[email protected] الخرطوم عاصمة السودان تعرف أيضا بالعاصمة المثلثة والعاصمة الحضارية. لدي غالبية أهل السودان عنها انطباع خاص. فهي اكبر مدن السودان ومركز الدولة وواجهة السودان للعالم الخارجي( حيث الرئيس بنوم والطيارة بتقوم) كما أنها المركز الحضاري الأكبر الذي تحتشد به معظم المظاهر الحضرية والمدنية من خدمات وأسواق وغيرها. وبسبب هذه الصفات تغني لها الريفيون بالعديد من الأغاني. فغني أهل كردفان مثلا: القمر بضوي أنا شن بسوي بي النجوم متين يا ربي تودينا للخرطوم وغني لها بعض أهل البطانة: قلبي قال لي اقطع تذاكر وسافر الخرتوم \"عد الحاج\" خرابة و\"زرقة\" هادي الشوم. كما غني لها أهلها: يا جمال النيل والخرطوم بالليل وعلي الرغم من عمليات الترييف المستمرة منذ سبعينيات القرن الماضي بسبب نزوح أهل الريف إلي الخرطوم لأسباب تتعلق بالاقتصاد السياسي والبحث عن حياة أفضل ظلت الخرطوم كما هي عاصمة السودان التي لا تشبهاها مدينة سودانية أخري. يتوقع سكان الخرطوم وكذلك زوارها خدمات معينة تعرف مجتمعة بالخدمات الحضرية وتشمل الخدمات الصحية، الخدمات التعليمية، المواصلات العامة، الاتصالات، المياه الممدة إلي المنازل، خدمة التخلص من النافيات، الصرف الصحي، النظافة العامة، الطرق الممهدة، وفرة الكهرباء وأنواع الطاقة الأخرى من وقود وغاز طبخ وما إلي ذلك. كل هذه الخدمات يتفق الجميع علي أنها يجب أن تقدم وتتوفر بصورة أفضل من مدن السودان الأخرى وذلك لسبب واحد هو أن الخرطوم هي العاصمة.كما يتوقع أن يكون الشغل الشاغل لواليها وحكومته هو توفير هذه الخدمات والسهر علي ضمان انسيابها في سهولة ويسر وأسعار في متناول الجميع. لكن الملاحظ أن الوالي الحالي الدكتور عبد الرحمن خضر بدا في أول عهده الاهتمام بهذه الخدمات خاصة موضوع المواصلات. لكن لم تمر فترة وجيزة حتي غلب الطبع التطبع وانحاز السيد الوالي لمهنته البيطرية وانشغل بأنواع أخري من الخدمات لا نعتقد أنها من أولويات والي الخرطوم. ونعني بذلك ما يمكن أن نسميه بالخدمات الزراعية من توفير الخضر والفاكهة والبيض والفراخ والسمك. فتراه يتنقل بين الحقول والمزارع والبيوت المحمية كأن ولايته بلا وزير زراعة وكأن السودان بلا وزير زراعة أيضا. لا بأس من الاهتمام بتغذية أهل الخرطوم لكن هذه المهمة ظلت تاريخيا من مهام أرياف الخرطوم أو الولايات المجاورة مثل الجزيرة ونهر النيل التي ظلت تمد المدينة باحتياجاتها من مختلف المواد الزراعية. تدخل الحكومات المباشر في الإنتاج الزراعي ثبت انه غير مجد ولكم العظة والعبر في الاتحاد السوفيتي السابق لذلك يجب أن تترك هذه المهمة للقطاع الخاص وعلي الدولة سواء أن كانت حكومات إقليمية أو حكومة مركزية الابتعاد عن هذا النشاط. وبدلا من أن تسعي هذه الحكومات لتحل محل القطاع الخاص عليها تشجيعه وفي حالة ولاية الخرطوم يمكن أن يكون ذلك عن طريق: 1/ توفير مدخلات الإنتاج بأسعار معقولة. 2/ خفض الضرائب وكل أنواع الجبايات المباشرة وغير المباشرة. 3/ تطوير خدمات التعبئة والتغليف والنقل والتخزين خاصة التخزين المبرد. إذا نجحت حكومة ولاية الخرطوم في توفير هذه المتطلبات سيتحفز القطاع الخاص للمزيد من الإنتاج من ما تحتاجه الولاية مما سيوفر لحكومتها الوقت والجهد والمال لمتابعة مهامها الأساسية المتمثلة في توفير الخدمات الحضرية الضرورية. نقص المنتجات الزراعية يمكن تعويضه بالاستيراد من الولايات المجاورة والبعيدة وربما من خارج السودان كما حادث فعلا. أما نقص الخدمات الحضرية لا يمكن تعويضه بالاستيراد وخير دليل أزمة المياه الماثلة الآن. إذا أصرت حكومة الولاية علي السير في الطريق التي تسلكه الآن فلن يكون هنالك فرق بين الخرطوم وأي قرية أخري. بل ستكون الحياة في القرى أفضل من الحياة في الخرطوم لان غياب الخدمات الحضرية لا يمكن تحمله في مدينة تجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة. ولن نجد من يغني للخرطوم بل قد نجد من يهجوها.