هناك فرق. في سياسة التكفير..! منى أبو زيد قبل بضع سنوات قدم الدكتور عبد الله النعيم تأصيلاً عميقاً لمبدأ علمانية الدولة ما يزال طازجاً، لم يتسنَّه، فالدولة كانت– بحسبه- دوماً علمانية بشهادة التاريخ الإسلامي، وليس صحيحاً أنها فكرة مستوردة من الغرب، بل تجربة ذاتية تحكمها ضوابط كل مجتمع، وبالتالي فإن نجاحها مشروط بموازنة ثابت الفكرة بمتغير العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع..! ومفهوم الدولة الإسلامية– كما يراه النعيم- متناقض، فالدولة مؤسسة سياسية لا تقوم على المعتقد، ولا مكان للمعتقد إلا في صدور القائمين على الحكم، وعليه فإن الحديث عن معتقدات الحاكم هو حديث عن السياسة وليس عن الإسلام كمعتقد، والمستقبل القريب لا يبشر بتطبيق الشريعة كقوانين وسياسة رسمية للبلاد، ولكن يبقى المجتمع الكيان الخاص الذي لا غنى له عن تطبيق الشريعة..! والشريعة نفسها مفهوم متغير محفوف بإشكالات التفاسير وثباتها كحكم ملزم مشروط بإجماع أجيال بأكملها على مذهب فقهي بعينه، والإجماع الفقهي على مذهب موحد شبه مستحيل، وعليه فإن ما يشرع وينفذ هو الإرادة السياسية للدولة وليس الشريعة الإسلامية..! الدكتور النعيم نادى بالفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة التي لا ينبغي أن تمنح قداسة ادعاء تطبيق الشريعة الإسلامية، لتمنع المعارضة السياسية من ممارسة دورها، وليس لذلك التوسع علاقة باستمرارية تأثير الشريعة الإسلامية على حياة المجتمعات، قبل أن يخلص إلى أن الفصل بين الدين والسياسة غير ممكن، ولكن الفصل بين الدين والدولة شر لا بد منه..! هلا تأملت في وسامة الفكرة وعمق الدلالة ووقوفها الرصين بعقلك على مشارف الإقناع فاليقين؟!.. ثم هلا أخضعتها– أي ذات الفكرة– للحكم الشرعي بحسب الرابطة الشرعية للعلماء؟!.. سيدهشك جداً أن صاحب الفكرة– بحسبهم– كافر ومحشور في ركن الإستتابة..! الدكتور عبد الله النعيم مثله مثل الأمين العام لمستشارية الأمن القومي، يتحدث عن إلغاء الشريعة، فيدخل بذلك مربع التكفير، بحسب الرابطة الشرعية للعلماء، لأنه قد (أتى ناقضاً من نواقض الإسلام، وعليه أن يراجع نفسه ويتخلى عن ذلك بتوبة نصوح)..! التكفير– كما تعلم- هو حكم على شخص بالخروج عن الإسلام، وهنالك مزاجر شرعية، أولها وأولاها أن تكفير شخص بناء على صفته السياسية- وليس الشخصية– نهج مخالف لضوابط الشارع نفسه..! فالحكم بتكفير المسلم بناء على نهجه السياسي هو عند العلماء المحققين من باب الحكم على النوع، أما الحكم بتكفير شخص بعينه لفعل بعينه، فيستوجب التوقف للتحقق والتثبت، ومناقشته حتى تقوم عليه الحجة، وتنتفي الشبهة، وتنقطع المعاذير..! فهل يعقل أن يقبل المسلم بمثل تلك التصريحات التي لا تفرق بين إطلاق لفظ الكفر على الفعل/ النهج الفكري/ السياسي، وإطلاقه على الأشخاص المنتمين إليه..؟! إن تكفير أحدهم يعني أنه مهدر الدم، ويعني- أيضاً- أنه يحق لأي مسلم قتله.. تكفير أحدهم أمر تترتب عليه أحكام خطيرة، مثل التفريق بين المرء وزوجه.. فهل هذا هو إحقاق الحق بحسب فتاوى التكفير التي باتت مبذولة على صفحات الجرائد بغير حساب..؟! التيار