مستعدون أم تراوغون؟ سليمان حامد الحاج التصريحات المتناقضة التي تدلي بها قيادات متنفذة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، رغم أنها صارت منهجاً مستقراً في سياساته، إلا أنها في ذات الوقت أصبحت مكشوفة أمام الشعب السوداني وبخاصة الأطراف التي تتفاوض معه. هذه المرة فأن التصريحات مع ماتحمله من تناقضات ، تستبطن في جوفها نوايا بالغة الخطورة.بل ربما تؤدى إذا نفذت إلي عواقب وخيمة. وسيكون النظام الحاكم أول ضحاياها. مايؤكد ذلك التصريح الذي أدلى به رئيس وفد الحكومة في مفاوضات الدوحة بقولة أنه لايوجد لدى الحكومة مانع من التفاوض بصورة مباشرة مع الحركات لإزالة الخلاف .مع التزام الوساطة بالسقف الزمني الذي قطعته في فبراير المنصرم! هذا التصريح يجُبُّ ماقاله السيد الرئيس الجمهورية عمر البشير مؤكداً أنهم لن يتفاوضوا مع الحركات المسلحة سواء وقعت أم لم توقع على الأتفاق النهائي . وكان ذلك مرتبطاً بسقف زمني حدده ثم مدده ثم تراجع عنه كلياً عندما أعطى الضوء الأخضر للوفد المفاوض أن يواصل الحوار مع الحركات المسلحة ووضع سقف زمني جديد. فماذا يعنى كل هذا المد والجزر في الخطاب السياسي لقيادة في قمة السلطة .أنه يعنى شيئاً واحداً، التسويف والمراوغة لكسب الوقت حتى يصبح الوضع الراهن في دارفور أمراً واقعاً مع طول الزمن .يستبين ذلك في أن هذه المفاوضات التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات مازالت تراوح مكانها. أما الحديث عن تنفيذ 90% من بنود الحوار فلا يسنده أيُّ واقع. فالمطالب الأساسية لأهل دارفور وعلى رأسها الأقليم الواحد ونائب لرئيس الجمهورية والمحاسبة لكل من إرتكب جريمة في حق أهل دارفور وتقديماً لمحاكمة مهما كان منصبه في الدولة ، وأعادة من هم في الشتات إلي ديارهم الأصلية التي اقتلعوا منها وغيرها لم يتم أيُّ إتفاق حولها نتيجةً لرفض المؤتمر الوطني لمعظم هذه المطالب التي تمثل حجر الرحى في أزمة دارفور . كان رئيس أمين العلاقات السياسية بحركة العدل والمساواة محقاً عندما ذكر أن سقف التفاوض لا يحدد مسبقاً قبل بدء جولة المفاوضات (لأننا لسنا في حلبة سباق يتوقف عند أطلاق صافرة النهاية). ويؤكد قوله هذا حقيقتان: أولاهما: عدم وصول الحركات المسلحة وعلى رأسها حركة العدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم لوجوده في ليبيا .وعدم حضور منى أركو مناوى الذي تخلى عن إتفاق أبوجا. وأكد الوسيط الأممي الأفريقي المشترك في أزمة دارفور جبريل باسولي أن جهداً كبيراً يجب أن يبذل لتشجيع حركة تحرير السودان منى أركو مناوى على التمسك باتفاق السلام لدارفور (يعنى أبوجا) لأن تخليه منها لن يدفع الجماعات المتمردة الأخرى للاتفاق مع الحكومة لأنهاء النزاع. ثانيهما: حديث الدكتورغازى صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية ومسؤول ملف دارفور عن أن زيارته للدوحة ليست تفاوضية لأن الحكومة ليس لديها وفد تفاوضي كما كان في السابق. لمة الوفد المكلف –كما قال- هو النظر في الوثيقة النهائية التي تقدمها الوساطة وإبداء الملاحظات عليها ولا توجد مفاوضات . فكيف يستقيم هذا مع ماقاله أمين حسن عمر رئيس لجنة المفاوضات (لايوجد لدى الحكومة مانع التفاوض)!! حزب المؤتمر الوطني الحاكم يتحمل كل المسؤولية التي تنتج عن عدم التوصل لإتفاق مع كافة الفصائل الدارفورية المسلحة والقوى السياسية المعارضة مجتمعة، وإصراره على الحلول الثنائية التي أصبحت منهجه في التفاوض للانفراد بكل على حده لفرض شروطه بمختلف الوسائل. لقد أنتهى هذا الواقع في معظم المنطقة العربية التي تشهد حراكاً جماهيرياً واسعاً من أجل الديمقراطية وحرية الرأى الآخر واختيار الحكم الذي يرتضيه الشعب .تجسد ذلك في المظاهرات والثورات التي تشهدها المنطقة ضد حكوماتها الشمولية الفاسدة. فإن كان حزب المؤتمر الوطني الحاكم يعتقد أن شعب السودان هو استثناء ، فهو غارق في الوهم .وهذا ما يؤكده الواقع المر الذي تعيشه الأغلبية الساحقة في البلاد. ويتصاعد غضبه ويزداد أوراً يوماً بعد الآخر مع تزايد عدد القتلى بين المسيرية والدينكا في أبيي نتيجة للفتنة التي يزرعها النظام وتصعيد الحرب في دارفور واعتقالات المعارضين وضرب المظاهرات بكل العنف والوحشية وهضم حقوق العاملين مثل الأطباء وغيرهم والتشريد الواسع في القطاعين العام الخاص.والتصاعد اليومي في أسعار أهم السلع مع انعدام الخدمات وارتفاع أسعار الماء و الكهرباء. كل ذلك يفاقم من السخط وحتماً ستأتي اللحظة التي يحدث فيها الانفجار العام. ولا نمل تكرار القول أن تنظيم الجماهير في أماكنها والإلتصاق اليومي بالنضال معها ومطالبها اليومية هو الذى يسهم في جعلها أكثر استعداداً للتغير بكل التضحيات. وما حدث في مصر وتونس ويجرى الآن في لبيبا وغيرها أمثلة حية تؤكد مقدرة الجماهير على التغيير والصمود في وجه كافة أنواع البطش وأسلحة القهر. الميدان