بيننا محاربٌ زاده الخيال.. (6-6)..جزاء سنمار.. وكلمة أخيرة رباح الصادق المهدي اعترف قارئي أنني حملتك ما لا يُحتمل بغرس فسيلة، إبان القيامة الوطنية الواقعة، ست مرات! وأعتذر! لكن طبيعة المادة التاريخية لا تسمح بالابتسار والحقائق غائبة عن الأجيال الشابة. سيكون يوما أبيض، ذلك اليوم الذي تتاح فيه المعلومات لسابلة الأسافير في بلادي، وسابلة الطرقات. حولنا عنوان السداسية بناء على نصيحة كاتب نحرير استحسن الإشارة للأغنية العربية الشهيرة \"مسافر زاده الخيال\" لما ظهر من خيال في التاريخ المحاربي. (66%) مما كتبه حول حزب الأمة معنيٌّ بأفعال شخص انتحل صفة نائب الأمين العام للحزب! وحاك ببقية غزله مشهداً (بالتجسّس) إبان العدوان الثلاثي لمصلحة إسرائيل! قال محارب إنه وفي منتصف سبتمبر 1956 (زار المهدي زعيم حزب الأمّة) مصر في إطار أزمة السويس، وأجرى محادثات واجتمع بعبدالناصر يرافقه رئيس البرلمان محمد صالح الشنقيطي، بحجة مهادنة مصر مع اقتراب موعد الانتخابات. وأسفر(التجسس) عن أن الشنقيطي ومسئول إسرائيلي تقابلا في جنيف، فحدّث الأول الأخير عما دار في لقاء المهدي وعبد الناصر! التعليق أولا، قصة هذه الزيارة تكشف ضعف ذاكرتنا التاريخية فالمصادر السودانية التي اطلعنا عليها لا تذكرها ولا ذواكر الكثير من الشهود. جدنا السيد أحمد المهدي أفاد بأن الإمام عبد الرحمن ذهب بناء على دعوة رسمية وبقى في القاهرة منذ 25 أغسطس 1956م وحتى نهاية سبتمبر يرافقه وفد كبير مكون من السادة محمد صالح الشنقيطي وعبد الرحمن النور وعلي بدري ومحمد أحمد المحجوب وزين العابدين حسين شريف وأحمد جمعة المحامي ود. عبد الحليم محمد والأمير محمد عبد الرحمن نقد الله ومحمد المهدي الخليفة ومهدي أزرق والعم باب الله. ومن الجانب المصري أفادتنا الدكتورة أماني الطويل المتخصصة في العلاقات السودانية المصرية، أن \"الأهرام\" أوردت في 1/8/6591أنه وجهت دعوة للسيد عبدالرحمن لزيارة مصر، وفي 22/9/1956م أن الإمام عبد الرحمن المهدي كان بمصر في زيارة استشفاء، والتقى بعبد الناصر ووقعا معا (ميثاق تآخي)، وعبر المهدي عن دعمه لمصر في تأميم السويس. المعلوم أن الإمام عبد الرحمن كان يستشفي في سويسرا وليس مصر، كذلك يتطابق كبر الوفد مع ما نشر في أغسطس من أنها كانت زيارة رسمية، فلم يكن الإمام يذهب مستشفياً برفقة أركان الحزب. وعموماً المسألة تحتاج لمزيد تقصي ولكن لا شك أن رواية محارب لأسباب الزيارة ضعيفة. ثانيا، لم يكن ما بين الإمام وناصر يسمح بتداول أسرار! ثالثا، التجسس يشير للحصول على أسرار عسكرية أو أمنية أو سياسية لصالح دولة عدو، التقرير المزعوم لا يحتوي على تلك الأسرار ولا يمكن عده من باب التجسس: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا). رابعا، في ذلك الوقت بالذات، ولحظ محارب العاثر للمرة الثانية، لم يكن الشنقيطي رئيساً للبرلمان. كان رئيسا للجمعية التشريعية (1948-1953م)، بعدها كان مولانا بابكر عوض الله رئيسا لمجلس النواب، ثم عاد الشنقيطي في 1958م. خامساً، الانتخابات البرلمانية لم تكن قريبة، أجريت في 1958م. سادساً، لم تكن لمصر شعبية تُحصد انتخابيا بعد تنحية نجيب، حتى الأحزاب الاتحادية غضبت ومُنع الاتحادي المخضرم المرحوم خضر حمد من نسخ قصيدة (نجيب في عليائه) بالقاهرة. سابعاً، موقف حزب الأمة وكل الشعب السوداني من أزمة السويس يظل دافعا لمصر ناصر أن تحملنا (فوق رأسها)، ولكنها لم تفعل، بل جازتنا مثلما سنمار! جزاء سنمار حينما بدأ العدوان الثلاثي على مصر، أكتوبر 1956م، هب السودان عن بكرة أبيه وأمه. يروي الأستاذ محمد سعيد محمد الحسن (وهو اتحادي السنخ) كيف تجاوب مجلس الوزراء برئاسة البك عبد الله خليل (حزب أمة) مع التعاطف الشعبي فأعلن التعبئة الداخلية والطوارئ، وصد الطائرات الفرنسية عن مطاراته، وفتح باب التطوع ومراكز التجنيد، ووضع القوات باستعداد أقصى، وأرسل إعلاميين للتغطية، واستدعى ممثلي أمريكا وفرنسا وبريطانيا لإدانة العدوان والمطالبة بالانسحاب. وشكل ملجأ ب(وادي سيدنا) لبقية سلاح الطيران المصري الذي نجا من القصف. (الحسن ص32-34). طالب ناصر، ولبى السودان، بإرسال وزير خارجيته السيد محمد أحمد المحجوب (حزب أمة) لنيويورك لقيادة الحملة على العدوان، فتوجه بذرابة لسانه وقوة بيانه وجنانه ووصل لندن معبأ بعاطفة الشجب وقوة الحجة، أصدر بيانا شديد اللهجة، وعقد مؤتمراً صحفياً ورفض دعوة بريطانية له للزيارة ف(صعق انتوني إيدن)، واتجه لنيويورك فنصبته الوفود العربية ناطقاً رسمياً باسمها. اجتمع بأمين عام الأممالمتحدة ومناديب الدول، وانزعج المعتدون. قال وزير خارجية فرنسا: (السودان يتحرك ضدنا من كل اتجاه)، مشيرا لتحرك المحجوب في الأممالمتحدة ولأعمال المرحوم إبراهيم النيل في الجزائر دعما للثوار - وهو من شباب حزب الأمة ولاحقا مدير داره، وصهر الأمير نقد الله- وقال قائد الوفد البريطاني: (لقد كان من الأفضل ترك هذا الهجوم الشرس للمصريين! أليس من مصلحتكم انكسار شوكة ناصر؟) وسجلت محاضر الأممالمتحدة أقوى خطاب إدانة للعدوان الثلاثي ألقاه المحجوب، وحينما انتهى (وقفت جميع الوفود باستثناء وفود الدول المعتدية تحية تقدير لخطابه ومنطقه القوي)، وظل هناك درعا قويا لمصر مفوضا من حكومته، فأحبط، فبراير 1957م، مقترحات لصالح إسرائيل، واحتمل عداوة أقوى دول العالم فعملت على إسقاطه حتى لا ينال منصب رئيس دورة الأممالمتحدة (الحسن ص34-39). ماذا فعلت مصر للسودان وحزب الأمة بعدها؟ في مذكرة من وزارة خارجيتها بتاريخ 29/1/1958م همت باحتلال منطقتين سودانيتين: حلايب، وشمال حلفا! أرسل لهم السودان المحجوب وبعد صولاته ما كان يجب أن يُقابل بأقل مما يجد الفاروق لدى المصطفى، أو يلقى أوديس من أثينا! ذهب لمصر بكلام لين: اتركوا الأمر حتى تبت فيه جهات التحكيم لاحقا، لكنهم ردوه خائبا! طلب محجوب وهو في حضرة ناصر الاتصال بالسودان وقال: (امضوا قدما واذيعوه): بيان بشكوى قدمها السودان لمجلس الأمن والجامعة العربية ضد مصر. تحت الضغط وتمسك السودان بكل شبر من أراضيه فقط تراجعت مصر! مد حزب الأمة يده لمصر ب(الجنتلمان)، فأغدقت على منافسيه أربعة ملايين. وآوت حكومة حزب الأمة طيران مصر، فقصفوهم به في أبا 1970! وضمت بذراعي المحجوب مصر ودثرتها وزملتها، وحالما فاقت مصر صفعتها في حلايب! وحينما قام انقلاب نوفمبر 1958 وأعلن أنه (حركة مباركة) أنعم عليه ناصر بلقب (الثورة) وتحدثا مليا عن (الجفوة المفتعلة). من هو الذي افتعل الجفوة؟ وكيف يتحدث الكاتب عن كمبيالات وتجسس تحت عنوان العدوان الثلاثي، بينما أبلغ من أدانه وقاد الحملة ضد المعتدين هو السودان تحت قيادة حزب الأمة وزعمائه. نحن طبعا لسنا في صمم عن معارك ذلك الزمان، بعثتها بعض كتابات أستاذنا د.عبد الله علي إبراهيم حول التعارض بين سياسة رئيس الوزراء خليل ووزير خارجيته المحجوب بنفس الحزب، وما رشح عن مقابلات خليل السرية للبريطانيين. ولكن مهما كان، لا بد أن يُسجّل أن حكومة خليل اتخذت أقوى المواقف مع ناصر، فاختار أن يتجرع (حلايب) كأس صبوح! والسودان كأس مر! كان كذلك، الآن حلايب، والفشقة، وبادمي، وأم دافوق وغيرها كلها كؤوسٌ مشروبة! كلمة أخيرة في كلمة مقدرة للوثائقي المغترب الأستاذ محجوب بابا تعقيبا على أولى حلقاتنا هذه نصحنا بالتركيز على لب الموضوع، وهي نصيحة غالية التزمناها في (الوجبة الرئيسية) وإن حدنا عنها بالتوابل في المقال (المقبّل). رحب محجوب بكتابة التاريخ بيدي أجانب مستشهدا ببعض كتاباتهم القيمة. الشرط للكتابة هو الخبرة وليس المواطنة، وكثيرا ما يتاح للأجنبي تجرد لا يتاح للمواطن. نحن متفقون، ولكنا نعارض الإشارة لمقالة الدكتور محارب (كبحث تاريخي رصين) وقد أثبتنا بالبراهين ضحالتها وتلفيقها وبعدها من الرصانة بعد المشرقين، كانت محاولة متهورة للتأريخ بدون معرفة، مثلما كان الترويج لها بالسوداني متهورا. وفيما يتعلق بحزب الأمة استندت للوثائق الإسرائيلية حصريا متجاهلة حتى المتاح إسفيريا وكان سيجنبها زللا كثيرا (بدون لزوم). من منصتنا: بدون احتراف، وبحداثة عهد، استطعنا بحمد الله وتوفيقه فضح زيفها، وأكيدون أن من هم أقدر منا، وأقرب للوثائق والحقائق، سيودعونها لَحْدَها والآمال التي من خلفها. السؤال: ما الذي دفع ذلك الكاتب لخوض لجة تاريخنا بدون ساق؟ قفزا في الظلام، ومحاربة بسلاحٍ فشنك؟ الأهداف التي استخلصها البعض من جهد محارب تشمل: إعادة كتابة تاريخ المنطقة بما يحطم الرموز وينزع هالاتها، استعدادا لكتابة تاريخ جديد وتنصيب رموز جديدة، تماما مثلما فعل السامري، الذي أخذ من حلية القوم وقبض قبضة من أثر الرسول (الملاك)، وأخرج عجلا له خوار يعبده القوم بدلا عن إلههم الرحيم. اطلعنا على حلقة من برنامج (الاتجاه المعاكس) بقناة الجزيرة الفضائية، 2004م، استضيف فيها (د.محارب) عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه د. عزمي بشارة. وفيها وجه السيدان ياسر الزعاترة وإبراهيم علوش اتهامات له ولحزبه ولرئيسه بالسعي لل(أسرلة)، وبدلا عن الرد الموضوعي غضب لمجرد اتهام الرموز. وقال لمحاورَيْه: (أنت بعيد جداً عن الساحة لا تعرف، وتزوِّر)- (هل دور هذا البرنامج التطاول على القيادات والرموز؟)- (بخصوص التطاول على الرموز الوطنية، وأهمها الدكتور عزمي بشارة..هذا التطاول لا يسيء إلا للمتطاولين)! الدكتور عزمي بشارة قامة وطنية فلسطينية، ويسهم برؤاه الثاقبة في الانعتاق العربي الجاري، ونحن إذ نحييه في محنته وهو يناضل من أجل حقوق شعب طال ضيمه نسائله: ما الذي يجعل \"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات\" الذي يديره يتبنى دراسة سطحية تستند إلى رواية من جانب وحيد؟ ملفقة وجاهلة كما فضح التقصي الجاد؟ هل وراء التبني تناصر حزبي أكثر منه معيار علمي؟ ونقول له أيضا، بالإشارة لحلقة الاتجاه المعاكس المذكورة فإن الدكتور محارب ليس فقط هُزم هزيمة شنيعة، بل إن لجلجته هزمتكم كحزب، والآن ها هو يجر المركز البحثي إلى أوحال التلفيق. ونحن نرجو مراجعة تبني المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لهذه الدراسة المتهافتة، والانتباه لأبعادها. إن محارب سواء أكان بوعي أو بدونه يخدم الخطة اللئيمة المشار إليها أعلاه والتي توقع البعض أن تعمم في كل المنطقة لتتهيأ ربما لشرق أوسط كبير أو جديد. الغرض هو ذبح محبة الجماهير لبناة الأمة العربية، لتلهث خلف رموز جديدة، ك(الرموز) التي يطرحها بالسودان الطائرون بترهات محارب، ولكن..هيهات. سوف يتصيدهم الباز الإلهي بإذن الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد. قال أبو زينب: (ناري هذه أوقدها ربي، وأعدائي حولها كالفراش، كلما اقتربوا منها احرقوا بها وصار أمري فاشيا)!! وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين! وليبق ما بيننا الرأي العام