التحية للشيخ عبدالله أزرق طيبة .... نحو تصوف واعي لا ينفك عن مطالب الجماهير وإرادتهم السياسية أسامة بابكر حسن [email protected] لا ندري سر الغضبة والزفرة (الحرى) التي نفثها الأستاذ الطيب مصطفى بسبب مباركة الشيخ عبدالله أزرق طيبة للدكتور حسن الترابي خروجه من السجن مؤخراً، فبالأحرى هي درس للترابي وللطيب مصطفى نفسه بأن أهل السودان لم يعرفون الغل ضد من ساموهم الخسف الذي نال الزائر كفلاً منه إبان وبعد سطوة المُزار. المقال الذي ينضح بتدجين حركة الناس الاجتماعية اللهم إلا إن صبت في صالح المؤتمر الوطني والمنبر العنصري ينم عن جهل فاضح يكشف أن هذا الرجل لا يهمه أن ينقلب التسامح الإجتماعي السوداني الذي وصفه الشاعر إبراهيم العبادي بقوله ( السودانيين ما عندهم راس مال غير روحم دي) إلى عنف إجتماعي طالما أن العنف السياسي اللفظي والفعلي أصاب كل أهل السودان بسبب مخلوقات لزجة خاوية الفكر والوجدان. في وفاة الطبيب عبدالله الترابي 2006 الذي كان طبيباً ميدانياً في قوات الفتح والحركة الشعبية حضرت كافة الأطياف السودانية عزاء هذا الرجل الإنسان الذي ضايقته الإنقاذ منذ بدايتها في مهنته بتهمة أنه يساري ينتمي إلى الإتحادي الديمقراطي وكان من بين الحضور المرحوم محمد إسماعيل الأزهري، وجماعات من حزب الأمة والأحزاب الأخرى وحتى أخ الرئيس البشير جاء معزياً في رجل أجزم أنه كان يحمل هم الغلابة في قلبه حد الهوس، وكان يعالج الناس من جيبه حتى أفتقر، تشهد على ذلك دفاتر الصيدليات التي كان يرسل إليها مرضاه ويقول لهم اذهبوا الى الصيدلية الفلانية وخذوا الدواء واكتبوا الدين بإسمي، أمثال هؤلاء غير مرغوب فيهم في سودان اليوم وهم كثر في شتى أقاليم السودان. كان من بين المعزيين الشيخ عبدالله ازرق طيبة الذي التقيناه في طرف المدينة وتوجهنا أمامه الى بيت العزاء. جمع العزاء كافة أطياف أهل السودان ومن بينهم حسن الترابي الذي تربطه صلة دم مع المرحوم ويفصله عنه توجه سياسي كبير حمل من أجله المرحوم روحه بين كفيه مع قوات الفتح مدافعاً عن مبادئ العدالة والمساواة التي طبقها في مهنته، وشاء الله أن يتوفى الدكتور عبدالله غرقاً ومعه بنتيه وإحدى بنات إخوانه لكأنما عوضه الله الشهادة في الدنيا. الأساليب التي يقوم بها أهل المؤتمر الوطني ومن شايعه في تفتيت اللحمة الإجتماعية والتخوين بها على أنها روابط سياسية هي امتداد لمفهوم إسلاموي سياسي يظنون خطلاً بأصالته في الفترة التي أمتدت منذ إغتيال الخليفة عثمان بن عفان مروراً بالدولة الأموية وانتهاءً بالخلافة العباسية، رصيداً ضخماً من الفتن والمكر السياسي الذي أخرج الإسلام عن قواعده التي أرساها النبي الخاتم، إستصحاب هذه الفترات في فكر إسلاموي السودان لم يكن أبداً في خانة من رفعوا المثل العليا للدين واغتيلوا من أجلها في الفترة المذكورة وانما حراك ممتد لحركة الغدر السياسي والعنصري الذي حملته مجموعات عدة مقابل الإسلام الاصيل الذي أرساه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تجد في كل صفحة من صفحات الانقاذ فترة شبيهة هنا وهناك من تلك الفترات، فان أردت عنصرياً ينعق وينضح بالعنصرية كما يقوم بذلك أحد أبناء السودان الحاليين، فستجد قصة الرجل التيمي في عهد بني أمية الذي ذهب للحج ووقف طوال اليوم يدعوا لأبيه أمام الكعبة فلكزه أحدهم قائلاً ألا تدعوا بالرحمة لأمك!! فقال له:( إنها تيمية) أي من قبيلة تيم خالصة الدم العربي فبالتالي حقها مضمون، وإن أردت حافظاً للقرآن يقتل الطيبين أو يعذبهم علناً أو في بيوت أشباح وهو يتناول طعامه فأقرأ عن الحجاج بن يوسف، وإذا أردت كذابين أومستشارين وطنيين يلفقون الأحاديث فارجع إلى كتب الجرح والتعديل، ورجال الذهبي ..الخ، وإذا أردت نموذجاً ليس همه إلا جمع الزكوات والمكوس من الناس على فقرهم كما يفعل أهل الإنقاذ فعليك بقصة جابي الزكاة والمكوس لبني أمية الذي ذهب إلى اليهود وطلب منهم دفع الجزية فدفعوها وعندما لم يكفه ذلك إبتكر أسلوباً لا يقل عن أساليب إنقاذنا الحالية في جمع المال من الناس، فقال لهم من قتل عيسى بن مريم فقالوا نحن ( أي أجدادنا اليهود) فقال لهم عليكم بدفع دية دم المسيح أو أقمت عليكم القصاص بدلاً عن أجدادكم ضارباً عرض الحائط ب وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وب لا تزر وازرة وزر أخرى كما ضربت هيئة علماء السودان عرض الحائط بالنص القاطع لتحريم الربا فالمهم الاسلام السياسي وعيونه، ولو تمت هذه الفتوى في العهد الديمقراطي لسيرت ألوان والراية جيش المرتدين عن آيات الربا. لقد وجد الملك الحسن الثاني رحمه الله عند بناء مسجده الأسطورة مخرجاً فقهياً كذلك للأموال التي تبرع بها يهود المغرب لبناء المسجد ووقف عندها الرأي العام فما كان منه إلا أن قال إن حصة تبرع اليهود سنبني بها ( أدبخانات المسجد)!!! وهي مخارجة وإن كانت منتنة الوقع على المتبرعين اليهود إلا أنها تصادف راحة لدى أصحاب التدين غير الفطن. الحيرة التي أدخل فيها الاسلام السياسي في العهدين الأموي والعباسي المسلمين تسببت في زهد الناس وهروبهم الى التصوف بعد أن أحال الحكام دين الناس وحياتهم إلى جحيم لا يطاق فقبعوا في منزلة وسطى ما بين التسنن والتشيع. ولا ندري ما سيسفر عنه ليل الإنقاذ البهيم في مجريات حركة الدين، هل حركة خوارج تقتل شمالاً ويميناً أم خدعة يمدون بها باقي أيامهم كما فعل الشاه إسماعيل الصفوي الذي كون جيشاً قوامه الصوفية التابعين لأبيه صفي الدين الحلي الأردبيلي وفتك بالناس حتى تدخل الأتراك لمنع الإبادة الجماعية التي ارتكبها بالإستناد على المخالفة المذهبية. لقد كتبت الكثيرون عن بعد السودان عن المذهبية وهي الخصيصة السودانية الفريدة التي أنتجت مجتمع التعايش بين كافة أبناء السودان مسلميه ومسيحيه وأرواحيه، فلا إكراه في الدين بل أمر بالمعروف ودعوة إلى الله بالتي هي أحسن كانت تقودها الحركة الصوفية المنفكة عن الصبغة السياسية الصارخة في قرى ومدن السودان المختلفة. ولكن لعل مجموعة من قادة الصوفية لا يدركون أن الشعب السوداني هذه الأيام حاله معهم حال الشاعر إسماعيل حسن يناديهم خفاءً (خوفي منك تنساني) بعد أن نسيهم أهل الإسلام السياسي بعد أن ساروا فوصلوا، في حالة بالطبع لا تشبه نسيان موسى لحوته الذي كان سبيلاً لإدراك العلم من الولي الصالح ( الخضر!)، ولعمري كيف يفوت على الصوفية المتحالفين مع المؤتمر الوطني أن همه إدراك لحم الحوت لا اقتفاء أثره المؤدي إلى العلم، فشتان بين الواصلون إلى الله بتجويد الروح في نار الزهد، وبين المحاولون الوصول لإرضاء الله خطلاً بتطويع الروحي للمادي في فهم معكوس اثره يجري حالياً في كافة التراب السوداني، فانطبقت على البلاد حالة التشبيه الحسي لصدر المتألهين الشيرازي: (إن لجهنم والجنة حالة حسية في حياة الناس الدنيا). أفلا يدرك زعماء الصوفية الذين يحترم كافة أهل السودان سجاداتهم التي ورثوها كابراً عن كابر أنه ما دخل المؤتمر الوطني في شيء إلا وأفسده، وما مد يد المساعدة إلى أحد وإلا تربصه بيد غدره، وما أبدى جميلاً إلا ليخفي قبيحاً، وما جهر مقهوراً بحق إلا ليطرح فوقه باطلاً بخفاء، وما أقام مرفقاً بدعوى خدمة المواطنين إلا وبناه من عرقهم وحرمهم مجانيته وأغتنى منه زبانيته. الشيخ عبدالله أزرق طيبة زعيم سجادة مستنير زامل أهل الإسلام السياسي في جامعة الخرطوم وأدرك علن وخفايا البنية السياسية للإتجاه الإسلاموي جيداً لذلك صعب مراس قياده على أهل المؤتمر الوطني الذين لا يرضون من أحد إلا إذا إنضم إلى مؤتمرهم وإن رفض فلن يعترفوا به حتى وإن روب الموية، وهم يدركون جيداً أن الشيخ عبدالله أزرق طيبة بموروثه الصوفي واستنارته الأكاديمة لن يروب لهم ماءهم السياسي العكر أصلاً فقط بل سيكون بوتقة Crucible تخمير لفكر صوفي مستنير لا يجانف بين الحراك الصوفي التعبدي والإلتفات للقضايا الجماهيرية، بل إن الشيخ عبدالله أزرق طيبة مؤهل في سودان اليوم لا المستقبل لقيادة حركة تغيير داخل الجزيرة وما جاورها بطرح مشروع تنويري سياسي صوفي هو الأقرب لوجدان الشعب السوداني كافة من الإسلام السياسي الوافد على السودان والذي يؤكد حراكه هذه الأيام في مصر المنتجة له أنه مضروب وغير جلده وإسمه حتى يقبل التعددية والديمقراطية والتحالف مع من كان يسميهم في الماضي علمانيين أو ليبرالييين. أنظر كيف خربت الحركة الإسلاموية في السودان ما ظلت تبحث عنه الحركة الإسلاموية في مصر لعقود من الزمن، وأنشاءت مناخاً أسوأ من المناخ الذي كانت تستعيذ وتتبرأ منه الحركة الإسلاموية في مصر عقوداً من الزمن. لم يكن الإسلام مشكلة لأحد في السودان حتى أسفرت الأيام أنه مشكلة للإسلامويين فقط .... لمصلحة أي دين يتم ما يجري هذه الأيام في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، مع صمت مريب من أغلبية كبيرة من مثقفاتية ومتعلموا الشمال الذين لا يفتح الله على كثير منهم بجرة قلم على الصفحات الإسفيرية أو بكلمة شجب حتى في جلسات (الونسة) المغلقة بعيداً عن الرقابة. لعل هذه اللامبالاة هي التي جعلت المهدي يتجه لنفس الأماكن التي تضربها وتقصفها حكومة الخرطوم طالباً منهم النصرة لطرد المستعمر، بل لعلها توضح في حاضرنا لماذا فشلت في مهدها ثورة علي عبداللطيف التي كانت الإحتمال الأكبر لنجاح بناء أمة سودانية حقيقية دون مكياج مستورد كاذب تُستأصل بسببه مجموعات سودانية أصيلة في أطراف السودان.