الخلاف السياسي بعد الانفصال (افجخي بصلة قبل مايبقى أصلة).. جمال على حسن [email protected] والحقيقة القاسية تقول ان التاسع من يوليو قد مر على الخرطوم مثل غيره من ايام الدنيا ولاأدري ما الذي حدث للشعب السوداني حتى صارت كل الأمور متساوية وكل الايام متشابهة ولاشئ يعنينا اطلاقا ..فبعض النخب المهتمة بامور السياسة في الخرطوم فقط هي التي ربما خالجتها تلك المشاعر الاستثنائية لحظة رفع علم جمهورية جنوب السودان وانزال علم جمهورية السودان من سارية مدينة جوبا .. سألني جاري في الحي حين خرجت بعد انتصاف النهار من المنزل حيث كنت اتابع الحدث عبر شاشات التلفزيون قال لي (الليلة مالك مارق متأخر كدا) فكان ردي عليه (لا والله بس حادي على الجنوب الفرتق مننا دا) وكانت بجواره امراة كبيرة في السن كان تعليقها (ياخي داير بيهم شنو..؟) فلم انجح في صياغة اجابة تناسب للرد عليها ..وكان الصمت الباسم عنوة قد انهى حديثنا بسلام .. هل تعرفون سادتي لماذا راجت دعوات منابر الانفصاليين الشماليين في الفترة الماضية ليس لعبقرية اقلامهم ولالحلاوة لسانهم ولابسبب قدراتهم السياسية او الابداعية انما لسبب بسيط جدا هو انهم تعاملوا مع شفرة التخلف الاجتماعي والثقافي في مجتمعنا بطريقة انتهازية واعية.. وهل تعرفون لماذا جاءت نتيجة الاستفتاء على مصير جنوب السودان بخيار الانفصال ..؟ لسببين اثنين في تقديري الاول هو فشل النخب السياسية والثقافية الشمالية والجنوبية معا في مواجهة ظاهرة التعالي الاجتماعي الموروث عند الشماليين والشعور بالدونية المتوارث ايضا عند الجنوبيين مما جعل الفترة الانتقالية هي امتداد لماهو موجود من سلوك اجتماعي وسياسي وثقافي غير محفز للتعامل مع اللافتات اللامعة مثل لافتة (الوحدة الجاذبة) دون اية محاولة حتى لامتصاص نسب من تراكمات الغبينة او ابداء حسن نوايا في العمل لامتصاصها ..اما السبب الثاني فهو تمكن خطاب الكراهية المؤسس في الشمال من اختراق دماغ الممارسة السياسية عند صناع القرار في الدولة خاصة وان صناعة القرار في السودان ظلت وحتى الان تتحرك بنظرية الفعل ورد الفعل ممايسر مهمة التاثير السالب على الممارسة السياسية لحكومة المؤتمر الوطني تجاه النخبة السياسية الجنوبية المشاركة معهم في الحكم ..وليس من مثال ابرز من اقتياد امين عام الحركة الشعبية باقان اموم ذات يوم امام الجميع بواسطة (كومر الشرطة) في حين ان هناك بدائل اخرى كان يمكن اتباعها في استدعائه واستجوابه مثلا ..!.. لن نبكي على مافات الا بالقدر الذي يمكننا من تقويم الممارسة السياسية على مستوى العلاقة مع الدولة الجديدة من جهة والجبهة السياسية الداخلية من الجهة الاخرى .. فالجمهورية الثانية في شمال السودان وشرقه وغربه ووسطه وحدوده الجنوبيةالجديدة يجب ان تبدأ من نقطة البحث عن الوفاق السياسي اولا وتقديم الدعوة لكل القوى السياسية للاقرار اولا باخطائها التاريخية الجسيمة وضلوعها في تضييع الجنوب من خارطة السودان ثم الالتزام بتقديم تنازلات مشتركة من الجميع لتاسيس مرحلة انطلاق حقيقية بتوافق واعتراف من الجميع بانهم ضيعوا اكثر من خمسين عاما من عمر السودان في التنافر والتربص والاختلاف حول كيف يحكم السودان ومن الذي يحكمه في حين ان الاجابة عن هذا السؤال وحدها لا تكفي لاحداث النهضة وتجاوز قائمة الدول الفقيرة والمتخلفة .. ولااجد نصحا لكم ياساسة الشمال سوى البحث عن مؤامرة ضد الخلافات القديمة على طريقة من نصحت اختها المتزوجة لتوها بوصفة التغلب على تسلط الرجل في المثل السوداني (افجخي بصلة قبل مايبقى اصلة)..وخلافاتكم في طريقها الى ان تتحول الى اخطر انواع الافاعي السامة بعد الانفصال فحذاري منها .. اعملوا سادتي للسودان قليلا فقد افرطتم في العمل لانفسكم ولاحزابكم ولمصالحكم وشيدتم القصور (وجيهتو اموركم ) وتركتم اهل السودان يعيشون الان في قمة الاحباط من كل شئ ..