[email protected] تابعت قبل فترة بعض حلقات برنامج نجوم الغد وهو ذاك البرنامج الذي يقدم مختارات الشباب التجريبية ويعمل على تقويمها ويدفع للساحة الغنائية بعشرات المطربين والمطربات بعد كل دورة تنافسية0 وفي كل مرة يجدد فيها البرنامج دورته، كنت أسأل نفسي عن مصير هذا الكم الهائل من هواة الأداء الغنائي الذي يعتمد غالباً على تقليد الفنانين الكبار كضربة بداية تقاس على ضوئها إمكاناتهم، فإن وجدوا تشجيعاً سلكوا الدرب بثبات، وإن انهالت عليهم حجارة النقد السالب ولم يجدوا ترحيباُ، نأوا بعيداً عن الساحة مع إنني أشك في ذلك لأن داء الغناء يلازم صاحبه حتى الممات أو كما يقول المثل المصري (يموت الزمار وصوابعه بتلعب)0 ولعل هذا النهج يذكرني بمنافسات الواعدين في أواخر السبعينيات والتي رفدت الساحة بمطربين شقوا طريقهم وأرتقي بعضهم سلم الغناء ومنهم محمود تاور والأمين عبد الغفار ومجذوب أونسه وعبد المنعم الخالدي وإسماعيل حسب الدائم وعثمان الأطرش ومحمد سلام وغيرهم0 وعلى أيامنا هذه، هناك من مطربي برنامج نجوم الغد الذين واصلوا السباحة، فهيمة وريماز وأفراح ومنار وشموس وشريف الفحيل، غير أن الفاقد من تجربة نجوم الغد كان كبيراً عند المقارنة بعدد الدورات وعدد النجوم0 وبعيداً عن ذلك هناك مطربين شباب التفوا على هذا البرنامج وغمروا الساحة دون عبور بوابته وحققوا نجاحات تفوق نجاحات نجوم الغد بفضل التركيز الإعلامي وبؤرة الضوء المسلطة على إسهاماتهم مع تجاوب قطاعات المتذوقين الشباب لأعمالهم0 ورغم كثرة الفنانين القدامى والمطربين الجدد عندنا نلاحظ أنه بعد أن أوصل الفنان سيد خليفة صوتنا الغنائي عبر (المامبو السوداني) و(إزيكم)، لا تعرف لنا الإذن العربية سوى تلك الأغنيات كأنما قطار الأغنية توقف عند هذه المحطة بعكس الأذن الأفريقية التي تتابع عن كثب تجديد كبار الفنانين عندنا وتحفظ أغانيهم عن ظهر قلب في إثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ونيجيريا بلد (الشريف المبسوط)0 لكن وكبصيص أمل وجدت في مسرح بأحد فنادق البحرين رواده من جنسيات عربية مختلفة فضلاً عن السودانيين المغتربين، شاباُ سودانياُ يقدم مختارات من أغاني الفنانين محمد وردي وزيدان إبراهيم بصورة وجدت تجاوباً من الحاضرين العرب قبل السودانيين وعلمت أنه يغني أيضاً لخوجلي عثمان والجابري وغيرهم0 سألت عن هويته لأعلم أنه أحد خريجي برنامج نجوم الغد ويدعى (محمد أزرق) الذي حين لم تشفع له شهادته الجامعية في الهندسة الميكانيكية في الحصول على عمل، قرر احتراف الغناء معتمداً على شهادة نجوم الغد مستعيناً بمهارة عازف سوداني على الأورغن، وبدلاً من الضياع وسط زحام مطربي الحيرة والسوق العامرة بالمطربين عندنا تعاقد مع ذلك الفندق لتقديم فاصل مسائي كل يوم يهدف من ورائه إلى إيصال نماذج من الأغنيات الحديثة لشريحة من المستمعين العرب لتغيير الفهم المتوقف عند محطة (إزيكم) ولكي يحافظ في ذات الوقت على طلوع ونزول النفس دون معاناة0 ومحمد أزرق من مواليد الحصاحيصا وشارك في نجوم الغد خلال العام 2010 مع احمد مأمون وسارة أزرق ورمان موسى وغيرهم علما بأنني لم أسمع لهم صوتاً بعد فعاليات البرنامج مما يجعلهم ضمن الفاقد الذي ذكرته آنفا0 ومع تقديري لجهده يبقي من المهم السؤال عن كيفية تطوير إمكاناته مع بعده عن دائرة البوح والتلقي الأصيل في الوطن0 فهل سيكتفي بجهد الترديد أم سيعمل على شق طريقه رغم غياب المعينات الشعرية واللحنية؟ لابد أنه يعي تماماً أن لدينا تجارب لفنانين أبعدتهم الغربة عن دائرة الفعل والتفاعل اليومي، لكنه يختلف عنهم لكونه يمارس الغناء كمهنة في حين أن فنانين كبار مثل الطيب عبد الله ويوسف الموصلي والتاج مكي والراحل هاشم ميرغني فقدوا بوصلة التواصل لأن طبيعة العمل الذي كانوا يمارسونه في الغربة بعيد عن المجال الفني0 وربما لم يفلح في استعادة الذات الفنية إلا الذين علا صوتهم عبر قنوات التواصل وجلسات الاستماع مثل الراحل مصطفى سيد احمد أو الذين عادوا للوطن0 فليسعد بابكر صديق الذي أهلت شهادته شاباً مثل محمد أزرق ليشق طريقه دون خدمة وطنية أو انتظار في طابور الفرص الضيقة للتوظيف0