أفق بعيد فيصل محمد صالح أيام في المانيا (1) قضيت خمسة أيام في المانيا، بين العاصمة السابقة بون وجارتها الكبيرة كولون، ولم أرفع رأسي من المنشط الذي ذهبت من اجله حتى كانت ساعة الرحيل قد دنت. تلقيت الدعوة منذ فترة طويلة عبر معهد غوتة في الخرطوم ومديرته النشطة ليلي كوبلر للمشاركة في منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه الإذاعة الألمانية \"دويتشة فيللا\" كل عام، وكان شعار المنتدى هذا العام \"حقوق الإنسان في عالم العولمة: تحديات الإعلام\"، حيث دارت كل جلساته في محاور تتلاقى مع الشعار الرئيسي، وشارك فيه حوالي 1500 شخص من داخل وخارج المانيا. وكعادة المنظمين في كل عام فقد كان لهم شركاء ورعاة ومساهمين بأشكال مختلفة، وتبنت كثير من الجهات بعض الجلسات وأحضرت مشاركين من مختلف دول العالم للمشاركة فيها، وقد دعانا معهد غوتة للمشاركة في جلسة تحت عنوان \"نحو عهد جديد: الدور المستقبلي للإعلام في المجتمعات العربية\" وتدور محاور الجلسة حول ثورات الربيع العربي وتأثيراتها المتوقعة على الإعلام. في مطار الخرطوم التقيت بطلال عفيفي المتوجه إلى ميونيخ الألمانية لشأن آخر، ولكنه كان خير رفقة، خاصة وأنه خبير في الشؤون الألمانية بحكم القربى. ومن الخرطوم لاستانبول، وعبر ساعات انتظار طويلة في المطار التركي دارت بيننا أحاديث طويلة، ومنه عرفت أن كولون التي سنهبط في مطارها هي عاصمة الكولونيا في العالم، ومنها تم اشتقاق اسم هذا العطر، وفي كولون عرفت أن ماركة الكولونيا الشهيرة \"4711\" هي عبارة عن رقم منزل الرجل الذي اخترع الكولونيا، ومازالت المدينة تخلد اسمه بأشكال مختلفة. وكان البرنامج يضم رحلة نهرية طويلة على نهر الراين الشهير، على أنغام الموسيقى والغناء والرقص ورائحة الشواء التي تعبق المكان، منيت نفسي بأيام هنيئة للراحة من عبء طويل سبق، وأعباء أخرى قادمة، لكن ..وآه من آبيي، فقد طاردتني في صحوي ويقظتي منامي، وتذكرت على الفور مقال للصديق عادل الباز عن كيف أفسد مصطفى سعيد، بطل \"موسم الهجرة للشمال\"، عطلته اللندنية. في أول أيام وصولي، الذي كان متأخرا يوما لوعكة طارئة، أدركت حفل عشاء ليلي اقامته الإذاعة الالمانية في مبانيها، على شرف الضيوف، وقبل ان تقوم مضيفتي الدكتورة كريستيان قوينثر بتعريفي بشكل جيد ببعض الحضور، ما أن نطقت اسم السودان، حتى فاجأني السؤال الاول: ماذا يحدث في آبيي؟ اجتهدت في تقديم عرض سريع وموضوعي عن ما حدث، يناسب \"ونسات حفل عشاء\" لكن الرجل لم يقنع بذلك، بل أصر على جرجرتي في الأسئلة. هربت إلى ركن قصي، حيث داهمتني شابة أثيوبية بأمهرية رصينة تلجلجت أمامها، فزادت بالقول \"أووه انت لست اثيوبيا..لا بد أنك سوداني؟\" ابتسمت لابنة العم وأنا اؤكد لها سودانيتي، وحدثتني نفسي بالحديث إليها عن روابطنا المشتركة، فإذا بمرافقها الصحفي الغاني ينقض علي بالسؤال: ماذا يحدث في آبيي..! في جلسات اليومين التاليين لم تكد أي فترة استراحة تخلو من السؤال عن آبيي، خاصة بعد توقيع اتفاق أديس أبابا، الذي ظنه البعض حلا نهائيا للمشكلة، وقليلا ما سألني الناس عن مواضيع أخرى خارج إطار علاقة الشمال بالجنوب. في اليوم الثالث حل موعد الرحلة النهرية في باخرة ضخمة من ثلاث طوابق، كان شكل الطعام في كل طابق مختلفا عن سابقه، ارتكنت وصديقي خالد دهب القادم من جنوب أفريقيا في السطح حيث الشواءات، لكننا ما التفتنا إلى أي ناحية حتى كانت آبيي تطاردنا، وتشوينا بنار الأسئلة، التي ليست لدينا إجابات لها. ونلتقي غدا... الاخبار