في السياسة: الهروب إلى العدو!! د. هاشم حسين بابكر [email protected] عندما يصل نظام الحكم أي نظام إلى مرحلة اليأس تجده يبحث عن المعينات التي يظن أنها تساعده على البقاء، رغم أنها هي ذاتها التي تسارع إلى نهايته.. فقد عمل نظام مبارك على استخدام القوة المفرطة، والبلطجة لإرهاب الشعب الثائر فكانت النتائج العكسية، إذ زاد الشعب التهاباً حتى أجبر مبارك على التنحي. وآخر ما تفتق عن ذهن القذافي تدمير طرابلس إذا وصل إليها الثوار.. وهذه قمة اليأس وإذا حلّلنا هذه المقولة تحليلاً علمياً وعملياً نجد أن روح الهزيمة قد بدأت بالفعل تدب في قلبه وأخيراً أحسّ بموقفه الحرج. وما الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في أديس بإثيوبيا إلاّ أحد حلول اليأس التي يتخذها من فقد الإرادة. مالك عقار الذي وقّع عن الطرف الثاني وبصحبة ياسر عرمان هما من كان يروج لدولة الجنوبالجديدة في إفريقيا وكانا يشكلان الوفد وحدهما وقد زارا عدة دول إفريقية لهذا الغرض.. ثم إنه في اجتماع تجمّع أحزاب المعارضة الذي دعا إليه حزب البعث السوداني وحضرته أحزاب المعارضة كان ياسر عرمان وفاروق أبو عيسى عن التجمع ورؤساء الأحزاب الأخرى تعرض ياسر عرمان لأحداث جنوب كردفان وهاجم النشاط العسكري والأمني ووصفه بالإبادة الجماعية وقد أيّده في ذلك فاروق أبو عيسى وديفيد كوكو عضو مجلس الشعب ولكن يحيى الحسين القيادي في حزب البعث تصدى لعرمان بقوة وأعلن للملأ أنه لن يشارك في تفتيت وطنه، وقد وصل الخلاف إلى الاشتباك بالأيدي مع صاحب الاقتراح.. وكان من نتيجة هذا الاجتماع أن قاطع حزب البعث الاجتماع لتجمّع المعارضة في جوبا. هؤلاء من جلس النظام معهم ووقّع اتفاقاً إطارياً بينه وبينهم. هذه التطوّرات في الأحداث تثبت عدم قدرة النظام على الاستمرار، ورغم ذلك يتشبث بالسلطة، وما ساعده على هذا التشبث هو حالة الاكتئاب السياسي التي يمر بها الشعب التي فسّرها لصالحه وظنّها علامة قبول لما يجري. ولعل البعض من أقطاب النظام يعتقدون أن بمقدورهم إيقاف دوران عجلة التاريخ وهذا مستحيل، فالشعوب والأنظمة هي التي تصنع التاريخ، وإن لم يصنعه فسيقوم آخرون بصناعته لهم ولكن حسبما يشتهون.. فكل يوم يمضي على أمة هو جزء من تاريخها الذي تصنعه بأيديها وسواعدها وسياساتها، ولا يجدي السير في خط موازٍ للتاريخ، فالتوازي مع التاريخ لا يعفي من تداعياته، بل إن تلك التداعيات تؤثر سلباً على مستقبل الأمة ومصيرها.. وخطورة التوازي مع التاريخ أنه يمنع التفاعل معه والتأثير فيه ولكنه في الجانب الآخر يفرض «أي التاريخ» على الأمة أموراً ليست في صالحها، وهذه أيضاً تجد التفسير عند المستسلمين الذين اتخذوا مسارًا موازياً للتاريخ وهذا التفسير يُعرف بسياسة الأمر الواقع.. ورغم ذلك تجد البعض من الإسلاميين يجترون الماضي «وهو تاريخ» والمجاهدات التي قدموها قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ضد نظام نميري الذي مضى وينأون عن تاريخهم المعاصر وهذا إفلاس في التاريخ، إذ أن ما مضى قد مضى، ولكن تفاعلات ما مضى قد توقفت عند ذلك الحد لان ما مضى فقد القدرة على المضي قدماً مع ما هو حاضر ليصنعا معاً المستقبل.. والتفاخر بما مضى يحبط الأعمال عند الله الذي أعلنا له «هي لله».. ومن نتائج السير في خط موازٍ للتاريخ الاستبداد ثم الفساد وتلك حقيقة قرآنية أوردها المولى عز وجل حين قال «الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد» صدق الله العظيم.. ومن نتائج ذلك أيضاً الخلل الاجتماعي الذي نعيشه، ففي كل المجتمعات تجد طبقات ثلاث طبقة الأغنياء وهي أقل الطبقات نسبة، ثم الطبقة الوسطى وعادة ما تشكل الأغلبية العظمى، ثم الطبقة الفقيرة وهي أكثر بقليل من طبقة الأغنياء، هذا التوازن بين الطبقات اختل باختفاء الطبقة الوسطى التي يفترض أن تنمو وتزدهر من الطبقة التي أسفلها وحتى من تلك التي أعلاها، فتلاقح الأفكار والقيم مفتوح لكل الطبقات.. اختفت همزة الوصل تلك وتقلص تأثيرها فانضمت الطبقة الفقيرة وأصبح المجتمع طبقتين إحداهما صغيرة الحجم النسبة ولكنها تتحكم في مفاصل الثروة والسلطة، تضخمت الطبقة الفقيرة وكل يوم تضم ألوفاً جدد في عضويتها.. خلق هذا الوضع دولة شاذة واقتصاداً شاذاً وعلاقات بين الطبقتين أكثر شذوذًا.. كما خلق سياسة شاذة أيضاً، وما قام به البعض باسم المؤتمر الوطني بتوقيعهم اتفاقاً إطارياً مع العدو، لا تفسير له إلاّ بأن النظام فقد القدرة على تشكيل جبهة داخلية تستطيع أن تقف في وجه المؤامرات الدولية التي تكيد لنا من كل حدب وصوب. والنظام لا يستطيع ذلك بسبب الخلل في طبقات المجتمع وغياب الطبقة المؤثرة أي الوسطى. أثار الألم والسخرية في أن حديث اثنين من الإسلاميين وهم يتباهون بالإنجازات التي أجملوها في تشييد النظام للطرق التي عبر عنها البسطاء «بالزُلُطة» أي جمع زلط وعبرت عن ذلك الجمع «الزُلُطة» بأنها «جمع مظلط سالم» من باب السخرية. والزلطة كما يقولون هي بنيات أساسية للتنمية وليست في حد ذاتها تنمية وكذلك الكباري والخزانات التي تولد الكهرباء فأية صناعة قامت على تلك البنيات وحتى سعر الكهرباء لم يتأثر رغم أن ثمانين في المائة تقريباً من إنتاج الكهرباء يأتي من هناك.. النظام «بصراحة ربنا» فقد القدرة على البقاء وكلما يرجوه الشعب وكل حادب على مستقبل هذه البلاد «المهتز حتى اللحظة» ليس ثورة عليه فالثورة في هذا الخلل الاجتماعي هي الغوغائية بعينها، الذي يرجوه العقلاء هو إصلاح النظام فعناصره التي تحكم منذ عقدين من الزمان وأكثر فقدت القدرة على السير واستبدالها بعناصر تعرف كيف تبني وتسير بالبلاد وتنتشلها من المصير الأسود. ولن يفيد الهروب إلى العدو عملاً بالمثل الذي يقول: «إن كنت لا تستطيع هزيمته فانضم إليه».. «IF YOU CANT BEAT HIM, JOIN HIM» إن الاستسلام للحركة ظنًا منكم أنها تقربكم إلى أمريكا زلفى كانت نتيجته أن نبذتكم الحركة ناهيك عن رضى أمريكا.. لا تهربوا إلى العدو يرحمكم اللّه..