بالمنطق صلاح الدين عووضه (بلد أبوكم)؟!! أشرنا مرَّةً إلى ما قاله مسؤول إنقاذي رداً على سؤال صحفي عن مصدر تمويل مجمع النور الإسلامي الضخم بضاحية كافوري.. فقد قال هذا المسؤول للصحفي السائل إن المبلغ الذي شيّد به المجمع المذكور هو (هدية!!) من دولة خليجية.. ثم لم يكتف المسؤول بالإجابة هذه وإنما إستطرد في سخرية لاذعة: (هو ليس من بيت أبيك) ويعني بذلك مبلغ التمويل.. أو كما قالها بالدارجية السودانية: (هو ما من بيت أبوك).. ولا يدري هذا المسؤول أنه قد أهدى إلينا بدوره (هدية!!) تصلح أن نشيّد بها بناء كلمتنا هذه على (أساس!!) من الشرع الذي يرفع شعاره النظام الذي ينتمي إليه.. فحبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كان قد استفسر أحد عماله عن أثر نعمة رآها عليه فأجابه أنها (هدية!!).. فما كان من نبينا صلى الله عليه وسلم إلا أن قال قولته المشهورة: (هلاّ جلس أحدكم في بيت أبيه وأمه فيرى أيُهدى إليه شيء أم لا؟!)، أو كما قال.. فإن كانت الإنقاذ ترفض على لسان مسؤولها ذاك أن تُحاسب على ما (يُهدى) إليها فمن حقنا (شرعاً!!) كمواطنين أن نحاسبها على ما (تَهدِي) من أرضنا، ومالنا، وأبقارنا، ومقدراتنا.. والحساب هنا محصور على (الهدايا) وحسب بما أن المجال لا يتسع لأشكال أخرى من أشكال (التفريط!!) في أشياء ذات (سيادة!!) مثل الأرض، أو (المهابط)، أو الحدود، أو المؤسسات الوطنية.. فبأي حق مثلاً تفكر الإنقاذ (مجرد تفكير) في إهداء مليون فدان من أرض الشمال لحزب الوفد المصري إستجابةً لطلبه الذي تقدم به إليها؟!.. صحيح أن المكتب الإعلامي الرئاسي نفى صحة هذا الخبر ولكن بالنظر إلى ما عودتنا إياه الإنقاذ فإننا بتنا لا نستبعد أيما (كرم حاتمي!!!) من جانبها حتى ولو كان ما أُهديَ هو نحن (مواطني السودان!!) أنفسنا وليس فقط جانباً من (أرض السودان!!).. ومن يدري؟!، فلعل بعضاً منا قد بيعوا بالفعل وهم في غفلة لا يشعرون.. وربما يكون هذا البعض هم نحن أبناء الشمال النوبي بما أن الشعور السائد لدى الغالبية منا أن الإنقاذ بتوجهها (العروبي) لا تستلطف الهوية النوبية التي يعتزون بها.. ربما قالت لممثلي حزب الوفد الطامعين في أرض الشمال: (دونكم هذه الأرض بشجرها وحجرها وبشرها، فتفضّلوها!!).. وهل يهمها في شيء الإنقاذ إن هي فعلت ذلك؟!.. فها هي قد فرطت في ثلث مساحة البلاد الجنوبية دون أن يطرف لقادتها جفن.. وها هي قد فرطت في السيادة على حلايب والفشقة وإليمي دون أن تهتز في رؤوس قادتها شعرة.. وها هي قد فرطت في مساحات من مطاراتنا ومعها السيادة دون أن تحمرَّ وجوه قادتها خجلاً.. والإنقاذ إذ تفعل ذلك تجسد فعلياً مقولة (البلد بلدنا وانحنا أسيادا) رغم أن حزب الأمة لم يكن يعني بهذا الشعار سوى السيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع.. واتضح الآن أن أنظمة شمولية من حولنا تماماً كما الإنقاذ كانت تستصحب (روح) هذا الشعار في سياساتها الداخلية كافة حتى إذا ما تهاوت أو كادت ظهرت إلى السطح (بلاوي!!) تستدعي أشد الحساب.. فنظام مبارك كان (يتصرف) في شؤون البلد وكأنها بلده هو.. أو كأنما هي ضيعة خاصة به.. وكذلك نظام بن علي.. وحين جاء أوان (الحساب!!) بسقوط هذين النظامين لم يصدق من كانوا يظنون أنفسهم (سادة البلد!!!) أنهم يمكن أن يُحاكموا، ويُحبسوا، ويُذلوا، و(يُكلبشوا)، وتُصادر أموالهم وثرواتهم ومكتنزاتهم.. وخوفاً من مثل هذا (الحساب) يقاتل الآن القذافي والاسد وعلي صالح قتالاً لو ووجهت بمثله إسرائيل لتم تحرير الجولان. وعدا نظام البعث الذي فرّط في الجولان هذه فإن الأنظمة الأخرى المشار إليها جميعاً هي أفضل حالاً من نظام الإنقاذ من حيث الحرص على (السيادة!!).. فلا مبارك (أهدى!!!) جانباً من أرض وطنه لجهة أجنبية.. ولا القذافي (سكت!!!) عن أرض مُنتزعة.. ولا علي صالح (ساوم!!!) في أرض يمنية.. وحده نظام الإنقاذ الذي لا يتورع عن فعل أيٍّ من ذلكم.. فهناك أراضٍ (محتلة!!).. وهناك أخرى (مسكوت عنها!!).. وهناك ثالثة (تخضع للتفكير!!).. والأخيرة هذه هي أرض الشمال النوبي.. ومجرد (التفكير) في مثل هذه القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية هو ما يستوجب (المحاسبة) بما أنه من قبيل (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق).. اللهم إلا أن يُثبت حزب الوفد أن هذه الأرض تاريخياً تتبع إلى (ملك مصر والسودان!!!).. أو أن يثبت قادة الإنقاذ أن هذا البلد هو (بلد أبوهم!!!!!). أجراس الحرية