كثرة النوم في نهار رمضان تكاد تكون ظاهرة في غالب الدول العربية والإسلامية، فرمضان يعني قلة الإنتاج، وقلة عدد ساعات العمل، ويترتب عليه كثرة النوم بالنهار، وكثرة الطعام في الإفطار، وكثرة السهر في الليل ليس تعبداً، ولكن مشاهدة للتلفاز، أو خروجاً في سهرات «رمضانية»، وربما يكون السهر حتى قبل الفجر، فتتناول الأسر والأفراد طعام السحور مبكراً وليس مؤخراً كما هي السُّنة، وقد ينتهي الأمر بضياع صلاة الفجر!! تلك صورة لعدد غير قليل وشرائح كثيرة من أمة الإسلام في رمضان، مع عصر العولمة والانتفاخ الثقافي والإعلامي وثورة الاتصالات، فما رأي العلماء في هذه الظاهرة، وهل صحيح أن كل هذا لا تأثير له على الصيام؟ ترك واجبين الشيخ «صالح بن فوزان الفوزان» (عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية) يقول في رد على سؤال حول حكم من نام نهار رمضان كله، ولا يستيقظ إلا عند الإفطار: «إن من نام نهار رمضان كله؛ فصيامه صحيح إذا كان نوى الصيام قبل طلوع الفجر، ولكن يحرم عليه ترك أداء الصلوات في مواقيتها، وترك صلاة الجماعة إن كان ممَّن تجب عليه صلاة الجماعة، فيكون قد ترك واجبين يأثم عليهما أشدّ الإثم؛ إلا إذا كان ذلك ليس من عادته، وإنما حصل منه نادراً، مع نيته القيام للصلاة. وبالمناسبة فإنه من المؤسف جدّاً أن كثيراً من الناس اعتادوا السهر في رمضان، فإذا أقبل الفجر؛ تسحروا وناموا جميع النهار أو معظمه، وتركوا الصلوات، مع أن الصلوات آكد من الصيام وألزم، بل لا يصح الصيام ممن لا يصلي، والأمر خطير جدّاً، والسهر الذي يسبب النوم عن أداء الصلاة سهر محرم، وإذا كان سهراً على لهو ولعب أو فعل محرمات فإن الأمر أخطر، والمعاصي يعظم إثمها ويشتدُّ خطرها في رمضان وفي الأزمنة والأمكنة الفاضلة أشدّ من غيرها». استغلال الوقت الشيخ العلامة «عبد العزيز بن باز» يرحمه الله يوصي الصائم باستثمار وقته وعدم إضاعته بالنوم فيقول: «لاحرج في النوم نهاراً وليلاً إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم سواءً كان صائماً أو غيره عدم السهر بالليل، والمبادرة إلى النوم بعدما يسّر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان؛ لأن السحور سنّة مؤكدّة وهو أكلة السحر، لقول النبي [: «تسحروا فإن في السحور بركة» (متفق عليه). وقوله [: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» (رواه مسلم). كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره، وأداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها للحكومة أو غيرها، وعدم التشاغل عنها بنوم أو غيره، وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يحتاج إليه هو ومن يعول. والخلاصة: إن وصيتي للجميع من الرجال والنساء والصوام وغيرهم هي تقوى الله جل وعلا في جميع الأحوال، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها على الوجه الذي شرعه الله، والحذر كلّ الحذر من التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره من المباحات، وإذا كان التشاغل عن ذلك بشيء من المعاصي صار الإثم أكبر والجريمة أعظم» (فتاوى الشيخ ابن باز 4/156). التقوي على القيام الشيخ «عبد الله بن جبرين» يرى أنه لا بأس بالنوم في نهار رمضان لراحة البدن وللتقوي على قيام الليل ولترك الخوض مع الخائضين فيما فيه مضرة كالغيبة واللهو والباطل، وقد ورد في حديث مرفوع «نوم الصائم عبادة» (رواه البيهقي)، ولكن كثرة النوم تفوت خيراً كثيراً، فإن الإنسان مطالب بأعمال دنيوية كالحرفة والتكسب والعمل في طلب الرزق، فمتى نام أكثر النهار فإنه فاته خير كثير، وكذا يشرع في رمضان الإكثار من الذكر والدعاء وتلاوة القرآن؛ فيندب اغتنام الأوقات الفاضلة وعدم إضاعتها في النوم الكثير ولكن النوم أفضل من اللهو واللعب والقيل والقال والخوض في أعراض الناس؛ فإن ذلك مما ينقص أجر الصيام لحديث «ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث». عبادات شتى الشيخ «محمد بن صالح العثيمين» يرحمه الله، فيؤكد أن الرجل الذي ينام طوال النهار ولا يستيقظ، فهو جانٍ على نفسه، وعاصٍ لله عز وجل بتركه الصلاة في أوقاتها، وإذا كان من أهل الجماعة فقد أضاف إلى ذلك ترك الجماعة أيضاً، وهو حرام عليه ومنقص لصومه، وما مثله إلا مثل من يبني قصراً ويهدم مصراً، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسب ما أمر الله تعالى بها، والله عز وجل يقول: {إنَّ پصَّلاةّ كّانّتً عّلّى پًمٍؤًمٌنٌينّ كٌتّابْا مَّوًقٍوتْا 103} (النساء). أما إذا كان يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة، فهذا ليس بآثم، لكنه فوت على نفسه خيراً كثيراً؛ لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم، حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرَّنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك، فنصيحتي لهذا ألا يستوعب وقت صيامه في نومه، فليحرص على العبادة. وقد يسر الله والحمد لله في وقتنا هذا للصائم ما يزيل عنه مشقة الصوم، من المكيفات وغيرها مما يهون عليه الصيام. للناس أحوال الشيخ عطية صقر يرحمه الله (رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً) يفرق بين أحوال الناس في النوم في نهار رمضان، فللناس أحوال فيه: الحالة الأولى: أن الصائم الذي يتعرض أثناء صيامه لأمور تتنافى مع حكمة الصيام بسبب اندماجه مع المجتمع كالكذب والغيبة، والنظر المحرم، وغير ذلك، سيكفه نومه بالنهار عن هذه الأمور المنكرة. وذلك صورة من صور العبادة فهو عبادة سلبية كالصدقة التي قال النبي [ في وجوبها على كل مسلم لا يجد ما يتصدق به، ولا معونة من أي نوع كان قال: «فليمسك عن الشر فإن إمساكه عن الشر صدقة»، (رواه البخاري ومسلم). ومن هنا يكون نومه صواباً وعبادة. الحالة الثانية: الصائم الذي يؤثر النوم على العمل الإيجابي المنتج مخالف لأوامر الدين في وجوب استغلال طاقة الإنسان في عمل الخير، ومخالف كذلك للأوامر الدينية التي تنفر من العجز والكسل. فالنبي [ أمر أبا أمامة بالاستعاذة منهما حتى يذهب الله همه ويقضي دينه، كما روى أبو داود. فالإسلام دين حركة، وعمل وإنتاج والصائم يمكنه ذلك في حدود الوسع والطاقة، ولم يقف الصحابة عن العمل وهم صائمون، بل وقعت كبرى المعارك في شهر رمضان، وعلى رأسها موقعة «بدر» والفتح الأعظم بمكة المكرمة. ومن هنا يكون نوم الصائم خطأ، وليس عبادة. وإذا كانت بعض الدول تخفف من العمل في شهر الصيام، فلا يجوز أن يستغل ذلك لمزيد من الكسل والتهاون، فالعمل الصالح في ظل الصيام له ثوابه الجزيل. كما أن شهر رمضان شهر عبادة ليلاً ونهاراً: أما بالليل فبالقيام بصلاة التراويح وقراءة القرآن، وأما بالنهار فبالصيام، والجزاء على ذلك وردت فيه نصوص كثيرة، وفي حديث واحد جمع ثواب الصيام والقرآن، فقال [: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: يا رب منعته الطعام والشهوة بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان» (رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه). ولو نام الصائم طوال النهار فصيامه صحيح، وليس حراماً عليه أن ينام كثيراً ما دام يؤدي الصلوات في أوقاتها، وكان النوم مانعاً له من التورط في أمور لا تليق بالصائم، وتتنافى مع حكمة مشروعية الصيام، وهي جهاد النفس ضد الشهوات والرغبات التي من أهمها شهوتا البطن والفرج، ويدخل في الجهاد عدم التورط في المعاصي مثل الكذب والزور والغيبة، فقد صح في الحديث: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاري). وخلاصة القول إن النوم بنهار رمضان لا يؤثر على صحة الصيام، فالصيام صحيح من حيث الأداء، والناس تختلف أحوالها فيه، فإن كان الصائم الذي يكثر النوم لا يضيع الصلوات، فهو نوم جائز، ولا إثم عليه، لكنه يكره له كثرة النوم لعدم انشغاله بالطاعة. أما إن كان ينام قليلاً، خاصة وقت القيلولة ليقدر على قيام الليل والذكر وقراءة القرآن، فهذا يثاب على نومه وفعله. وكذلك الحال إن كان يخشى على نفسه ضياع وقته في الغيبة والنميمة وارتكاب المحرمات؛ فإنه يثاب بنيته، مالم يضيع الفرائض. لكن الإثم واقع على من أفرط في النوم بسبب السهر بالليل على غير طاعة، فهو ينام النهار لكثرة سهره بالليل، ويتأكد الإثم أكثر إذا كان يضيع الصلوات ولا يؤديها في أوقاتها. وأكمل المؤمنين حالاً في رمضان من يسير على ما كان عليه الرسول [ من الاجتهاد في رمضان، والإفادة من فيوضاته ونفحاته، وإن كان لابد من النوم، فالسنة النوم وقت القيلولة مع أخذ قسط من النوم بالليل، حتى يرضي ربه، ويريح جسده، ويجمع بين خيري الدنيا والآخرة، ذلك أن الله تعالى ارتضى لهذه الأمة أن تكون متميزة عن باقي الأمم، وقد منحها رمضان فرصة عظيمة لتعوض قصر أعمارها، فليس من الحكمة ضياع الفرص والعمر بكثرة النوم وكثرة المعاصي.