حديث المدينة إلا.. الكرامة..!! عثمان ميرغني زارني أمس صحفي بريطاني.. وسألني بصورة مركزة .. لماذا لم يخرج الشعب السوداني الى الشارع مثلما فعل أشقاؤه في تونس ومصر وليبيا واليمن.. وأردف .. ألم تؤثر الأزمة الاقتصادية على نخوة الغضب عند الشعب السوداني.. قلت له.. راجع تاريخ الثورات السودانية.. القديم والمعاصر منها. الشعب السوداني لا يخرج (من جوع) ولا يصمت (من خوف).. ولو كان الجوع والأزمة الاقتصادية تخرج السودانيين الى الشارع.. لخرجوا حينما كان الحصول على (رغيفة واحدة) في اليوم يتطلب الوقوف من الفجر أمام المخبز لعدة ساعات.. قلت له.. الشعب السوداني (مقفول) بشفرة خاصة.. من يفك الشفرة.. يفك المارد الجن من الجرة..على ما تروي القصة الأسطورة الشهيرة.. شفرة الشعب السوداني في (الكرامة).. !! خذ عندك.. الرئيس النميري. أذاق الشعب السوداني من ألوان الجوع.. صبر عليه الشعب.. وألبسه كل أنواع الحرمان.. فصبر عليه أيضاً.. ثم من فرط إحساس النميري بان الشعب مات وفقد رجولته.. وان الشعب (جرذان) لا ينقصهم سوى حذاء يصفع جبينه.. ألقى خطبته الأخيرة قبل السفر الى أمريكا وقال فيها كلمات التي لا تزال ترن في أذن كل سوداني (من يأكل ثلاث وجبات فليأكل وجبتين.. ومن كان يأكل اثنتين فليأكل واحدة..) وسكت النميري عن آخر جملة التي يفهم أنها (ومن كان يأكل واحدة.. فليترك الأكل..) لم تكن تلك الكلمات تعني للشعب السودان انذاراً بالجوع أو الضنك.. كانت تعني آخر مرحلة في (تتفيه) الشعب السوداني.. لم تكن نفسها سوى عبارة أخيرة نطق بها النميري من مقر اقامته في أمريكا ووضعتها صحيفة الشرق الأوسط في (مانشيت)الصفحة الأولى إذ قال( ما في واحد بقدر يشيلني).. كانت تلك آخر رسالة للشعب السوداني تبرهن على نظرة الرئيس له.. فما الذي حدث؟؟ ذات صباح إرتدى بعض السادة الوزراء ملابسهم الرسمية للذهاب الى مكاتبهم.. ذهلوا لما خرجوا الى الشارع.. وجدوا الشعب السوداني يكتب لافتة عريضة عليها عبارة (خرجنا.. ولم نجدكم).. وفي لمحة عين.. (أصبح الصبح.. فلا السجن ولا السجان باقٍ).. ذهب النميري ونظامه.. وطوى شعب السودان الصفحة إلى الأبد.. لأن النميري تجرأ وفك الشفرة.. شفرة الكرامة.. الشعب السوداني يصبر على الجوع.. والنكد والكدر والتكدير.. إلا (الحقارة!!).. إلا الكرامة يوم تمس..لا يرسل الشعب برقية انذار ولا رسالة (SMS) .. وعلى النقيض تماماً .. الذي يستثمر في (كرامة) الشعب السوداني.. الحسنة بضعفها.. تكفي كلمة.. ليرفعك الشعب فوق رأسه.. وتكفي كلمة ليخسف بك سابع أرض.. لكن (الكرامة) ليست مجرد بلاغة وفصاحة.. هي فعل.. تماماً مثل (الحقارة!) هي أيضاً.. فعل.. التيار