بلا انحناء فاطمة غزالي [email protected] للأطباء مطالبٌ مشروعة من سيتجيب؟ منذ عام ونيف علا صوت الأطباء السودانيين رافعيين مذكرات مطلبية منها مذكرة تحسين شروط الخدمة التي تشمل الوظيفة الدائمة للأطباء ، والعلاوات ، ومجانية العلاج لهم وأسرهم. خرجت هذه المذكرات من مضابط اجتماعاتهم التي نقاشت بجدية واقع الأطباء السودانيين والظروف التي يعيشونها بسبب تدني الأجور وغياب الوظيفة الدائمة بسبب الفصل التعسفي ثم إعادة التعيين للترقي الوظيفي بالرغم من أنّ الأطباء ضمن منظومة الخدمة المدنية ، وما كان الأطباء سيخرجون من طور الصّمت ويعلنون عن ثورتهم ضد واقعهم المأساوي لو لا تجني الحكومة عليهم بتخيفض أجور نُوّاب الأخصائين من (800) جنيه إلى (500) جنيه. فكان تخفيض الأجور القشة التي قصمت ظهر البعير، فعقد الأطباء العزم على خوض غمار المواجهة بينهم ووزارة الصحة من أجل استرداد الحقوق بما فيها مطالبتهم بمجانية العلاج للمواطن. ضخّت وزارة المالية لمبلغ (18) مليار وهي مستحقات مؤجلة للأطباء لم تدفعهم للتنازل عن مطالبهم. بدأت المطالبة بالحقوق -من قِبَل الأطباء- ناعمة عبر مذكرة واضحة المعالم إلا أنّ تجاهل وزارة الصحة لمطالبهم وحظر نشاطهم المطلبي في زواية العمل المعارض ووصم الأطباء بأنهم يخضون حرباً بالوكالة عن الأحزاب المعارضة ضد النّظام، وعليه لم تأتِ المذكرات المطلبية أكلهم مما دفع الأطباء إلى الدخول في اعتصامات تعبيراً عن رفضهم لمنهجية الوزارة في إدارة الأزمة، وطريقتها الرخوة في التّعامل مع المطالب المشروعة لشريحة مهمة، والكل يدرك أن مطالب الأطباء السودانيين مطالب عادلة، وأن قضيتهم ليست بالهينة ، ولم تكن أقل خطورة مما تضجُّ به الساحة السودانية من احتقان سياسي تتساقط تداعياته على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في مناطق ملتهبة كأبيي ودارفور. والشاهد على ذلك أنّ اعتصام الأطباء أثّر على مجريات الأمور في الحقل الصحي بالرغم من محاولات وزارة الصحة سابقاً في إخفاء هذه الحقيقة التي أقر بها مؤخراً وزير الصّحة بالإنابة الصّادق قسم الله أمس الأول. بيد أنّ الدور المهم للأطباء لم يحرك ساكناً لدى مسؤولي الوزارة رغم التوجيهات التي صدرت من رأس الدولة البشير ووجهت بالاستجابة لمطالبهم منذ عام. ومصدر الدهشة هنا من موقف وزارة الصحة تجاه مطالب الأطباء الذي ينبع من أنها تغضُّ الطرف عن مطالب أطباء في بلد يعاني شعبه من أخطر الأمراض القاتلة الملاريا_ الإلتهاب الرئوي_ والتهاب الكبد الوبائي، بجانب الزيادة المطردة في الإصابة بالسرطانات والفشل الكلوي. وزارة صحة تتجاهل تماماًَ خطورة وتداعيات هجرة أكثر من (3) ألف طبيب إلى خارج البلاد، وهناك عدد ليس بالقليل ممن حزموا أمتعتهم مغادرين البلاد بحثاً عن أوضاع أفضل تخفف عنهم الهموم المعيشية، وتوقف مزراف الدّمع على الواقع البائس الذي عانوا منه سنوات طوال. قضية الأطباء لم تقف في الاعتصام الذي يزداد يوماً مع بداية كل إضراب أسبوعي، بل ستتخطاه إلى أخطر من ذلك وهو تنفيذ خطوة الاستقالات الجماعية أو الهجرة الجماعية التي لوح بها الأطباء في حال استمرار تجاهل وزارة الصحة لمطالبهم التي تراه الوزارة صغيرة وعند الأطباء عظيمة بعظمة المهام والوظيفة التي يؤدونها. حقيقة وزارة الصحة من حيث تدري أو لا تدري فهي لا تُعاند الأطباء، ولا تمارس الظلم عليهم فحسب بل تمارسه على المرضى السودانيين الذين يدفعون ميزانية الوزارة من الضّرائب والرّسوم والأتاوات، وينتظرونها أن تتنزل عليهم كخدمات صحية وتعليمية. ومعلوم أن هجرة الأطباء وإضرابهم واستقالتهم سيدفع ثمنها المواطن المسكين؛ لأنّ الكبار في الدولة والنفعيين والأثرياء لا يقتربون من المستشفيات السّودانية، بل دائماً وجهتم إلى \"لندن، الأردن، القاهرة، دبي\" وغيرها من عواصم الصّحة والعافية. قضية الأطباء إذا لم تتدراك الحكومة أمرها وهي مطالب حقيقية مرتبطة بحياة الإنسان كقضية مياه الشرب، ستكون وقود لإشعال الثورة أو \"بوعزيزي\" السودان. الجريدة