[email protected] القوات المسلحة السودانية ، أو بالأحرى قوة دفاع السودان حاربت مع قوات الحلفاء في كرن والعلمين والمكسيك عندما كان السودان محتلاً من قبل الأمبراطورية البريطانية التى لا تغيب عنها الشمس.والجيش السودانى أخرج من عباءته ثوار 1924 من جنس عبد الفضيل الماظ وعلى عبد اللطيف . والجيش السودانى حمل عبء مشكلة جنوب السودان على كاهله خمسين عاماً حسوماً بكل قياداته المشهورة كالهجانة في الأبيض والقيادة الغربية في الفاشر والمدفعية في عطبرة وقيادات الأسلحة المختلفة في الخرطوم . والجيش السودانى شارك في كافة الحروب العربية الأسرائيلية. والجيش السودانى وضع أسس التدريب الحديث للكثير من الدول العربية سيما وأن جيشنا كان تربيته عسكرية بريطانية في غاية الأنضباط . ولا يخلو بيت في السودان من جندى من القوات المسلحة حارب لأعلاء كلمة الوطن . البوليس السودانى كان أشهر من نار على علم . وتمكن البوليس السودانى من حل ألغاز كبريات الجرائم الغامضة . وكان الدافع الوطنى هو الملهم الرئيسى لقوات الشرطة فى المثابرة والأجتهاد في التحرى . وتطورت قوات الشرطة عبر السنون حتى باتت تمتلك أفضل الأمكانات. وكانت العون الأول للقوات المسلحة في درء الأخطار عن السودان. ولا يخلو بيت في السودان من جندى شرطة بذل دمه من أجل رفعة هذه البلاد. وهكذا كان الشعب والجيش والشرطة شيئاً واحداً يجمعهم حب الوطن. ثم استحدث جهاز الأمن القومى ثم جهاز أمن الدولة في عهد الرئيس نميرى . ثم جهاز المخابرات الوطنى في عهد الأنقاذ. وبدأت مع هذه الأجهزة عملية تجيير خدمة أبناء السودان للمصالح الحزبية الضيقة. وكان ينبغى أن تهتم هذه الأجهزة الأمنية بقضايا الأمن القومى للبلاد كالتجسس والأرهاب وتهريب وغسيل الأموال وتجارة الأسلحة والمخدرات والتزويربكافة أشكاله وأنماطه ...الخ القائمة الطويلة التى تعد الميدان الرئيسى لعمل أجهزة المخابرات. وينبغى أن يتكامل عمل هذه الأجهزة مع دور القوات المسلحة والشرطة والقوات النظامية الأخرى للحافظ على المقدرات الأقتصادية والأجتماعية لهذه البلاد. ولكن لأننا أمة لا تعتز بتاريخها الناصع . وتحب أن تتراجع عن انجازاتها الوطنية الرائعة وتستبدلها باستيراد أفكار من شعوب لا تشبهنا لاشكلاً ولا موضوعاً ، مثل أفكار السافاك الأيرانى في عهد الشاهنشاه ، والموساد الأسرائيلى ، وممارسات أجهزة أمن الفارس العربى صدام حسين ، ثم اقتباس أسوأ ما في الكى جى بى الروسى والسى آى ايه الأمريكانى ، ولأنناغسلنا أدمغة شبابنا بأن العدو الأول للأسلام والمسلمين ليس الكيان الأسرائيلى ، ولا الأرهاب الدولى ، ولا عصابات الجريمة المنظمة...وهلمجرا ، وانما العدو الأول للسودان هم أفراد المعارضة من السودانيين الطامحين الى الحرية والديموقراطية وسيادة القانون الذين ينبغى أن توجه اليهم أنظار المراقبة الأمنية بحيث يتم تأديبهم و تدجينهم ، نقول لأننا فعلنا كل ذلك ، فقد طورنا جيلاً من رجال الأمن لم يتورع عن تصدير اليهود الفلاشا الى اسرائيل ، وتصدى زؤساؤهم للدفاع عنهم بقولهم أنهم كانوا يؤدون واجبهم فحسب ، وأى واجب مخزى؟؟؟.....وظهرت أجيال بعد ذلك عملت أعمالاً دون ذلك أو أكثر من ذلك في جميع مناطق السودان ، في دارفور والجنوب والشمال....الخ ومن يومها بدأت الفجوة النفسية و الأجتماعية بين أجهزة الأمن وبين الشعب تنمو وتكبر مثل كرة الثلج . وبدأ الحب والتقدير لرجال الجيش والشرطة وأجهزة الأمن يضمحل الى درجة مريعة من التردى و الشكوك والتوجس والخيفة ، ذلك لأن المواطن السودانى العادى بدأ يحس أن هذه الأجهزة ليست من شاكلة ما خبره وألفه من القوات النظامية التى وفرت له الحماية طيلة تاريخها الملىء بالعز والفخار، وانما يتم تجهيزها لغايات أخرى من بينها استئناس انسان السودان كحيوان برى لا يتم استئناسه الا بالعصا لمصلحة الأنظمة السياسية القائمة ، من شاكلة التهديد والوعيد ثم التدرج الى عوالم أخرى لم تألفها الروح والنخوة والشهامة السودانية. وشهدنا مؤخراً قضية بنطلون لبنى التى ألقت بظلالها القاتمة على الممارسات الحكومية في الداخل والخارج . وبدلاً أن تحس الدولة بخطورة تلك التصرفات على ملفاتها في منظمات حقوق الأنسان ( والدولة ما ناقصة اتهامات ) ، بل وفي نظرة المجتمع السودانى السلبية الى هذه الأجهزة وهى الأهم ، وبدلاً من أن تصدر لعناصرها التوجيهات الصارمة في هذا الشأن ، فوجئنا بالفيديو الثانى الذى ضربت فيه ( فتاة الفيديو ) ضرب غرائب الأبل وعلى عينك يا تاجر ، ثم بعد ذلك انفجرت قضية صفية اسحق كالقنبلة الموقوتة التى تقول لنا بالحرف : ان الأجهزة الأمنية التى من المفترض أن تكون قومية الهوية والمنوط بها حماية المواطنين ، ما هى الاّ مخلباً من مخالب الحزب الحاكم. ان اغتصاب صفية اسحق هو مثال بسيط لما سيحدث لأى فتاة تعارض نظام حزب المؤتمر الوطنى ( أى الصعلوكات من الحركة الشعبية والحركات الأخرى حسب توصيف أحد عناصر الأمن لأحدى المعتقلات التى نقلته لمراسل فضائية الحرة وتم بثه على الهواء مباشرة من الخرطوم بتاريخ 2/3/2011 . على آباء وأمهات البنات في السودان أن يستعدوا لمثل هذا النوع من الأفتراس المريض لبناتهم اذ ليس هناك من ستكون بمنأى عن ذلك – ( تعاطت السياسة كصفية أم لم تتعاطاها) - اذ يكفى فقط أن تكون صغيرة وجميلة ، رغم أن تهمة النشاط السياسى هى شرف لا يدعى . وقد بدأت عمليات الأغتصاب التى كنا نسمع عنها في دارفور- بدأت تدق أبوب العاصمة القومية بعنف. أن الذين يقومون بهذه الأفعال غير الأنسانية محصنون ضد السؤال والعقاب ، وهم مدعومون من جهات عليا غير منظورة. ان الحقوق التى اكتسبتها المرأة السودانية عبر نضالها الطويل تتساقط كأوراق الخريف بالتحرش الجنسى والأغتصاب لعدم ايمان هذه الأجهزة بحقوق النساء. ان الحراك الأقليمى حول السودان ينبغى ألا يفتح شهية السودانيين للتحرك ضد الحكومة سيما أن هناك من الأساليب الرادعة والقهر المذل ما يثبط الهمم ويوهن العزائم . ويأتى على رأس تلك الأساليب ، الأغتصاب والضرب والتعذيب. ولكن فى حقيقة الأمر ان حصاد الهشيم هذا أفرز عكس ما كان يرمى اليه مخططوه كما يلى : ان صفية اسحق هى بنت لكل الآباء والأمهات في السودان . وقد أظهرت شجاعة فائقة وازدادت معرفة بذاتها ومقدرتها وكينونتها مما جعلها أنقى وأصلب ممن استباحوا جسدها ، بل وأصبحت مثلاً يحتذى في العفة والنزاهة والتحدى والمواجهة التى عجزعنها خفافيش الظلام . ومن المعلوم أن الأجساد زائلة ولا تبقى الاّ الروح التى هى من أمر ربى . وان شاء الله ستكسب صفية صفاء روحياً في الدنيا والآخرة . بينما الذى خبث لا يخرج الاّ نكدا. ان ما لحق بصفية لم يزد أمهاتها وأخواتها وأخوانها الاّ صلابة وأصراراً مما نراه من اعتصامات وحراك اجتماعى أكد على دور المرأة السودانية المميزوالذى ربما هو أكثر تميزاً من دور الرجل في هذا العصرالردىء. ان ما حاق بصفية أضاف بعداً مأساوياً نوعياً لأنتهكات حقوق الأنسان وحقوق المرأة تحديداً في السودان بما في ذلك حقوق نساء المؤتمر الوطنى وأخوات نسيبة ان كن لا يعلمن ذلك ، لما فيه من تمييز جندرى يستهدف شرف المرأة حصرياً لأذلالها وبالتالى اذلال الرجال من حولها. ان الدفاع عن الحكومة باستخدام أساليب القوة المفرطة والبطش لن يؤمن للدولة الحماية بأى حال من الأحوال ، بل يؤدى فقط الى تأجيج نيران الكراهية والانتقام . ولاشك أن تأمين النظام يتأكد ببسط الشورى والديموقراطية واحترام حقوق الأنسان ومكافحة الفساد واشاعة العدل والمساواة. أن التحقيق الجاد من قبل الأجهزة القضائية المختصة حول هذا الموضوع ينبغى أن يتم بأسرع فرصة ممكنة حتى تأخذ بنتنا صفية حقوقها كاملة ، بل حتى يطمئن السودانيون كافة بالتأكد من الأستئصال التام لشأفة هذا السرطان المخزى الذى يجب ألاَ تقوم له قائمة بعد اليوم . وينبغى ألاّ تختبىء الحكومة وراء سياسات النفى والتكذيب التى درجت على اتباعها في كل أمر جلل مما يصنفها في خانة الشريك في الجريمة . ان دورعلماء الدين لدينا ، الذين غضوا ويغضون الطرف عن الفساد المستشرى في البلاد كل يوم ، ويخرّجون له المبررات ، ويقصرون نشاطهم فقط على قضايا الأحوال الشخصية ، انما هو دور مفصلى في هذه القضية بالذات. فهل نطمع أن تجد قضية صفية التفاتة صادقة منهم ، أم سيعتبرونها مخالفة للشرع والدين لخروجها للشارع للتعبير عن معارضتها للظلم الذى لم يستطيعوا هم أن يعارضوه خوفاً أو طمعاً. ان المراجعات الدورية لأداء أجهزة الأمن أمر في غاية الأهمية حتى لا يقوم متطرفون أو منحرفون ممن تتملكهم الأهواء من استغلال السلطة الواسعة التى تمنح لهم في ايذاء الناس وبالتالى ايذاء الدولة نفسها.