رحيل الفريق أول قوش .......بقاء الدكتور نافع صالح الشفيع النيل [email protected] فشل حزب الجبهة الأسلامية منذ المفاصلة الأولى في تحقيق مشروعه الأسلامى الحضارى وتنازعته أهواء السلطة والنفوذ فضحّى أحد الفصائل بالشيخ المهندس السياسي والفكري للحزب ، وفضَّل عليه قوة السلاح التى ضمنت وتضمن للأشخاص البقاء المريح فى الكراسى التنفيذية لفترات معقولة وغير معقولة ( ست سنوات وستة عشر سنه واثنان وعشرون عاماً قابلة للزيادة ) . ورهن هذا الفصيل فكره وجهده بل ووجوده ذاته لمن سلمهم رقبته ومستقبله من الأسلاميين الجدد والمتأسلمين غير الملتزمين الراكضين وراء سراب السلطة الخادع ، اللاهثين وراء المصالح ، غير المرتبطين بأجندة وخارطة طريق أسلامية واضحة وصارمة تبين لهم مواقع أقدامهم في المستقبل القريب والبعيد ، اضافة الى ارتباط هذا الفصيل بالعوالق من التجار والسماسرة الذين لا يعيشون الا تحت ظل الأنظمة الشمولية التى يمثل المؤتمر الوطنى بشكله الحالى نموذجاً أمثلاً لها . وعليه أدارهذا الفريق البلاد بميكيافيلية يحسد عليها استخدم فيها كل ما هو متاح من أدوات الترهيب والترغيب الداخلى ، والتعاون المخابراتى الخارجى ، وتناول فيها مشاكل البلاد الكبرى كمشكلة الأقتصاد ومشكلة الجنوب ومشكلة دارفور بانفراد واحتكار كانت نتيجته أنهم لا أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا . كما تاه اتجاه بوصلتهم الخارجية مما أفقدتهم كل سند ودعم دولى . وكانت التيجة الحتمية لهذا التوجه الآحادى حدوث الأنفصال العدائى لجنوب السودان ، تململ مناطق المشورة الشعبية ، انهيار الأقتصاد الوشيك في ظل الفقدان المتوقع لعائدات البترول التى اعتمدت عليها الدولة بديلاً للأنتاج الزراعى والحيوانى وتفشى الفساد الرسمى والمحسوبية . ولا شك أن بقاء الرموز الحزبية لهذا الفصيل في مواقعها لآجال طويلة – وفى ظل ضعف ووهن المعارضة - ولّد عند البعض طموحاً كاسحاً قد يصل في بعض الأحيان الى حد التفكير ربما في رئاسة الدولة نفسها في ظل غياب المنافسة والكاريزما الحزبية السياسية الحقيقية . ويظل الفريق أول صلاح عبدالله قوش أحد اللاعبين الأساسيين في هذا المضمار من الذين حفظوا لهذا النظام سلطته وسطوته عبر السنون ، ومهما قيل أن ترتيب البيت من الداخل فرض هذا التغيير، وربما تسند الى الفريق قوش مهمة أخرى ، الا أن الحقيقة الساطعة تقول أن الرجل قد تم أبعاده مع سبق الأصرار، تقلد منصباً جديداً أم لم يتقلده ، ولم يكن ابعاده أبداً نتيجة للحوار الذى تشرف عليه المستشارية . ولن يكون ذهاب الفريق أول صلاح قوش هو الأول أو الأخير ، ذلك لأن المعادلة السلطوية للأدوار السياسية داخل منظومة حزب المؤتمر الوطنى تظل موزونة بشكل دقيق حسب رغبة السلطات المختصة التى تدور هى أيضاً ضمن أفلاك محسوبة ، فالرئيس رئيس والكمبارس كمبارس وان طالت عمامته . ونرى أنه بوقف حوار المستشارية الأمنية عن طريق الأطاحة بكافة أدواته وعلى رأسهم الفريق قوش ، ستصبح الطريق سالكة لاستمرار حوار الطرشان بين الحكومة والأحزاب حيث يرى نائب أمين عام حزب المؤتمر الوطنى أنهم لا يقبلون بأية حلول تضعف من سلطة حزبهم من شاكلة الحكومات العريضة أو القومية أو ( النحيلة ) ، بل انهم من الواضح يميلون لاستهلاك الوقت حتى الأنتخابات القادمة التى سيخوضها الرئيس البشير بناءاً على ضغوط الحزب ، ويعيد التاريخ انتاج نفس المسرحية التى سوف لن ينجح فيها أحد من الأحزاب . وقد تشكل قضية مكافحة الفساد التى نشط القائمون عليها هذه الأيام ، جزءاً أصيلاً من الثمن الذى ينبغى أن يدفع لتخفيف حدة التوتر الشعبى الداخلى المتزايد ، بل ويحول الأنظار ويقلل من قيمة الحراك الأقليمى لدول الجوار الذى تتأثر به بلادنا ، وليس كعملية تصحيحية قائمة لذاتها أوجبها السعى الجاد لضبط المتفلتين المتنفذين. و يذكرنى حزب المؤتمر الوطنى بتسلق الحزب الشيوعى السودانى لدرجات السلطة كلها مرة واحدة مما أدى الى سقوطه ودق عنقه ، أما الحزب الأسلامى القومى ، فقد دق عنق الشعب السودانى باستخدام أمتيازات لا يمتلكها الحزب الشيوعى وأولها أفراغ ( وأدلجة ) وتسييس الجيش والشرطة والخدمة المدنية بأسم الأسلام حتى غدا كل عاطل عن العمل والموهبة والأبداع ، يحتمى بدرع المؤتمر الوطنى الحصينة ( المرطبة ) بينما عزل بقية أفراد الشعب بأطيافه المتعددة فى معسكرات النسيان والتجاهل التى تشبه معسكرات الأعتقال النازية ، وبذلك يكون الشعب السودانى لا ناقة له ولا جمل في ذهاب زيد أو بقاء عبيد طالما أن الهدف النهائى للصراع ليس المقصود به تحقيق الحرية والديموقراطية وسيادة القانون ومكافحة الفساد واعادة الحقوق وتأمين الأنفس والثمرات. الفصيل الآخر وهو الذى اختار لنفسه أسم حزب المؤتمر الشعبى ، فقد أصابته الدهشة في أول الأمر كما لو أن ابناً عاقاً صفع أباه ، ولم يصدق هذا الفصيل ماحدث له لفترة طويلة ، بل ربما حتى الآن ، ولكن تظل الصفعة حقيقية تبعتها الأقامة الجبرية فى السجون والمعتقلات كما حدث مع بعض النظم الوراثية من أبناء عمومتنا من حولنا. والسجن ليس للتشفى ولكن وجود الترابى كشخصية كارزمية طموحة ونشطة وذكية ، لن تكون مأمونة الجانب بأى حال ، ويكون لها دائماً الصدر دون العالمين أو القبر. وهكذا حكم الأسلاميون السودان ومارسوا فيه كل أنواع الفقه من تمكين وسترة وضرورة ، وقطعوا أوصاله.... فهل الى خروج من سبيل ! .