول إن فيها مشقة وحرج، ولكن هذا القول غير مستقيم، لأنه يقيس الأمر على شخصه ومزاجه. أما الإنسان سوي الفطرة والتكوين، فإنه يتفاعل مع هذه الأوقات بشكل تلقائي، لذلك تجد غير المسلمين الأسوياء، الذين لا يدينون بدين الإسلام، يستيقظون مبكرين في وقت الفجر، ليمارسوا الرياضة أو القراءة أو الكتابة.. ويجدون في هذه اليقظة الباكرة متعة لا توصف، وهم على قناعة تامة بأن هذا هو أنسب الأوقات لشحن النفس وصقل الروح..
ومتى حانت أوقات الصلوات الخمس انتاب الإنسان، وإن لم يكن مسلما، قلق خفي لا يدرك كنهه أو مصدره؛ فتجد الإنسان السوي، غير المسلم، يتوق إلى قراءة قصيدة شعر، أو سماع موسيقى، أو كتابة خاطرة، أو ممارسة أي شيء فيه غذاء للروح.. ولو أحسن التأمل في ذاته ودخيلته، لأدرك أنه بحاجة إلى الصلاة وليس للموسيقى أو الغناء.. وهكذا باقي أوقات الصلوات، وفى هذا دليل على أن كيان الإنسان مضبوط، بشكل بيولوجي، كي يتفاعل مع هذه الأوقات الخمسة. إنها كالقنبلة الموقوتة التي ما أن يحين وقتها التي ضبطت عليه، حتى تنفجر من تلقاء نفسها، وهذا ما جاءت إليه الإشارة بقوله تعالى:{فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }(النساء103).
إن تعاقب هذه الأحوال الروحانية على كيان الإنسان النفسي، لها ما يوازيها على جسم الإنسان الفسيولوجي، وهي تشبهها إلى حد كبير. وقد أثبت \"جيرس\" في بحث أجراه، وجود إيقاعات يومية لدرجة حرارة جسم الإنسان. والحد الأقصى لدرجة الحرارة يبدأ من الضحى إلى بداية الليل، على حين أن الحد الأدنى من الحرارة يقع في الصباح الباكر. وهذه الدورة للحرارة تحدث حتى لو كان الإنسان مستيقظا طوال الليل، أو ملازما للفراش طوال النهار. ووجد كذلك أن الأفراد يختلفون فيما بينهم من حيث المعدل الذي ترتفع به درجات حرارتهم في الصباح، ولعل هذا يفسر لماذا يستيقظ بعضنا مبكرا وفي يسر، على حين يظل البعض الآخر شاعرا بالنعاس في الساعة الحادية عشرة صباحا!.. وقد وجد أيضا أن إفراز البول يتبع نفس النموذج يوميا، بمعزل عن النشاط؛ فتجد أن تدفق البول من الكلى يكون في حده الأدنى خلال ساعات النوم المعتادة، بينما يبلغ ذروته في الصباح. وإن كثيرا من الأحداث الحاسمة في حياتنا- مثل الولادة الطبيعية والإصابات والنوبات القلبية- تكشف على أنها تبلغ ذروتها في الساعات المبكرة من الصباح، بحيث تتزامن مع أضعف حالاتنا الفسيولوجية، وتلقي عبئا ضخما من الإجهاد على قدرتنا على التكيف. وتدل التجارب التي يترك فيها المتطوعون لحرية التصرف في الضوء الدائم على أن الإيقاع اليومي للنوم واليقظة يتأثر تأثيرا ثانويا. والمحاولات الواعية لتغيير طول الدورة باءت بالفشل في معظم الحالات، حيث أن محاولات تغيير دورة النوم واليقظة تغييرا حاسما حتى تصل إلى 48 ساعة عن طريق معالجة مواقيت الإضاءة قد لقيت نجاحا مؤقتا؛ حيث أن المتطوعين استطاعوا العمل يوما مقداره 34 ساعة، ثم ينالون قسطا من النوم مدته 14 ساعة، فقد أفادت التقارير بأنهم كانوا يشعرون دائما بالنعاس وكأنهم في حالة بيات أو كمون.
هذا، وكما توجد أوقات تنزل فيها على القلوب البركات، فإن هناك من الأوقات ما تنزل فيها على القلوب الفتن والشرور والشبهات.. وليس شيئا أجدى وأنفع عند نزول تلك الشرور والفتن، من الاعتصام بحمى الصلاة والدعاء، وقد جاء في الحديث: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير، عودا عودا، فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء).. ووقت نزول الفتن على القلوب هو وقت انكشاف العورات؛ حيث إن لكل إنسان لحظة حرجة، وهي ضربة لازب في حق الرجل والمرأة على حد سواء، وهذه اللحظة الحرجة هي لحظة انكشاف العورات، وليس المقصود بالعورات ما يقصده الناس من عورة الجسد، وإنما المقصود بالعورات اللحظات الحرجة في حياة الإنسان، كالعيوب النفسية والأخلاقية، التي قلما يخلو منها إنسان، ويحاول جهده أن يسترها عن الآخرين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو دوما بهذا الدعاء: (اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا).
ولحظة انكشاف هذه العورات غالبا ما يكون في ساعات الصباح الأولى، ومنتصف النهار، وبدايات الليل، ولذلك فقد نبهنا القرآن إلى أخذ الحيطة والحذر في هذه الأوقات بالذات:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ: مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ، وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء، ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ}النور58
وكما تنكشف العورات، ثلاث مرات في النهار، فهناك عورات خطيرة لكل إنسان تنكشف في العام مرة أو مرتين، تقرر مصير الإنسان أو حياته، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: {أَو َلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ، مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ}التوبة 126 وقد أشار علماء النفس إلى هذه العورات النفسية بألفاظ أخرى فأطلقوا عليها أزمات بدلا من عورات، ومنها على سبيل المثال أزمة منتصف العمر، التي يتعرض لها الإنسان كل سبع سنوات مرة، وتبدأ من سن الخامسة والثلاثين وتنتهي في سن الخامسة والخمسين . وخلال هذه الأزمة تتبدل أحوال الإنسان النفسية ويتعرض فيها لكثير من الاضطراب وعدم الاتزان. إن هذه الأزمات عبارة عن صدمات نفسية تقلب حياة الإنسان رأسا على عقب وتضعه على مفترق طرق، مثل صدمة الفطام، وصدمة الذهاب إلى المدرسة، ومرحلة المراهقة..
وهذه الأزمات السابقة التي يمر بها الإنسان في مراحل عمره المختلفة، تبدو كدورة يومية، يمر بها أو الإنسان تمر به مجتمعة في يوم واحد أحيانا، على مدار يومه وليلته، ولكن بشكل أخف وطأة، وأسرع زوالا. إنها شيء لصيق بكيان الإنسان النفسي تتعاقب عليه وكأنها مضبوطة على ساعة بيولوجية خاصة بكل شخص. ثم إن هذه الأزمات تبدو كدورة شهرية، تمر بالإنسان بشكل أوضح وأجلى أيضا كل ما يقرب من الشهر أو يزيد عليه قليلا، وكأنها مرتبطة بدورة الشمس والقمر، كارتباط المد والجزر؛ وهذا ما جعل القدماء من أهل السحر والتنجيم يربطون مزاج الإنسان وطالعه بالكواكب والنجوم، لأنهم كانوا يظنون أن طلوع كوكب ما يجلب على الإنسان إما السعادة وإما الشقاء، ويؤثر في مزاجه تأثيرا شديد الوضوح.. وقد ذهب \"فيلهم فليس\" وهو من علماء التحليل النفسي الراسخين، إلى أن كلا من الرجال والنساء عرضة لدورة \"ذكورية\" (القوة، التحمل، والشجاعة) مدتها 23 يوما، ودورة من \"الأنثوية\" (الحساسية، والحدس، والحب) مدتها 28، وبامتزاجهما معا يحددان يوما بيوم الحالة العقلية والجسمانية لكل من النساء والرجال.
وفي هذه الأزمات، يكون كيان الإنسان النفسي ونسيجه الروحي، شديد النعومة والحساسية، تؤثر فيه وتمزقه أقل المؤثرات وأضعفها، وتجعل فيه جراحا لا تندمل وأمراضا بعيدة الغور والخفاء.
ونزول الأفكار عبارة عن فيوضات تنزل من السماء، أو هي شيء روحاني يغمر الكون، ويسري في ثناياه كالأثير؛ فيتلقاها كل إنسان بحسب نفسه وإيمانه واستعداده.. وهذا ما جاءت إليه الإشارة بقوله تعالى:{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}(الأعراف143). تدل هذه الآية أنه في تلك الأثناء من حياة بني إسرائيل هيمنت على الكون أفكار ومشاعر متقاربة، وسرت إلى النفوس والقلوب، وهي الرغبة في رؤية الإله مجسدا، أمام العين، فهذه الأفكار تلقاها موسى فعبر عنها بقوله:{ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} وبالتالي، فإن هذه النزعة النفسية عندما غشيت الكون، غشيت فيمن غشيت موسى وقومه على حد سواء، فاستبدت بهم الرغبة كذلك في رؤية الإله مجسدا، في نفس اللحظة التي استبدت تلك الرغبة بموسى، وهي طلبه رؤية الله عز وجل؛ فقد كان موسى عليه السلام هناك في الجبل يطلب النظر إلى الله عز وجل، بينما كان قومه من ورائه يطلبون نفس الطلب من هارون خليفة موسى في بني إسرائيل، كما أشارت إلى ذلك آيات القرآن الكريم:{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ..}الأعراف148
ومن الأمثلة على ذلك ما حدث يوم بدر عندما أنزل الله عز وجل مشاعر الرعب والفزع على ساحة المعركة، فإنه كان من المفترض أن تغمر تلك المشاعر المرعبة كلا الفريقين المتحاربين في ساحة القتال، لذلك فإن الله أنزل ملائكة لتحمي قلوب المؤمنين من هذه المشاعر النازلة حتى تشمل الكفار وحدهم، وتمنع وصولها إلى قلوب المؤمنين، وهذا ما جاءت إليه الإشارة بقوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ؛ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ.. فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}(الأنفال12).
إن تلك الفتن أشبه شيء بالمطر الذري الملوث الذي لا يفرق بين إنسان وآخر، كما قال تعالى:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خاصة}(الأنفال25). ولذا، فقد كان من أسباب عدم استجابة طلب الكفار بإنزال الحجارة عليهم، أن بينهم يوجد مؤمنون، وبالتالي فلو نزلت الحجارة فلن تفرق بين مؤمن وكافر، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }(الأنفال33) وكما جاءت الإشارة أيضا بقوله تعالى:{لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }(الفتح25). ومعنى \"لو تزيلوا\" لو انفصل بعضهم عن بعض في المساكن والأعمال والأسواق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.