تراسيم.. هل معك منديل أخي القارئ !! عبد الباقي الظافر تلميذة سودانية كانت تحرص دوماً على أن تستصحب معها قارورة مياه غازية.. تجعلها دائماً في أقرب نقطة منها.. تخشى عليها من أى مكروه.. المحزن أن تلك الزجاجة كانت تحوي (كسرة) ناشفة.. عندما يخرج التلاميذ لالتهام الإفطار كانت المسكينة تضيف ماءً من الحنفية ثم تأكل أو تشرب بالأحرى كسرتها. في مدرسة طرفية ذهبت منظمة طوعية تسأل عن التلاميذ الذين لا يفطرون.. المفاجأة أن نحو أربعة عشر معلماً كانوا أيضاً لا يفطرون.. المعلمون كانوا يجوعون لتوفير شيئ يسد رمق أسرهم.. المنظمة لم تجد مناصاً أن تضم المعلمين الجائعين إلى كشوفات الجوعى. كان يزورني صديق يبحث عن عمل.. في آخر زيارة ارتسمت على وجهه ابتسامة كبيرة.. ظننت أن كربته قد فرجت.. الخبر الجميل أن زوجته الجامعية وجدت عملاً في روضة.. راتب الزوجة المعلمة كان مائة وخمسين جنيهاً في الشهر..بالضبط اثنين وأربعين دولارا. على بعد أربعة وثمانين كيلو مترا من القصر الجمهوري.. أغلقت مدرسة أبوابها لمدة تسعة سنوات.. مدرسة ود الحوري التي أنشئت لنشر العلم بين أبناء المواطنين الذين يسكنون على ضفاف شارع شريان الشمال كانت تفتقد شيئاً واحداً.. وجبة إفطار.. عندما حضر الطعام عاد مائة وثلاث وثمانون طالباً لمقاعد الدراسة. في ولاية الخرطوم وحدها نحو مائة وأربعين ألف تلميذ لا يكملون اليوم الدراسي من شدة الجوع.. مدارس بالكامل في أطراف الخرطوم لا تعرف حصة الفطور.. لن تعرف هذا الشعور عزيزي القارئ إلا إذا تخيلت فلذة كبدك الصغير يضغط على بطنه من شدة الجوع وأنت تبحث عن (بيبسي) لتيسر الهضم. هنالك ضوء آخر النفق.. منظمة سودانية طوعية لحمتها وسداها من الشباب كانت تنجح في إطعام نحو ثلث التلاميذ الذين يلجون المدارس دون (حق الفطور).. الرائع أن منظمة مجددون نجحت في أن تجذب قدم المجتمع في عملها هذا.. مؤسسو مشفى (رويال كير) دفعوا لمشروعها هذا مليار جنيه.. وشركة زين للاتصالات تبرعت بثلث المليار.. ومسجد في المنشية كفل تلاميذ ثلاث مدارس.. وعريس جعل شقيقته التلميذة تحمل معها كل صباح ثلاث (سندوتشات) لتطعم بائساً فقيراً. الرائع في تجربة مجددون أنها جعلت الحكومة من ورائها.. عندما نجحت في مشاريع إيواء المشردين سأل والي الخرطوم عن عنوانها.. دعوني أحدثكم عن فكرتهم في دمج المشردين في المجتمع.. جعلوا لكل مشرد شخصين يتكفلانه بالرعاية المادية والمعنوية.. النجاح الباهر في المشروع جعل منظمة اليونسيف تفتح خزائنها. عزيزي القاري يمكنك أن تكون مجدداً.. مائة جنيه تكفي لإطعام طالب طوال العام.. أربعة عشر جنيهاً تجعل تلميذاً ينتظم في دروسه شهراً من الزمان.. إحجامك عن تناول إفطار فاخر مرة في الشهر ينقذ مستقبل طفل من الضياع. أحلم بمبادرة من اتحاد الفنانيين.. تخصيص مائة حفل خيري يعود ريعها إلى إطعام الجوعى.. أسأل اتحاد العمال إلحاحاً أن يستقطع من عضويته جنيهاً واحداً كل شهر. أتعشم من رئيس الجمهورية الذي كان يفطر من فول (أبوالعباس) في سنوات الإنقاذ الأولى أن يوفر من بيته إفطار عشرة تلاميذ. مجددون تصنع كل هذا بثلاثة عشر موظفاً ثابتاً وآلاف المتطوعين. التيار