[email protected] ما حدث من تحركات شعبية - ومهما صغرت أو أُجهضت - تُضاف إلى رصيد شعبنا وقواه السياسية الوطنية. ولعل من بين أهم فوائدهذه التحركات هي جعل النظام في حالة هلع وإستنفار دائم على مدار ال 24 ساعة.. هذا إلى جانب زرع الثقة بكسر حاجز الخوف النفسي وتكثيف الثقة في قوة وجدوى الحراك الشعبي وإنكشاف عورة النظام وضعفه بلجوئه إلى الأساليب الإستباقية فإن لم تفِد عاد إلى أساليبه القديمة كالقمع العنيف والإعتقال , هذه الأساليب التي يحاول قدر الإمكان تجنبها لما يترتب عليها داخلياً ودولياً من إحتجاجات وإدانات. فحالات الإستنفار المتكررة للجهات الأمنية , والتي إندمجت الآن في وحدة واحدة أو صارت تحت أمرة جهة واحدة هي جهاز الأمن, والذي أصبح يصدر الأوامر للشرطة للتحرك ويأمرها بالقمع الذي يتجاوز الحدود والقوانين بإستعمال القوة المفرطة ضد العزل , أو بإحلال عناصر جهاز الأمن مكان أفراد الشرطة ليقوم أفراد الأمن بذلك ويحسب هذا على الشرطة. حالة الإستنفار الدائم هذه يقابلها في الأمثال الشعبية السودانية (سهر الجداد و لا نومو) , وهي من حالة ماثلة اليوم تستدعيه هبات الشعب ضد نظام باطل شرعيآ وفاسد أخلاقيآ وسياسيآ ومفسِد, ويعلم أن الزمن وموازين القوى لا تسير في مصلحته. سيكون من نتائج ذلك الإستنفار المتواصل أن بعض أفراد هذه الأجهزة الأمنية سيصيبه الملل , وبعض آخر يمتلك لا زال ضميره , فيصحو هذا الضمير، وعندها يترك هذه المهنة التي تعطل العقل والضمير والأخلاق وتسير ضد مبادئ الدين والإنسانية. فمثله يكون قد دخل أحد هذه الأجهزة وهو لا يدري سوءها بصورة كاملة , فتتبين له من خلال الممارسات التي تقوم بها سواء تلك اللا إنسانية أو تلك اللا أخلاقية أو تلك اللادينية. إذن فمن منتسبي هذه الأجهزة من سيبتعد , ومنهم من سينتمي لقضايا شعبه وأهله طالما أحس بعدالتها , ومنهم من سيستمر لدواعي الشر المتأصلة فيه ؛ فهو والحزب الحاكم ومجرميه من طينة واحدة , لهذا سيكون مصيره الحتمي نفس مصيرهم. هناك أيضاً بعد آخر وهو فقدان المؤتمر الوطني لأجزاء من عضويته خاصةً الشبابية الأمر الذي أجبر البشير بعد تنامي هذه المسألة على الإجتماع بهم ومحاولة إجراء عملية غسيل دماغ لهم , ولكن أثناء الإجتماع تحول همسهم جهراً فأخذوا يتحدثون عن قضايا مثل الفساد والإبتعاد عن الدين والغلاء والعطالة والفقر والقمع إلى جانب الكثير من الذي يرون أن شعبهم يعاني من وطأته. وفوق كل ذلك فإن هذا النظام لا يوجد ما يشفع له أمام الله والشعب لعدة أسباب , منها : إنه نظام إنقلابي في منشأه وغير دستوري. هو نظام أقلية , كان ولا يزال بحساب الموازين السياسية, ولا يمثل في اكثر نسبه 5 %. إنه نظام دموي منذ نشأته , ولا يزال , يشهد ضده بذلك آلاف الضحايا من الشهداء إلى والمعاقيين إلى الذين أختاروا المنافي وطناً بديلاً جراء هذه السياسات. هو نظام إرهابي بطبعه , وليس ببعيد عن الأذهان إستقدامه لعتاة الإرهابيين الدوليين مثل كارلوس وأسامة بن لادن وتوفير المأوى والمقدرات والمعينات لهم لنشر الإرهاب على نطاق دولي, وإن كان النظام قد باعهم أخيرآ لأسباب منها الإنتهازي النفعي ومنها الإنبطاحي. وهذا ديدن مؤصل ومتأصل فيه , فقد باع حتى دماء الشباب الذين دفع بهم إلى محرقة الحرب الأهلية وعاد واستنكر عليهم تسمية شهيد .. وباع إعاقات وجراح جنوده ومنسوبيه بتركهم يتسولون حقوقهم التي يستفيد منها زبانية وسماسرة النظام. هو نظام إحتكاري , يؤمن بنظرية يسميها “التمكين" وتتلخص هذه النظرية في إبعاد كل من لا ينتمي لهم تنظيميآ أولا يقدم تنازلات في عملية بيع وشراء للضمير , ثم إحلال جماعته , حتى وإن كانت تفتقر للعلم والمعرفة والخبرة , ولا نتحدث عن الإستقامة والأخلاق , لأنها غير معترف بها ولا توجد في قاموسهم وهذه هي طبيعة البرقماتيين ! ومن هنا أبعدوا - خلال واحدة من تسمياتهم المضحكة- الآلاف من وظائفهم ومهنهم بما أسموه (الصالح العام). هذه المحاباة إلى جانب تخوفهم من الآخَر هي التي أدت إلى هذه الجيوش من العطالى والمتعطلين, من مختلف الأعمار خاصة الشبابية , ما تسبب في كثير من التشوهات السلوكية والتي كانت قبل مجيئهم من المنكرات والمستهجنات في أخلاق و أعراف أهل السودانيين بمختلف أديانهم ومعتقداتهم وإنتماءاتهم القبلية والسياسية. أتت هذه المحاباة خدمةً لمنتسبي النظام وجزاءا , ثم وكراهيةً في شعب ظل على الدوام يلفظهم ويرفض عنفهم وسلوكياتهم المفارقة للدين والعرف والأخلاق , ولخوف النظام وتخوفه من كشف الفساد الذي يمارسونه في حالة إن تم تعيين آخرين من غير منتسبيه - الفساد الذي أصبح سمة عالقة بهم جميعاً , من قمة الرأس إلى أخمص القدمين. نظام بهذه المواصفات وبصورته هذه, كان لابد له من توفير حماية تحميه وتحمي فساده فوجد ضالته في بقايا أمن نميري ، والذي كانت عضويته (حين كانت تحت مسمى الجبهة القومية الإسلامية) تمثل هيكله الأساسي. فقام بإنشائه لآداء هذه الأدوار, وقام بتدريبه وتحت إشراف لصيق من بعض رموزه الذين يتسنمون الآن مناصب عليا ضمن تشكيلة النظام. وقد قام النظام بتدريب قادته على أشكال القمع والتعذيب بدول أشتهرت بهذا المجال مثل إيران ، والتي تلقى بها تدريبات بعض من لا يزالون من ضمن قيادات تنظيمهم ومتنفذيه. ولكسب ولاء هذا الجهاز كان لابد من ربط أفراده بسلاسل المنفعة , فتم ذلك بزيادة الرواتب والبدلات , وبالتسليح المبالغ فيه , حتى أضحى ما يُصرف على الأجهزة الأمنية كافة يفوق 70 % من ميزانية الدولة ما أثر على القطاعات الأخرى مثل التعليم والصحة وذلك برفع الدعم الكامل عنهما. من ثَمَّ تمَّ ربط الأجهزة الأمنية بمشاريع إقتصادية كبرى وتمليكها شركات ووسائل إعلام.. إلخ مع توفير حصانة وحماية تحمي تجاوزاتهم التي لابد منها حين ممارستهم واجبات وتعليمات الوظيفة. لهذا أصبحوا أصحاب مصلحة في بقاء نظام يقدم لهم كل هذه الإمتيازات وأصحاب بطش غير مألوف. هذا نظام عنصري وخير مثال على ذلك , من ضمن الأمثلة الكثيرة , ما تنضح به صحيفة مثل الإنتباهة والتي تكفينا ,لوحدها, مؤنة إيراد أمثلة أخرى وما أكثر الأمثلة والإستشهادات. هذا نظام أتى ومن ضمن أجندته تقسيم البلاد تقسيمآ أساسه عنصري وديني(ما يعرف بمثلث حمدي) , فتم فصل الجنوب وفي الطريق جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور..إلخ هذا نظام لا يضع للأعراف والأخلاق أهمية, فهو لم يتردد في إبعاد رئيسه ومُنظِّره الترابي , ثم شن حملة \"إغتيال شخصية\" منظمة ضده ما يشي بعدائيتهم وضعفهم الأخلاقي , حين شككوا حتى في عقيدة الرجل على لسان كبار قادتهم. فالقائل : (قلت للبشير إذهب للقصر رئيسآ وسأذهب للسجن حبيسآ) وذلك في أول منعطفات الإنقلاب , بغرض التمويه على ماهية الإنقلاب ها هو أصبح , وعند كل منعطف , حبيسآ, وهاهو الآن رهين المحبس دون تهم محددة ودون محاكمة! هذا نظام فرط في تراب الوطن -حلايب مثلآ- وفرط في سيادتها- تواجد القوى الدولية بأرض ما تبقى من السودان- إضافة إلى أن رئيسه مطلوب مع رموز أخرى للمحكمة الجنائية الدولية. كل هذا الأسباب وغيرها تجعل إستمرار النظام أمرآ ضارآ ومدمرآ فوق أنه ضد إرادة شعبه وأمانيه , للعيش في سلام كما كان , وللتقدم والرفاه اللذَين ينشد .. هذا الشعب الذي سيقتلعه, قصر أم طال الأمد. فشعب يقع 95 % من أفراده تحت خط الفقر -وبشهادة جهة حكومية- لابد من نجاحه في إقتلاع نظام بهذا الحجم من الفساد والعزلة الداخلية والخارجية ومهما تحصن بأجهزة وأدوات القمع , والتي رغم كل ذلك أثبتت فشلاً في حماية وطن من المفترض أنه وطنها , وشعب من المفترض أنه شعبها , وما واقعة دخول قوات خليل ابراهيم مدينة أم درمان ووصولها حتي كُبْري النيل الأبيض الصيني , ودون أن يرصد الجهاز ذلك رغم طول المسافة التي قطعتها قوات خليل بمتحركات وآليات , إلا دليل على هشاشة الجهاز الأمني و إنشغاله بمهام أخرى وكأن تأمين البلاد ليس من مهامه بل قمع الشعب وحماية السلطة اللاشرعية القائمة حالياً, حدث ذلك رغم تدججه بالمعدات والمعينات المتطورة وبالأسلحة الفتاكة من كل نوع ولون , علماً بأن هذا الأمر كان يمكن أن يحدث من دولة جارة أو غير جارة معادية للسودان. لهذا فإن ترويج النظام لعدم وجود بديل , أو أن البديل الموجود غير مناسب ليخلفه يصبح من المضحكات , فليس هناك ما هو أسوأ من النظام القائم الآن, للأسباب التي ذكرنا بعضها. وما البدائل التي نبعت بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية وتلك التي تتشكل الآن بليبيا إلا خير مثال يمكن أن يُضرب لتوفر البدائل عند الشعوب. فقط أن صوت هذه البدائل مقموع ومحجوب. فبعد ثورة أكتوبر كان هناك بديل إنتقالي, وكذلك بعد إنتفاضة ابريل. والشعب قادر على أن يأتي , وبكامل الحرية والديمقراطية , بمن يريد ويرتضي. للذين قد لا يعلمون فإن القوات الأمنية كانت قد أحتلت ميدان أبو جنزير وسدت كل المنافذ المؤدية إليه, وذلك في يوم الأربعاء 9 مارس , إلى جانب تعويقها لحركة قادة الأحزاب وتطويقهم للجامعات حتى لايخرج الطلبة, أكبر القواعد وأكثرها مصادمة وإحساسآ بالأضرار والغبن.. وهذا هو عينه ما فعلته يوم الثلاثاء 8 مارس ضد مسيرة النساء الوطنيات السودانيات. عليه يكون ما حدث يومي 8 و 9 من مارس 2011م وما حدث قبلهما, جولة من ضمن الجولات التي بدأت. ستستفيد الحركة الجماهيرية من تجاربها, وتبتدع وتبدع طرقآ أخرى لمواصلة وبلوغ غاياتها. فالطوفان يأتي موجة بعد موجة والشعوب هي المنتصرة في الخواتيم بإذنه تعالى.