بشفافية حبوبة الرضية والتعبئة الحربية حيدر المكاشفي قال شاعرنا الفحل الحاردلو في مسدار الصيد الكابور ضرب واتجمع البيشان وجن بنوت رفاعة ولبسن النيشان حين جات الرضية وعبت الدشمان زي هنتر نهار يوم صابح ام درمان وهنتر هو القائد الانجليزي الذي دخل مع الجيوش الانجليزية الى السودان، الآن وبعد مضى نحو خمسة وخمسين عاماً على تعبئة جدتنا الرضية المذكورة واثنين وعشرين سنة على إتفاقية السلام المشكورة التي أنهت حرب الجنوب المتطاولة، ها هم اليوم بعض أبنائها وأحفادها يستعيدون روحها التعبوية لاشعال الحرب من جديد ويعملون بهمة على تغذية كل ما من شأنه يعيد (الدشمان) سيرته الكريهة بل وأشد قبحاً لو إندلعت لا قدر الله الحرب مرة أخرى، فهذه القذائف والمناوشات الكلامية المتبادلة التي تتطاير في الهواء من جانبي حكومة الجنوب والحركة الشعبية من جهة وحكومة الخرطوم والمؤتمر الوطني من الجهة الأخرى وتبلغ هذه المناوشات والحرب الكلامية مداها وذروتها حين تدخل طرفاً فيها الرؤوس الكبيرة على مستوى الرئاسة من هنا وهناك، فليس بعد دخول الرؤوساء المعترك الكلامي وتبادل اللكمات اللفظية إلا إندلاع المعركة الحقيقية.. صحيح أن (البيولع النار بيتدفى بيها) كما يقول مثلنا الشعبي، وصحيح أيضاً (لو ولعت العمم والجلاليب بتروح وسيسود الكاكي) وصحيح كذلك بل من المعلوم بالضرورة أن اتفاقية السلام بعد شهرين تزيد قليلاً ستصبح في ذمة التاريخ، كل هذا الذي يقوله أحد الاطراف صحيح، وبالمقابل أيضاً فان كل الذي يقوله الطرف الآخر في مضمار التباري الكلامي والتعبئة القولية صحيح أيضاً، وذلك ببساطة لأن الحرب لو إندلعت وتأججت نيرانها سيجد الذي قيل في الفضاء موضعاً على الارض كله أو بعضه، فهل يريد الطرفان ان يسوقا البلاد شمالاً وجنوباً الى هذا المصير، وهل بمثل هذه الملاسنات تحل مشكلة أبيي، وهل هذا الترهيب اللفظي سيجعل أحد الاطراف يرتجف وتصطك أسنانه من الخوف فيتنازل عن ما يراه حقاً له في أبيي عن يدٍ وهو صاغر أم أنه سيزيده غلاً ومكابرة، بل حتى اذا دارت الحرب وانتصر فيها طرف على الآخر فهل هذا سيحل مشكلة المنطقة المتنازع عليها الى الابد ام ان الطرف المهزوم سيعاود الكرة من جديد ريثما يلعق جراحه ويدبر حاله، وقبل كل ذلك هل أمن الطرفان التدخلات الاجنبية التي ما حلت ببلدٍ إلا افسدتها.. الحقيقة الناصعة التي لا جدال فيها إلا غباءً أن الحرب عمرها ما كانت حلاً لاى قضية دعك عن قضية في تعقيد قضية أبيي، ولهذا ليس من الحكمة دحرجتها الى أتون الحرب الحقيقية ومن باب اولى النأى بها من التراشقات والحرب اللسانية. الصحافة